إسرائيل تشنّ حرب رقمية واسعة على المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز

لجأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى شنّ حرب رقمية واسعة لتشويه سمعة المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيز، بحسب ما يوثّق تحقيق صحافي نشره موقع “فان بيدج” الإيطالي، وذلك على غرار حملات سابقة شنّتها دولة الاحتلال ضد من تصفهم بـ”أعدائها”، سواء أكانوا جمعيات أم حركات، أم حتى وكالات أممية، على غرار الحملة التي شنّتها على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتزامن نشر التحقيق مع إعلان وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على ألبانيز بسبب مساعي الأخيرة لدفع المحكمة الجنائية الدولية إلى اتخاذ إجراءات بحق مسؤولين وشركات ومديرين تنفيذيين أميركيين وإسرائيليين.

فرض الرواية الإسرائيلية عن الحرب في غزة

وبحسب التحقيق الذي نشره الأربعاء موقع “فان بيدج” الإيطالي، تحت عنوان “الحكومة الإسرائيلية تشتري مواد إعلانية على محرك البحث غوغل لتشويه سمعة فرانشيسكا ألبانيز”، فإن حكومة الاحتلال تسعى منذ عدة أشهر لفرض روايتها عن الحرب في غزة، من خلال حملة إعلانية مدفوعة على محرك البحث غوغل، ولتشويه سمعة ألبانيز، وهي باحثة ومحامية إيطالية، تشغل هذا المنصب منذ عام 2022.

وذكر الموقع أنه عند البحث عن اسم ألبانيز على غوغل، لم تعد صفحة ويكيبيديا الخاصة بها تظهر في النتائج الأولى كما كان يحدث حتى وقت قريب، بل تصدّر النتائج رابط لصفحة إعلانية مدفوعة تابعة لموقع govextra.gov.il، وهو نطاق فرعي رسمي للحكومة الإسرائيلية.

ويتضمّن النص المعروض اتهامات مباشرة ضد ألبانيز بأنها “انتهكت مراراً وتكراراً، خلال فترة عملها، مبادئ الحياد والنزاهة المهنية التي تشكّل جوهر ولايتها في الأمم المتحدة”، كذلك تشير الوثيقة إلى سلسلة من الانتهاكات المزعومة للمعايير الأخلاقية الأممية، وتتهمها بتكرار التواصل مع “جماعات إرهابية”، من بينها حركة حماس.

حملة واسعة

هذه الإعلانات، وفقاً للتحقيق، تشكّل جزءاً من حملة أوسع أطلقتها “وكالة الإعلان الحكومية الإسرائيلية”، وهي كيان إعلامي تابع لحكومة بنيامين نتنياهو، وتسعى للتلاعب في رواية الأحداث عبر أدواتها الخاصة للإعلام التجاري، لخدمة الأجندة السياسية للحكومة.

وقد تبيّن للموقع، من خلال تحليل المواد المدفوعة على Google Ads والبحث في بوابة “شفافية الإعلانات” التابعة لغوغل في إيطاليا، أن النطاق govextra.gov.il هو راعي الصفحة الدعائية ضد ألبانيز لأول مرة يوم 5 يوليو/ تموز الجاري، والمحدّثة يوم 8 من الشهر ذاته. هذه الصفحة تندرج، وفقاً لبيانات غوغل، تحت فئة: الأسرة والمجتمع.

وتابع الموقع أن الآلية هنا بسيطة: ما عليك إلا أن تدفع لتتصدّر صفحة ما نتائج البحث في غوغل باستخدام نظام “الدفع مقابل النقر” (Pay-per-click)، حيث يختار المستخدمون كلمات مفتاحية معينة مرتبطة بمنتجاتهم أو خدماتهم، ومن ثم يصنعون إعلانات نصّية موجّهة، بحيث تظهر كمحتوى “مُموّل” في نتائج البحث الأولى.

بتورّط شركات التكنولوجيا الأميركية الرئيسية

وأوضح التحقيق أن استهداف ألبانيز لم يكن مصادفة، إذ إن المقرّرة الأممية ندّدت، في التقرير الذي قدّمته في 30 يونيو/ حزيران الماضي إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بتورّط شركات التكنولوجيا الأميركية الرئيسية في دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية، ووصفت الاقتصاد الإسرائيلي بأنه قائم على “الاحتلال غير الشرعي، والفصل العنصري، والآن الإبادة الجماعية“، داعية إلى محاسبة الشركات الخاصة المتورطة.

ولفت الموقع إلى أن الحملة الدعائية ضد ألبانيز ليست الأولى، إذ أطلقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في مايو/ أيار 2024 حملة مماثلة ضد الأونروا.

تلاعب في النتائج واستخدام الذكاء الصناعي

وكشف التحقيق أن وكالة الإعلان الحكومية الإسرائيلية لم تتلاعب فقط بنتائج البحث، بل رعت أيضاً مقاطع فيديو مُولَّدة باستخدام الذكاء الاصطناعي على منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام، وفيسبوك، وتيك توك، ويوتيوب، تزعم تنفيذ حماس لهجمات لم تحدث قط، أو تروّج لروايات “مساعدة إنسانية إسرائيلية واسعة النطاق” في غزة، تُظهر أطفالاً فلسطينيين وهم يعانقون صناديق مواد غذائية تصل إليهم من “آلاف الشاحنات الإسرائيلية”.

كذلك ظهرت هذه المقاطع كإعلانات ضمن فيديوهات لمؤثرين وصنّاع محتوى إيطاليين، مثل أدريان ريدنيك المعروف باسم “كاليل”.

واستدرك “فان بيدج” أنه على الرغم من أن قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي (Digital Services Act) يفرض إزالة سريعة للمحتويات الزائفة والدعائية ذات الطابع الإرهابي، ويهدّد بفرض غرامات تصل إلى 6% من الإيرادات العالمية السنوية على الشركات المخالفة، فلا يزال مستمرّاً تصوير فيديوهات عبر الذكاء الاصطناعي حول المعونات الإنسانية الموجّهة إلى غزة، وحملة التشويه ضد الأونروا.

وأضاف، الآن تتصدّر نتائج البحث في غوغل صفحة مدفوعة من قبل الحكومة الإسرائيلية، تتضمّن اتهامات بالغة الخطورة بحق فرانشيسكا ألبانيز.

عقوبات أميركية

إلى جانب الحملة التي تنفذها إسرائيل، ذكرت الخارجية الأميركية في بيان على موقعها الإلكتروني، أن ألبانيز، فُرض عقوبات عليها بموجب الأمر التنفيذي رقم 14203 الصادر عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والمتعلق بـ”فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية”.

وأضافت الخارجية: “تعاونت ألبانيز بشكل مباشر مع المحكمة الجنائية الدولية في جهود التحقيق ضد مواطني الولايات المتحدة أو إسرائيل أو اعتقالهم أو احتجازهم أو محاكمتهم، دون موافقة هاتين الدولتين.. ولا الولايات المتحدة، ولا إسرائيل طرف في نظام روما الأساسي، مما يجعل هذا الإجراء انتهاكاً صارخاً لسيادة كلا البلدين”.

ووفق البيان أدانت الولايات المتحدة واعترضت مراراً وتكراراً على جهود ألبانيز، إذ وصفت الخارجية الاميركية أنشطتها بـ”الخبيثة” و”المتحيزة” والتي جعلتها لفترة طويلة غير مؤهلة لشغل منصب المقررة الخاصة”.

وتابع البيان: “عبّرت ألبانيز عن معاداة السامية بشكل صريح، واحتقارها العلني للولايات المتحدة وإسرائيل والغرب”.

وأردف البيان: “ألبانيز صعدت مؤخراً جهدها إلى كتابة رسائل تهديد إلى عشرات الكيانات حول العالم، بما في ذلك شركات أميركية كبرى في القطاعات المالية والتكنولوجيا والدفاع والطاقة، ووجهت اتهامات متطرفة لا أساس لها”.

وأوضح أن واشنطن لن تتسامح مع هذه الحملات من الحرب السياسية والاقتصادية التي تهدد مصالحها الوطنية وسيادتها.

وأُعيد تعيين ألبانيز لفترة أخرى مدتها ثلاث سنوات في وقت سابق من هذا العام.

الأمم المتحدة تنتقد عقوبات واشنطن

انتقدت الأمم المتحدة، الخميس، إعلان الإدارة الأميركية، فرض عقوبات على المقررة الخاصة للمنظمة بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، بسبب انتقادها حرب إسرائيل على غزة، واتهام تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية في القطاع الذي مزقته الحرب.

وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ستيفان دوجاريك، خلال إفادة صحافية، إن تحرك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لفرض عقوبات على ألبانيز، يشكل “سابقة خطيرة”.

وأضاف: “ألبانيز، شأنها شأن جميع المقررين الخاصين للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، خبيرة مستقلة في مجال حقوق الإنسان، مُعيّنة من قِبَل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتُقدّم تقاريرها إليه، وليس للأمين العام أي سلطة عليهم”.

وتابع دوجاريك: “مع ذلك، يحق للدول الأعضاء التعبير عن الأراء ومعارضة تقارير المقررين الخاصين، وندعوهم إلى التفاعل البنّاء مع منظومة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة”، مشيراً إلى أن “استخدام العقوبات الأحادية ضد المقررين الخاصين، أو أي خبير أو مسؤول آخر في الأمم المتحدة، أمر غير مقبول”.

روبيو عن ألبانيز: لم تعد مقبولة

وأعلن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الأربعاء، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على ألبانيز، بسبب مساعيها لدفع المحكمة الجنائية الدولية إلى اتخاذ إجراءات بحق مسؤولين وشركات ومديرين تنفيذيين أميركيين وإسرائيليين.

وقال روبيو في منشور على حسابه بمنصة “إكس”: “حملة ألبانيز السياسية والاقتصادية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعد مقبولة”، مؤكداً أن بلاده ستقف دائماً إلى جانب شركائها في حقهم في الدفاع عن النفس.

وتابع: “أفرض اليوم عقوبات على ألبانيز”، متهماً إياها بمحاولة “غير مشروعة ومخزية” لدفع المحكمة الجنائية الدولية لاستهداف مسؤولين وشركات أميركية وإسرائيلية، مؤكداً أنه سيتخذ كل ما يلزم يلزم لحماية سيادة بلاده وحلفاءها.

تقرير ألبانيز

وجاءت العقوبات بعد أيام من نشر ألبانيز تقريراً موسعاً بحث في “الآلية المؤسسية التي تدعم المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي المتمثل في تهجير واستبدال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة”.

وجاء في التقرير أن “أكثر من 60 شركة تساعد إسرائيل في حربها ضد حركة حماس”.

ورفضت البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية التقرير، ووصفته بأنه “لا أساس قانوني له، وتشهيري، وإساءة صارخة لمنصبها”.

وأشارت ألبانيز في مقابلة أجريت معه، الخميس، إلى أن العقوبات (التي فرضت عليها) “لن تنجح إلّا إذا شعر الناس بالخوف وتوقفوا عن المشاركة”.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى