البرازيل تنضم إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية

هجوم إسرائيلي واسع على غزة وقصف "غير مسبوق" حولها إلى أنقاض

أعلنت محكمة العدل الدولية أن البرازيل انضمت إلى الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في ديسمبر/ كانون الأول 2023 لارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، حيث تواصل قوات الاحتلال ارتكاب جرائم الإبادة والتهجير والتجويع بحق الفلسطينيين في القطاع.

وقالت المحكمة في بيان مساء الجمعة، إن البرازيل “استندت في طلب الانضمام الذي قدمته في 17 سبتمبر/ أيلول الحالي إلى المادة 63 من النظام الأساسي للمحكمة”.

وتنص المادة 63، على أنه إذا كانت المسألة المعروضة تتعلق بتأويل اتفاقية بعض أطرافها دول ليست من أطراف القضية فعلى المسجل أن يخطر تلك الدول دون تأخير.

وبناء على ذلك سكون بمقدور البرازيل الإدلاء ببيانات حول كيفية تأويل اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي تشكل الأساس لقضية جنوب إفريقيا.

دعوى جنوب إفريقيا

وكانت جنوب إفريقيا قد رفعت في نهاية 2023، دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، على أساس أنها انتهكت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن منع الإبادة الجماعية.

وفي يناير/ كانون الثاني 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة أمرت بموجبها إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، وأعلنت رفضها الطلب الإسرائيلي بوقف الدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا.

وفي مايو/أيار 2024، أمرت المحكمة إسرائيل بوقف هجومها على مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

وانضمت عدة دول، بما في ذلك تركيا ونيكاراغوا وفلسطين وإسبانيا والمكسيك وليبيا وكولومبيا، إلى القضية.

هجوم إسرائيلي واسع وقصف “غير المسبوق”

في الأثناء، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة هدم مكثفة للمباني في مدينة غزة، وسط هجوم واسع وقصف يصفه الفلسطينيون بـ”غير المسبوق”، وذلك في إطار سعيه للسيطرة على أكبر تجمع سكاني في القطاع، ودفع السكان إلى النزوح نحو الجنوب.

وتسعى إسرائيل إلى إجبار جميع سكان مدينة غزة على النزوح إلى منطقة المواصي، جنوب القطاع، ولكن وكالات الإغاثة الدولية تشير إلى أن “الأوضاع هناك مزرية، حيث لا يوجد ما يكفي من الغذاء ولا الدواء ولا المأوى”.

وذكر تقرير لوكالة “رويترز” أن هناك مخاوف من “تهجير دائم” للفلسطينيين، بسبب عمليات الهدم الواسعة.

تطهير عرقي

وقال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ثمين الخيطان في بيان، إن “مثل هذه الحملة المتعمدة لنقل السكان تعد تطهيراً عرقياً”.

وكان الوزير الإرهابي بتسلئيل سموتريتش قد توعد في مايو الماضي، بأن معظم قطاع غزة سوف “يدمر بالكامل” قريباً، وسيتكدس سكانه في شريط ضيق من الأرض بالقرب من الحدود مع مصر.

كما قال وزير الحرب في حكومة اليمين الإسرائيلي الفاشي يسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي، إن “غزة تحترق”، مضيفاً في تصريحات منفصلة أن “غزة ستدمر بالكامل، إذا لم تفرج حماس عن المحتجزين الإسرائيليين”.

صور الأقمار الصناعية

سوّت قوات الاحتلال مناطق بالأرض في أحياء الزيتون والتفاح والشجاعية والشيخ الرضوان وغيرها. وتظهر صور الأقمار الصناعية التي راجعتها “رويترز”، الدمار الذي لحق بعشرات المباني في الشيخ الرضوان منذ أغسطس، ما تسبب في تشريد الآلاف من الفلسطينيين.

وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي هدم ما يصل إلى 20 برجاً سكنياً في مدينة غزة.

وتمثل سياسة هدم المباني وتسوية أحياء سكنية كاملة بالأرض، أحدث مرحلة في حرب إسرائيل على غزة، حيث قتلت أكثر  65 ألف فلسطيني، وتسببت في تفشي المجاعة، وشردت معظم السكان وأجبرتهم على النزوح عدة مرات في كثير من الحالات.

وخلال هذا الأسبوع، خلص تحقيق للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.

كومة أنقاض وسط سحابة من الدخان

يروي الفلسطيني شادي سلامة الريس لـ”رويترز” رحلته مع النزوح، بعدما هدمت إسرائيل أحد الأبراج التي كان يقطن فيها مع أفراد عائلته.

وعلى مدى عقد من الزمن، ظل سلامة الريس، الموظف بأحد البنوك، يسدد قرضاً عقارياً بقيمة 93 ألف دولار لشقته في برج مشتهى شاهق الارتفاع، بأحد الأحياء الراقية في مدينة غزة.

والآن، يعيش سلامة الريس هو وأسرته في فقر مدقع بعد فرارهم من ضربة إسرائيلية هدمت المبنى في غمضة عين، ليتحول إلى كومة أنقاض وسط سحابة من الدخان والغبار.

ويمثل الهجوم الذي وقع في 5 سبتمبر على برج مشتهى المكون من 16 طابقاً، بداية حملة هدم مكثفة نفذها الجيش الإسرائيلي مستهدفاً المباني الشاهقة.

الانفجارات لا بتتوقف

وقال الريس: “بعمري ما تخيلت إني أترك مدينة غزة لكن الانفجارات ما بتتوقف.. ما بقدر أخاطر بأطفالي ولذلك أنا بجهز أغراضي وراح أطلع على الجنوب”.

وتعهد بالبقاء في القطاع قائلاً: “لو خيروني بأي بلد في العالم ما راح أختار إلا غزة”.

قبل الحرب، اشتهر برج مشتهى في مدينة غزة بإطلالته على البحر وموقعه الملائم القريب من حديقة عامة وجامعتين.

وقال الريس إن البرج كان يؤوي في الأصل نحو 50 عائلة، لكن هذا العدد ارتفع لثلاثة أمثال خلال الأشهر القليلة الماضية بعد أن استقبل سكانه أقاربهم النازحين من أجزاء أخرى من غزة.

وانتشرت عشرات الخيام التي تؤوي المزيد من العائلات النازحة حول قاعدة البرج. ولحقت أضرار بالطوابق العليا من المبنى جراء غارات سابقة.

وأوضح الريس إنه في صباح الخامس من سبتمبر، تلقى أحد الجيران اتصالاً من ضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي يطلب منه نشر الأمر بإخلاء المبنى في غضون دقائق، وإلا فإنهم “راح ينزلوا البرج فوق روسنا”.

وأضاف الريس، الذي كان يأمل في سداد قرضه العقاري بحلول هذا العام: “مشاعر رعب، وخوف وضياع ويأس وحيرة وألم سيطرت علينا كلنا، أنا شفت ناس بتجري حافية القدمين وناس نسيت جوالاتها، ووثائقها، أنا ما أخذت لا جوازات سفر ولا بطاقات الهوية”.

كما أضاف أنهم لم يحملوا معهم شيئاً، وأن زوجته وطفليه آدم (9 سنوات) وشهد (11 سنة) نزلوا الدرج وهربوا.

ويُظهر مقطع فيديو صورته “رويترز” ما حدث بعد ذلك. سقطت قذيفتان من الجو وانفجرتا في وقت واحد تقريباً بقاعدة البرج لينهار في حوالي ست ثوان.

وتصاعد الغبار والدخان وتناثر الحطام في الشوارع وفوق خيام النازحين، الذين تفرقوا وهم يركضون ويصرخون.

مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لـ”رويترز”، إن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أدلة تثبت أن الأبنية التي استهدفها في مدينة غزة “أهداف عسكرية مشروعة”.

وقال الريس، الذي كان رئيس اتحاد سكان المبنى، إن أسلوب الهدم ليس منطقياً، نافياً المزاعم الإسرائيلية بوجود “حماس” في البرج.

وأضاف: “كان بإمكانهم يتعاملوا مع الموضوع بطريقة ما تسبب أذى ولا خدش لأي حدا، مش يدمروا برج 16 طابقاً”.

وبعد أسبوعين قضاها مع عائلته في حي الصبرة، غادر الريس، مثل مئات الآلاف من سكان المدينة، الذين نزحوا منذ أغسطس، ونصب خيمة في دير البلح وسط قطاع غزة، الخميس.

ذكر سكان تحدثت إليهم “رويترز” أن جيش الاحتلال يدمر ما يصل إلى 12 منزلاً يومياً في أحياء الزيتون والتفاح والشجاعية.

وتظهر صور الأقمار الصناعية لعدة أحياء أضراراً جسيمة لحقت بضواحي المدينة في الأسابيع القليلة الماضية.

ووثقت منظمة “بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة” ACLED، وهي منظمة غير ربحية تجمع بيانات عن الصراعات حول العالم، أكثر من 170 واقعة هدم نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة منذ أوائل أغسطس، معظمها من خلال تفجيرات محكومة في المناطق الشرقية، بالإضافة إلى حيي الزيتون والصبرة.

وقالت أمينة مهفار، كبيرة محللي شؤون الشرق الأوسط في ACLED لـ”رويترز”: “يبدو أن وتيرة ومدى عمليات الهدم أوسع نطاقاً مما كانت عليه في الفترات السابقة”.

وأضافت أنه “في المقابل، تم تسجيل أقل من 160 عملية هدم من هذا القبيل في مدينة غزة خلال 15 شهراً الأولى من الحرب”.

وأفاد سكان تحدثوا إلى “رويترز” أيضاً بأن القوات الإسرائيلية فجرت عربات مسيرة عن بعد محملة بالمتفجرات في حيي الشيخ رضوان وتل الهوى، مما أدى إلى تدمير العديد من المنازل خلال الأسبوعين الماضيين.

وذكرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أنها وثقت عمليات هدم محكومة لبنية تحتية سكنية، وقالت إن “بعض الأحياء دمرت بالكامل”.

تدمير غزة

ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فإنه حتى قبل الهجوم الحالي على مدينة غزة، تضرر أو دمر ما يقرب من 80% من المباني في غزة، أي نحو 247 ألف و195 مبنى، منذ بدء الحرب.

وشمل ذلك 213 مستشفى و1029 مدرسة. وجرى جمع البيانات في يوليو الماضي.

وقالت بشرى الخالدي مسؤولة السياسات المتعلقة بغزة في منظمة “أوكسفام” الإغاثية، إن الأبراج السكنية هي أحد آخر أشكال الملاذات المتاحة، وحذرت من أن إجبار الناس على النزوح سيؤدي إلى تفاقم الاكتظاظ السكاني في الجنوب “بشكل مطرد”.

وكان طارق عبد العال (23 عاماً)، وهو طالب دراسات مالية من حي الصبرة، متردداً في مغادرة منزله مع عائلته رغم قصف المنطقة على مدى أسابيع، قائلاً إنه منهك من أوامر الإخلاء المتكررة خلال الحرب.

ولكنهم غادروا صباح 19 أغسطس فقط بعد هدم المنازل المجاورة لمنزلهم المكون من ثلاثة طوابق. وقال إنه بعد 12 ساعة فقط، دمرت غارة إسرائيلية منزل العائلة.

وذكر عبد العال لـ”رويترز”من مخيم النصيرات وسط غزة، واصفاً الأضرار الجسيمة التي لحقت بالشارع بأكمله: “يمكن لو ضلينا هاديك الليلة في البيت كان تم قتلنا.. دمروا أملنا في إننا نرجع”.

العربات المفخخة

في الوقت نفسه، واصل جيش الاحتلال تفجير العربات المفخخة بين المباني في مدينة غزة لتحقيق أكبر قدر من الدمار.

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الجيش الإسرائيلي يفجر ما يعادل 17 عربة مفخخة يوميا في المدينة. وأضاف أنه وثق تفجير نحو 120 عربة مفخخة في أحياء المدينة الأسبوع الماضي.

الإبادة متواصلة

ذلك فيما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل الفلسطينيين في عدة مناطق بقطاع غزة، اليوم السبت، كما واصل تدمير المباني السكنية وتفجير العربات المحملة بأطنان المتفجرات وسط أحياء مدينة غزة في إطار خطته لاستكمال اجتياح المدينة واحتلالها.

وأفادت مصادر في مستشفيات غزة باستشهاد ما لا يقل عن 107 شخصا بنيران جيش الاحتلال منذ فجر اليوم، معظمهم في مدينة غزة.

ودمرت قوات الاحتلال مزيدا من المباني، من بينها مبنى سكني في حي النصر غربي مدينة غزة.

وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، راح ضحيتها نحو 65 ألفا و174 شهيد و166 ألفا و71 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، إضافة لآلاف المفقودين.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى