في ليبيا.. أحلام المهاجرين بالوصول لأوروبا تتحول إلى كوابيس
منذ أن انتشرت فيديوهات توثيق عمليات بيع مهاجرين أفارقة في أسواق النخاسة في ليبيا، توجهت الأنظار إلى هذا البلد الغارق في فوضى أمنية وسياسية منذ نحو سبع سنوات، لمتابعة أوضاع المهاجرين الذين يضطرون لعبوره للوصول إلى المتوسط والتوجه إلى أوروبا. تقارير كثيرة تحدثت عن ظروف المهاجرين في مراكز الاحتجاز. مهاجرون تواصلوا مع مهاجر نيوز رغبة منهم في نقل الصورة الحقيقية لواقعهم. وفي ما يلي عرض عام لأوضاع المهاجرين والظروف الحياتية داخل مراكز الاحتجاز في ليبيا.
تحولت ليبيا إلى ما يشبه الكابوس بالنسبة للمهاجرين، خاصة الأفارقة منهم الذين يضطرون لعبورها للوصول إلى الساحل، الخط الفاصل الأخير بينهم وبين الحلم الأوروبي.
وقد لا تكون مشقات الرحلة هي أسوأ ما فيها، فعبور الحدود وتخطي الصحراء هو أهون بكثير بالنسبة لهؤلاء من الوقوع في أيدي عصابات تدير مراكز احتجاز في العديد من المناطق الليبية.
تلك المراكز المكتظة بالآلاف (ليس هناك من أرقام مؤكدة حول أعداد المهاجرين المحتجزين فيها) أصبحت هاجس المهاجرين، فهناك يتعرضون للاستغلال والضرب والتعذيب والاغتصاب.
من تصدير الهجرة إلى مكافحتها
منذ أن كثف الاتحاد الأوروبي جهوده لمكافحة الهجرة غير الشرعية، تحولت ليبيا من مصدر رئيسي للمهاجرين إلى طريق مسدود لهؤلاء. فالاتفاقات الدبلوماسية التي وقعتها الحكومة الليبية مع الاتحاد ودوله ساهمت بشكل كبير في تخفيض أعداد المهاجرين، خاصة الأفارقة، الوافدين إلى القارة العجوز. وشملت تلك الاتفاقات دعما ماديا ولوجستيا لعدد من المشاريع والمؤسسات الليبية، ومنها جهاز خفر السواحل، الذي تحول إلى الأداة الرئيسية في الحملة الليبية لمكافحة الهجرة عبر شواطئها.
وتنتشر عبر الأراضي الليبية مراكز احتجاز للمهاجرين، الذين تتم إعادتهم من المتوسط وأولئك الذين لم يحالفهم الحظ ليركبوا “قوارب الموت” باتجاه أوروبا.
ووفقا لمفوضية شؤون اللاجئين، هناك نحو 30 مركز احتجاز للمهاجرين في ليبيا تديرها الحكومة الليبية. هذا عدا عن المراكز التي تديرها الميليشيات وعصابات التهريب في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة. ويعتقد أن أعداد المهاجرين الموجودين في ليبيا قد يصل إلى مئات الآلاف.
انتهاكات لحقوق المهاجرين بالجملة
أحد العاملين مع منظمة الهجرة الدولية في ليبيا، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لمهاجر نيوز “أوضاع تلك المراكز سيئة بالإجمال، انتهاكات حقوق المهاجرين هناك لا تحصى، فضلا عن الابتزاز والضرب الذي يتعرضون له على أيدي القيمين على تلك المراكز”.
وأكد الموظف في المنظمة الأممية أن “الوضع الأمني في البلاد يمنعنا من التحرك بحرية والبحث عن المراكز التي تحتوي على مهاجرين، وفي أغلب الأوقات ندير برامجنا وأعمالنا من تونس… نشعر بالإحباط لعدم تمكننا من الوصول للمراكز التي تشرف عليها الميليشيات والمجموعات المسلحة”.
“ننام على حد السكين”
طاهر (اسم مستعار)، مهاجر سوداني يبلغ من العمر 35 عاما موجود حاليا في أحد مراكز الاحتجاز في مدينة طرابلس، تواصل مع مهاجر نيوز حيث أدلى بشهادته حول ظروف احتجازه في ذلك المركز. “الحياة هنا صعبة جدا، لا يوجد ما يكفي من المراحيض، والكثير من الشجارات تنشأ بسبب الماء والطعام. بالكاد نستطيع النوم من شدة الاكتظاظ، نضطر للنوم على حد السكين (على جنب لتوفير مساحة للآخرين)…”.
اعتقل طاهر في شباط/فبراير الماضي، وهو ينتظر ترحيله. طاهر خسر آلاف الدولارات خلال سعيه وراء الهجرة إلى أوروبا، سلبها منه المهربون. “هناك الكثير من المهاجرين من جنسيات مختلفة” يقول طارق، “صوماليون وسودانيون وإريتريون وبنغال… جميعنا في ذلك المركز… لا يمكنك تخيل الرائحة هنا…”.
وتخضع مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا للسلطات أو الهيئات المسيطرة في المنطقة التي يقع فيها المركز. ففي طرابلس ومصراتة على سبيل المثال، تخضع المراكز لسلطة هيئة مكافحة الهجرة غير الشرعية التابعة للحكومة. كما توجد مراكز خاضعة لسلطة المجالس المحلية والقبلية في مدن الوسط والجنوب مثل الوليدية. هذا بالإضافة إلى عدد غير معلوم من المراكز الخاضعة لسلطة المجموعات المسلحة والمنتشرة في مناطق خارجة عن سيطرة أي من الحكومتين المتنازعتين وبالتالي فهي بعيدة عن أعين المنظمات الدولية.
وحول الأوضاع في المراكز التي تقع في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة يقول الموظف في منظمة الهجرة الدولية “كثيرا ما يتم الإبقاء على المهاجرين واللاجئين داخل معسكرات الاحتجاز المكتظة دون غذاء أو ماء صالح للشرب ولا حتى مراحيض أو حمامات للاغتسال، وهو ما يتسبب في تفشي الأمراض بينهم. كما يقوم بعض اللاجئين بأعمال جسدية شاقة مقابل الحصول على الغذاء، وهو وضع للأسف قد يحدث أيضا في معسكرات تابعة لهيئة مكافحة الهجرة غير الشرعية”.
“تغطي وليدها بقطعة قماش بالية”
محمود، مهاجر سوداني آخر أرسل لمهاجر نيوز عدة شهادات حول مركز الاحتجاز الذي كان فيه، قبل أن يتم ترحيله إلى السودان. “كان هناك قسم للمهاجرات، إحداهن كانت حاملا ووضعت مولودها وهي في المركز. وضعها كان مأساويا، أذكر أنها كانت تغطي وليدها بقطعة قماش بالية. الوضع في تلك المراكز مخيف جدا، لا توجد عناية طبية نهائيا”.
منظمة أطباء بلا حدود أصدرت تقريرا حول تلك المراكز تحدثت فيه عن افتقارها إلى الاحتياجات الأساسية، خاصة مع وجود أعداد كبيرة جدا من اللاجئين، إذ تتفاوت أعدادهم في كل مركز احتجاز بشكل كبير.
وأفاد تقرير المنظمة الدولية أن كيفية عمل نظام الاحتجاز لا يزال غامضا في ليبيا، حيث يتم اعتقال الأشخاص بشكل تعسفي مع غياب أي قانون في البلاد يعمل على تنظيم هذه الأمور.