أزمة مالية وفساد وترقيات… ماذا يجري في مؤسسات السلطة الفلسطينية؟

لا تتوقف السلطة الفلسطينية ورئيس حكومتها محمد اشتية، عن الإعلان للمجتمع الدولي والمانحين بشكل متكرر حول العجز المالي في موازنتها العامة والتلويح بإجراءات تقشف تطال موظفيها والخدمات التي تقدمها.

ورغم أن حقيقة ما تعلنه السلطة لا يعلمه أحد، نتيجة غياب الشفافية والغموض في تفسير بنود الموازنة العامة، إلّا أن ممارساتها الفعلية لا توحي بوجود العجز الذي يدعيه رئيس وزراء السلطة وعدد من كبار المسؤولين والمستشارين.

ويعد ملف الترقيات في مؤسسات ووزارات السلطة ، واحد من أهم الملفات التي تسلط الضوء على عدم جدية إجراءات الحكومة الفلسطينية في التعامل مع ما تعلن عنه من وجود أزمة مالية تعصف بها، هي الأسوأ منذ تأسيسها بحسب تعبير بعض مسؤوليها.

ومن القواعد الأساسية في التعامل مع أي أزمة مالية تواجه الحكومات، هو وقف الترقيات، التي يترتب عليها زيادة في الراتب وفي طبيعة العلاوة، خاصة إذا ما كان الحديث يدور عن ترقيات لمناصب عليا في المؤسسات أو الوزارات.

ترقيات لمناصب عليا

خلال الأشهر الماضية، حصل عشرات الموظفين على ترقيات لمناصب عليا، بعضها استثنائي، فمثلا في 8 شهر أيلول/سبتمبر الماضي أصدر الرئيس محمود عباس 8 ترقيات لمسؤولين في عدة وزارات، بينها قرارين بترقية إلى مدير بدرجة (A) وقرارين بترقية إلى مدير بدرجة (A1) وأربعة قرارات بالترقية إلى درجة (A2) وثلاثة قرارات بالترقية إلى مدير بدرجة (A3) وقرار بالترقية إلى مدير بدرجة (A4).

زوجة أحد مرافقي اشتية

وإذا كانت الترقيات العليا تحتاج لقرار من رئيس السلطة محمود عباس، فإن بعضها لا يحتاج لأكثر من قرار من رئيس الوزراء محمد اشتية، وهو ما جرى في قرار ترقية (ر.ع) زوجة أحد مرافقي اشتية، في ذات الشهر الذي تلقى فيه الموظفون العموميون 75٪ من رواتبهم، وتقع الترقية في هيئة تسوية الأراضي والمياه، وقد وقع عليها كل من رئيس الهيئة، ورئيس ديوان الموظفين العام، ورئيس ديوان رئيس الوزراء.

ولم يقف الأمر عند الترقية فحسب، بل جاءت “الترقية الاستثنائية” مخالفة لشروط الشاغر التي ملأته هذه الترقية، إذ اشترطت وجود خبرة 6 سنوات فعلية فيما لم تتجاوز خبرة (ر.ع) الـ 4 سنوات، وبحسب الوثائق، يترتب على الترقية بأن تصبح (ر.ع) مديرًا على الفئة الأولى والدرجة (c)، وتعديل علاوة طبيعة العمل لتصبح 50٪، بأثر رجعي من تاريخ10 أكتوبر\تشرين الأول 2021.

وتأتي “الترقية الاستثنائية” مخالفةً للمادة (25) في القانون الأساسي، فيما يتعلق بالحق في تقلُّد الوظائف على قاعدة تكافؤ الفرص، وانتهاكًا للقانون الدستوري في المادتَين (9، 25)، وأيضًا لما نصَّ عليه قانون الخدمة المدنية، بحسب تأكيد قانونيين.

تعيين الأقارب

على الرغم من أنه لم يرد نص قانوني واضح في تعيين الوكلاء والمحافظين وكبار الموظفين، لكن المادة 7 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها فلسطين عام 2014 تنص على ضرورة اعتماد مبادئ الكفاءة، والشفافية، والمعايير الموضوعية، مثل: الجدارة، والإنصاف، والأهلية في نظم التوظيف والترقية، وهو ما تتم خلافه التعيينات والترقيات للمناصب العليا لدى مؤسسات السلطة، حيث تم رصد خلال عدد واحد فقط من الجريدة الرسمية أكثر من 35 قرار ترقية صادرة عن رئيس السلطة محمود عباس، على الرغم من إصدار قرار رسمي بوقف التعيينات والترقيات وشراء العقارات والسيارات وتقنين بدلات السفر، وجملة من القرارات لتخفيف حدة الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة.

أوجه التقشف

ويرى الخبير الاقتصادي هيثم دراغمة أنه “طالما أن السلطة الفلسطينية تعاني من أزمة اقتصادية وذهبت الحكومة لتجزئة الرواتب، المفترض أن تذهب باتجاه التقشف، وألا يكون فقط بخصم 25٪ من رواتب الموظف وتأجيل دفعه، بل أن يكون على مستوى أعلى من ذلك، بمعنى وقف الترقيات من الدرجات العليا.”.

ويضيف دراغمة، “نحن نشهد في كل شهر تعيين سفراء وتنقلات وتعيينات عليا، هذا من شأنه أن يرهق موازنة الحكومة، والمفترض أنه حينما يخرج إلينا المسؤول المالي في السلطة الفلسطينية أو رئيس الوزراء ويقول بأن هناك أزمة فعلية عليه أن يأخذ بعين الاعتبار الفعل الحقيقي والموضوعي بأن لا يطال صغار الموظفين فقط وإنما جميع النواحي”.

وبحسب الخبير الاقتصادي، فإنه يجب وقف التعيينات من الدرجة العليا، وإبقاء التعيينات على الدرجة الدنيا، موضحًا، أنه في ظل وجود بطالة في فئة الشباب، مع راتب لا يتجاوز ألفي شيكل للموظف الجديد، فلن تكون مشكلة لدى الحكومة لو أبقت التعينات بحد معين من هذه الفئة، حينها لن تكون هناك مشكلة لدى الحكومة بقدر التعيينات الكبيرة من الفئات العليا سواء سفير أو وزير أو ترقيات لدرجة مدير أو مدير عام.

نظام لا يخضع للرقابة

من جانبه، يقول رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة الغربية خليل عساف إن أي نظام لا يخضع للرقابة فإنه لا ينظر لمعايير الشفافية والنزاهة أو المصلحة العامة، ويميل إلى خدمة مراكز القوى التي تخدم الجهات أو السلطة.

ويتساءل رئيس لجنة تجمع الشخصيات المستقلة في الضفة: “ماهي المسابقات التي خاضها هؤلاء لكي يحصلوا على المناصب وماهية المؤهلات والأساس التي يتم تعيين هؤلاء على أساسه؟”.

ويتابع عساف: “مراكز القوى هذه تعمل على خدمة أتباع السلطة وكل شخص يحاول أن يأخذ لنفسه ما يستطيع”، مستكملاً: “إذا ما نظرنا إلى بعض السفراء الذين عينوا في الفترة الأخيرة فهم مدير عام الشرطة السابق أو أبناء بعض المسؤولين والقيادات”.

وكان ديوان الرقابة المالية والإدارية في السلطة الفلسطينية، قد كشف في تقريره للعام 2020، عن مخالفات في عمل هيئة مكافحة الفساد، تتعلق بالبيانات المالية للهيئة، وامتثالها للقوانين والإجراءات التنظيمية.

وأوضح الديوان أنه أجرى فحصاً رقابياً على أعمال هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، خلال الفترة من بداية عام 2010 حتى تاريخ 15 أيار/مايو 2019، وشمل المواضيع التالية: البيانات المالية للهيئة، وامتثال الهيئة للقوانين والإجراءات التنظيمية الأخرى، واللوازم العامة، والتعيينات، والترقيات، ومهام العمل الرسمية، والدورات التدريبية الخارجية.

الفساد ينخر معظم القطاعات

وأظهر أداء السلطة الفلسطينية خلال العام 2021 وما كشف عنه خلال العام الحالي، فسادا طال كافة القطاعات دون استثناء، تمثلت أبرز مظاهر هذا الفساد، في ما عرف بـ”صفقة اللقاحات“، بالإضافة إلى وجود خروقات في اختيار المستفيدين من صندوق “وقفة عز”، والفساد في تعيينات الأقارب وترقياتهم في السلطة الفلسطينية.

وقد كشفت تقارير مختلفة بما فيها تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية التابع للسلطة، عن فساد ما عرف بصفقة اللقاحات، خلال حزيران 2021، والتي تم الكشف عنه بعد إعلان حكومة الاحتلال عن اتفاق مع الصحة الفلسطينية بتحويل نحو مليون جرعة شارفت تواريخ صلاحيتها على الانتهاء إلى السلطة الفلسطينية على أن تحصل في المقابل على الكمية ذاتها من الشركة المصنعة نهاية العام الجاري، بالإضافة إلى وجود خروقات في نقل اللقاحات وتخزينها قبل وصولها إلى الصحة الفلسطينية، وهو ما لاقى ردود فعل واسعة طالبت بإجراء تحقيق بشأن هذه الصفقة التي تراجعت عنها السلطة في ما بعد بفعل الضغط الشعبي قائلة إنها “مخالفة وغير مطابقة للمواصفات الواردة في الاتفاق”.

قطاع الأمن

وبحسب مقياس النزاهة، تشير التصنيفات إلى أن الشفافية لدى قطاع الأمن العام ذات ضعف كبير.

وبينت التقارير، أن هناك فارقا كبيرا ما بين التشريعات وما بين الممارسات على الأرض، بالإضافة إلى وجود نقص واضح في اللوائح الناظمة للرقابة على أجهزة الاستخبارات لغياب آليات واضحة للنظر في ملاءمة المرشحين لرئاسة الأجهزة الأمنية، ونقص في التشريعات المتعلقة بتعزيز الشفافية لعدم إصدار قانون الحق في الوصول للمعلومات، ونظام حكومي لتصنيف الوثائق اللذين يحددان آليات التعامل مع المعلومات والوثائق الأمنية والحكومة والمدة الزمنية المصرح بها للإعلان عنها.

وأثر غياب غياب قوانين وأنظمة تفصيلية أخرى تنظم العلاقة في عمل المؤسسة الأمنية على منظومة النزاهة في عمل المؤسسة الأمنية ومن أبرزها قانون الحق في الحصول على المعلومات. فاستخدام مصطلحات مطاطة، مثل “الأمن القومي”، دون تحديد يؤدي إلى حجب المعلومات عن المواطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى