أوروبا تجازف بخطر مضاعف مع تركيا

روبرت إليس

يتحمل “الممثل الأعلى” للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مسؤولية كبيرة على عاتقه. ومثل رواية “دون كيخوتي”، يتصور البطل خوضه معركة مع العمالقة، لكنه في نهاية الأمر يرى نفسه يحارب أعداءاً وهميين، وفي النهاية يقع من على حصانه.

كانت الحادثة الأولى في هذه المحاولة الخيالية لمحاولة إعادة ضبط معايير الاتحاد الأوروبي هي زيارة بوريل إلى موسكو قبل ثلاثة أسابيع. هنا وقع الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية من فوق حصانه بكل تأكيد. وقال بوريل في مدونته “ذهبت إلى موسكو هذا الأسبوع لأرى، من خلال الدبلوماسية المبدئية، ما إذا كانت الحكومة الروسية مهتمة بمعالجة الخلافات وعكس الاتجاه السلبي في علاقاتنا. لكن رد الفعل الذي تلقيته يشير إلى اتجاه مختلف”. أشار مؤتمر صحافي تم تنظيمه بعدوانية وكذلك طرد روسيا لثلاثة دبلوماسيين أوروبيين بينما كانت تستعد لاستقبال جوزيب بوريل، إلى أن روسيا لا تريد اغتنام الفرصة لإجراء “حوار بنّاء” مع الاتحاد الأوروبي.

جاء بوريل لمناقشة قضية اعتقال أليكسي نافالني ودعا للإفراج الفوري وغير المشروط عنه، ثم دعا كذلك إلى إجراء تحقيق كامل ونزيه في محاولة اغتياله، لكن مطالباته هذه لم تلق اهتماماً من المسؤولين المعنيين. كذلك لم يلقي وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بالاً لدعوات بوريل بالتزام روسيا في مجال حقوق الإنسان كعضو في مجلس أوروبا.

وفي الأخير، أكد لقاء بوريل مع لافروف والرسائل التي بعثتها السلطات الروسية خلال زيارته أن أوروبا وروسيا تنفصلان عن بعضهما البعض. حيث بدا لبوريل أن روسيا تنفصل بشكل تدريجي عن أوروبا وتنظر إلى القيم الديمقراطية على أنها تهديد وجودي.

وقال بوريل “نقف الآن على مفترق طرق. ستحدد الخيارات الاستراتيجية التي نتخذها الآن ديناميكيات القوة الدولية في القرن الحادي والعشرين، وما إذا كنا سنتبنى نماذج أكثر تعاونًا أو أكثر استقطابًا، بناءً على مجتمعات مغلقة أو أكثر حرية”.

وبالنظر إلى حقيقة أن العملاق التالي الذي سيحاربه بوريل هو تركيا، فإن وجهة النظر هذه تحظى بأهمية كبرى. وتحت وصاية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تبنى الاتحاد الأوروبي سياسة “الحوار البناء” و “الأجندة الإيجابية” للتعامل مع هذه المواجهة مع القيم والمعايير الأوروبية.

وبدافع الضرورة الاقتصادية المطلقة، تعهد الرئيس أردوغان “بفتح صفحة جديدة” في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي ورؤية مستقبلها في أوروبا. كانت الخطوة الأولى هي عقد اجتماع بين جوزيف بوريل ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في بروكسل لإجراء مناقشة صريحة ومفتوحة حول العملية السياسية في تركيا وآفاق “الانضمام إلى الاتحاد”. كان الهدف من الاجتماع تطوير علاقة تعاونية ومتبادلة ترتكز على القيم والمبادئ المشتركة.

لكن لم يتم قوْل كلمة واحدة عن مطالبة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومجلس أوروبا بالإفراج عن زعيم الحزب المعارض الكردي صلاح الدين دميرطاش ورجل الأعمال عثمان كافالا.

وقال سفير الاتحاد الأوروبي السابق في تركيا، مارك بيريني، بشأن هذه “الأجندة الإيجابية” أن الاشتراك الأعمى في التحركات الاستفزازية التي تقوم بها تركيا يمكن أن يشكل زلة وتنازلًا عن القيم الأوروبية.

وشجبت جودي ديمبسي، رئيسة تحرير مجلة “ستراتيجيك يوروب”، عجز الاتحاد الأوروبي عن بناء سياسة خارجية أكثر استراتيجية ، وفشله في اتباع نهج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما وصفت المستشارة أنجيلا ميركل بأنها غير مؤهلة استراتيجيًا.

وعقد صندوق مارشال الألماني مؤخرًا ندوة عبر الإنترنت لإيجاد سبل وضع “الأجندة الإيجابية”، لم ينتج عنها أي نتائج ملوموسة. وأضافت الكرواتية عضو البرلمان الأوروبي، سيليانا زوفكو، التي ترأس أيضًا منتدى الاتحاد الأوروبي وتركيا، ملاحظة واقعية عندما ذكرت أن إجراء بعض المكالمات الهاتفية مع ألمانيا لم تكن كافية. يتعين على تركيا أن “تسير في الاتجاه الصحيح” وأن تظهر تنفيذها لبعض الإصلاحات فيما يتعلق بالمجتمع المدني والصحافيين والحق في التظاهر.

كما شددت زوفكو على الانقسام بين الجزء العلوي من “مبنى بيرلايمونت” والطوابق السفلية التي تستضيف البرلمان الأوروبي، وقالت “إن الأجواء تجاه تركيا في البرلمان الأوروبي سيئة للغاية”.

وبعد إخفاق بوريل في موسكو، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات محدودة (حظر السفر وتجميد الأصول) ضد المسؤولين الروس. والآن ننتظر بفارغ الصبر مقترحات الرئيس أردوغان للإصلاح الديمقراطي والاقتصادي في تركيا. وبالمثل، قبل اجتماع المجلس الأوروبي في مارس، تمت دعوة بوريل والمفوضية لتقديم تقرير بشأن العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والأدوات والخيارات حول كيفية المضي قدمًا.

لكن الأحداث على أرض الواقع تأخذ منعطفاً مختلفًا. تجري تركيا الآن مناورات بحرية ضخمة في البحر الأبيض المتوسط ​​وبحر إيجه بمشاركة 87 سفينة حربية و 27 طائرة و 20 مروحية وطائرة مسيرة.

يجري ما لا يقل عن 20 ألف جندي أميركي و145 طائرة هليكوبتر وأكثر من 1800 عربة مدرعة تدريبات عسكرية مشتركة مع اليونان في غرب تراقيا كجزء من تمرين “ديفيندر يوروب 21” في وسط وشرق أوروبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى