إخونجية المغرب يشهرون أسلحة الدين ضد الحكومة

بعد الهزيمة التي منى بها إخونجية المغرب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وخروجهم المهين من الحكومة، دأب عبدالإله بنكيران أمين حزب العدالة والتنمية الإخونجي، على التحريض وافتعال الأزمات وإشعال نار الخلافات وتوزيع الاتهامات، ومهاجمة المسؤولين في الحكومة المغربية، بزعم بمخالفة الدين والفساد، آملا في أن تقوده خطواته إلى العودة للمشهد، ولو من باب الخلافات والصراعات، غير عابئ بالشعب المغربي أو استقراره.

نهج لم يتورع رئيس إخونجية المغرب بنكيران، في أن يلبسه رداء الدين، لإضفاء نوع من القدسية عليه، ودغدغة المشاعر، واللعب على وتر العاطفة الدينية لدى المواطنين المغاربة.

من بوابة مدونة الأسرة والقانون الجنائي، حاول بنكيران استغلالها فرصة سانحة للخلط بين الشأن السياسي والديني؛ فشن هجوماً على وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي، واصفًا تعيينه في منصبه على رأس وزارة العدل بـ”المصيبة”.

جاء ذلك ضمن تعليق الأمين العام حول إصلاح مدونة الأسرة والقانون الجنائي في كلمته الافتتاحية لأشغال الملتقى الجهوي للهيئات المجالية والمنتخبين بجهة بني ملال خنيفرة.

هجوم بنكيران لم يستهدف فقط وزير العدل، بل طال أيضا عبدالوهاب رفيقي (أبو حفص) الذي عينه وهبي مستشارا له قبل أسابيع، قائلا: “هذا الفقيه الذي كان سلفيًا متشددًا كان يسخر منا نحن في البرلمان، وبعد ذلك طمّعه ذاك المصيبة ديال فاس (يقصد العمدة السابق لفاس والنائب البرلماني السابق حميد شباط) بأن يدخله إلى البرلمان.

تبشير بالاقتتال

واتهم بنكيران وزير العدل بالسعي لإسقاط تجريم العلاقات الرضائية خارج الأسرة، مهددًا بأن إسقاط التجريم سيؤدي إلى الاقتتال في المغرب، قائلًا: “إذا وجد الرجلُ، رجلًا آخر مع زوجته، حاليًا، يمكنه اللجوء إلى الدولة، لكن إذا تم إسقاط التجريم عن الفساد فلا يمكن أن يتدخل وكيل الملك؛ فهل سنقتل بعضنا أم ماذا؟ وهذا ما يحصل حاليا في فرنسا، حيث تقتل امرأة كل يومين”.

مهاجمة بنكيران لوزير العدل ومدونة الأسرة، جاءت بعد يوم واحد من رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس، إلى المشاركين في ندوة نظمتها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمراكش، قال فيها إن “المسؤولية التي يتحملها علماء الدين، مسؤولية عظمى، وازدادت أهميتها وخطورتها في هذا العصر”.

وقال العاهل المغربي، إن “العلماء مطالبون بالتأثير الإيجابي في الناس، بأن يبينوا لهم محاسن الوسطية والاعتدال، وبنفي التأثير السلبي للأصناف المتطرفة الجاهلة في عقول الأبرياء”، مشيرًا إلى أن “المغرب، وانطلاقًا من ضرورة حماية دين الله، قام بمأسسة الفتوى، وجعلها جماعية من ضمن اختصاصات المجلس العلمي الأعلى”.

لعب على العاطفة الدينية

تقول الكاتبة والأكاديمية المغربية شريفة لموير، إن عبدالإله بنكيران يتصيد فرصة لانتقاد الحكومة الحالية في مناكفة سياسية واضحة، مشيرة إلى أن انتقاده لوزير العدل يأخذ منحى دينيًا، في مسعى منه للعب على العاطفة الدينية لدى المواطنين المغاربة”.

وبحسب الأكاديمية المغربية، فإن بنكيران يتخذ من مطالب تعديل مدونة الأسرة فرصة سانحة للخلط بين الشأن السياسي والديني، مشيرة إلى أن “شطحات” بنكيران السابقة تأتي في السياق نفسه.

إلا أنه رغم تكرار تلك المداخلات بالزاوية نفسها، لم يكن لها تأثير جماهيري أو نخبوي، كما أن أعضاء الحكومة لا يردون عليها إلا بالتجاهل، تقول الأكاديمية المغربية، مشيرة إلى أنه (بنكيران) يبدو كأنما يتحدث لنفسه، بعد أن انصرف الشارع المغربي عنه وعن مشروع الإسلام السياسي كمنظومة للحكم وإدارة الدولة.

وتقول لموير، إن تعيين عبدالوهاب رفيقي مستشارًا لوزير العدل لقي استحسانًا كبيرًا في الشارع المغربي؛ كون الأخير معروفًا بمواقفه المعتدلة فيما يخص المساواة في الإرث وكذا التعديلات التي يراد إحداثها على مدونة الأسرة، إلا أن بنكيران وأتباعه -الذين يعتبرون أنفسهم المتحدثين الوحيدين عن الدين وما شرع الله- لم يكونوا راضين عن تلك الخطوة.

شرارة التعصب والإرهاب

في السياق نفسه، يقول الباحث في السوسيولوجيا السياسية وعضو مركز شمال أفريقيا للدراسات والبحوث وتقييم السياسات العمومية، عبدالمنعم الكزان، إن مشكلة “حركات الإسلام السياسي” سواء في المشرق أو المغرب العربي تتمثل في أنهم يشتغلون بموضوع التحيز والغلبة والتي تؤدي بشكل غير مباشر إلى ما يسمى بـ”ظاهرة اختطاف الدين”.

وأوضح الكزان، أن “الحركات الإخونجية يحولون أنفسهم كمتحدثين باسم الدين”، مشيرًا إلى أن “حزب العدالة والتنمية المغربي ينتمي فكريًا لهذا الاتجاه الإسلاموي”.

وأشار إلى أن “ملاحظات عبدالإله بنكيران الأمين العام للحزب، حول مدونة الأسرة التي تعد شأنًا فقهيًا وليس سياسيًا، يكرس هذا المعنى”.

إلا أن “ثمة إشكالية أخرى تهدد سلامة المجتمعات؛ فالحركات الإسلامية ليس مخولا لها الإفتاء في شؤون المسلمين، كون الإفتاء له شروطه وضوابطه، التي يفتقدون لأبسطها”، بحسب الباحث في السوسيولوجيا السياسية الذي قال إن تلك الحركات غير مخول لهم بالدخول في معترك الفتوى، لأنهم غير مؤهلين ولا يمتلكون الصفة اللازمة لذلك.

وحذر من أن “الاشتباك مع أمور فقهية أو عقدية من منطلق سياسي من أجل إثارة العاطفة لدى البسطاء وجذب الأنصار والمؤيدين ولو على حساب الوعي وسلامة المجتمع، قد يطلق شرارة التعصب والإرهاب غير محمودة العواقب”.

ويقول الباحث في السوسيولوجيا السياسية “إن ضبط سيولة الحديث في الشأن الديني يجب أن يكون هدف المجتمعات المسلمة”، مؤكدًا ضرورة احترام المؤسسات الاسلامية الرسمية المنوط بها بحث ودراسة مشكلات المجتمع الدينية وهموم المسلم المعاصر، مثل الأزهر في مصر أو مؤسسة أمير المؤمنين والمجلس العلمي الأعلى في المغرب، أو علماء جامع الزيتونة في تونس، وغيرها من المؤسسات الدينية الرسمية العلمية في العالم العربي والإسلامي.

وأشار إلى أن الغرض من إقحام إخونجية المغرب أنفسهم والدخول في معارك سياسية على خلفية قضايا دينية، محاولة لتصفية حساباتهم الانتخابية، والظهور بمظهر المدافع عن الدين والحامي له، في حين أن أعينهم وقلوبهم على صندوق الاقتراع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى