إدلب تضع أردوغان في ورطة الشركاء

ذكرت وكالة بلومبيرغ أنه بعد سنوات من الهجوم على “الناتو” وتخوين شركائه في حلف شمال الأطلسي، يجد رئيس  النظام التركي رجب طيب أردوغان نفسه أنه بحاجة إليهم في نهاية الأمر.

وفي الوقت الذي تنزلق فيه تركيا نحو الحرب مع قوات الجيش السوري، توسلت أنقرة حلفاء الولايات المتحدة وأوروبا لتقديم الدعم في صراع يخاطر بتقويض العلاقات الودية التي بناها مع موسكو. ويأتي هذا التحول مع تصاعد خطر حركة اللاجئين الجماعية نحو تركيا، وهزيمة المنظمات المتطرفة الموالية لتركيا في سوريا.

ويضيف تقرير نشرته بلومبيرغ أن حل أنقرة للأزمة كان التواصل مع واشنطن لطلب نشر بطاريتي صواريخ باتريوت على الحدود السورية. فهي بحاجة إلى صواريخ باتريوت تديرها الولايات المتحدة لردع الضربات الجوية الروسية لدعم الهجوم على إدلب، آخر معقل للمتمردين في سوريا، من قبل القوات الموالية للرئيس بشار الأسد. كما أبدت تركيا استعدادها لقبول دعم مماثل من الحلفاء الأوروبيين.

ويُعدّ هذا الطلب تغييراً مفاجئاً لأردوغان بعد سنوات من الهجوم على الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين، ويؤكد على ورطة تركيا في الوقت الذي تخوض فيه الصراع مع سوريا المدعومة من روسيا. وفي حين تصر تركيا على أنها ستتجنب أي مواجهة مع القوات الروسية، فإن الضغط على أردوغان للرد يتزايد مع تزايد عدد الضحايا الأتراك.

وقالت إيرينا زفياغلسكايا، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الشرقية في موسكو الذي تموله الدولة: “نحن على حافة الهاوية وعلينا التوصل إلى اتفاق”. وقالت إن الوفيات التركية الأخيرة هذا الأسبوع أعادت إلى الوطن الطبيعة الخطيرة التي لا يمكن التنبؤ بها للوضع، و”ينبغي أن تكون جرس إنذار”.

وأجرى أردوغان اتصالا يوم الجمعة مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، طالب فيه بضرورة “الدعم القوي” لوقف هجوم الجيش السوري ومؤيديه في إدلب، ومنع حدوث أزمة إنسانية، حسب ما أعلن مكتبه في بيان.

وقال مكتب رئيس النظام التركي في بيان إن أردوغان تحدث هاتفيا مع بوتين في وقت لاحق من يوم الجمعة، وحثه على “كبح جماح” الجيش السوري في إدلب. وقال أردوغان فى وقت سابق السبت “إنه أمر غير وارد بالنسبة لنا أن ننسحب من هناك ما لم يوقفوا القمع”.

وقد تجادلت تركيا مع الولايات المتحدة حول نظام باتريوت لسنوات. وترفض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بيع صواريخ باتريوت إلى تركيا ما لم تتخل أنقرة أولاً عن شرائها لنظام الدفاع الصاروخي الروسي المتقدم من طراز S-400. وتعتبر واشنطن أن طائرات “أف-400” تشكل تهديدا لقدرات الحلف بشكل عام، وتحديدا للطائرات المقاتلة من طراز أف-35 من الجيل المقبل.

وعندما تسلم صواريخ “إس-400” العام الماضي، كان أردوغان، الذي أقام علاقات جيدة مع بوتين، مقتنعاً بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تستبدل تركيا بحليف استراتيجي آخر. وقد تغيرت الحسابات الآن مع ذهول تركيا لمقتل أكثر من عشرة من جنودها في غارات جوية ونيران مدفعية قادمة من إدلب على مدى ثلاثة أسابيع.

وقال نهاد علي أوزكان، الخبير الاستراتيجي في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية في أنقرة، “إن مقتل جنديين تركيين بعد غارة جوية روسية في إدلب يوم الخميس يرقى إلى انقسام خطير في العلاقات مع موسكو”. وأضاف: “إن زيادة تصعيد التوترات مع روسيا قد تدفع أنقرة إلى مراجعة تحالفاتها”.

ومع ذلك، لا ترغب تركيا في الوقت الراهن في تقديم التنازلات التي تطالب بها واشنطن. ولكي يتم تسليم صواريخ باتريوت تريد الولايات المتحدة من أنقرة أن تضمن أنها لن تشغل الصواريخ الروسية أبداً. وتصر إدارة أردوغان على أن الضمان لن يكون وشيكاً.

وفي حين قال أكار إن بلاده “لا تنوي المواجهة مع روسيا” بشأن إدلب، أضاف أنه لا ينبغي لروسيا التدخل في رد تركيا للقوات السورية. وقال إن هذه الخطوة تتماشى مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين أردوغان وبوتين في منتجع سوتشي على البحر الأسود لتخفيف حدة الوضع في المحافظة الشمالية الغربية في سوريا. وفي اتصالهما يوم الجمعة، قال أردوغان لبوتين إن حل الأزمة التي تتكشف في إدلب يتوقف على التنفيذ الكامل لاتفاق سوتشي، وفقا لبيان الرئاسة.

ويبدو أن روسيا عازمة على دعم الاستيلاء الكامل على منطقة خفض التصعيد في إدلب بغض النظر عن ذلك حتى لو ظل من غير الواضح مدى السرعة التي ستدفع بها نحو نهاية اللعبة. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تسمح للأسد بتوسيع الروابط بين العاصمة دمشق ومركز الأعمال السابق في حلب، وحتى بإعلان النصر النهائي في الحرب الأهلية التي دامت عقداً من الزمن تقريباً.

ووفقاً لزفياغلسكايا من معهد الدراسات الشرقية، فإن التسوية المحتملة يمكن أن تكمن في السماح للأسد بالسيطرة على الطرق السريعة الرئيسية مقابل وقف الهجوم. وقالت إن ذلك يمكن أن يقدم على الأقل حلا مؤقتا.

وفي الوقت نفسه، تواجه تركيا عوائق بسبب اعتبارات تأثير الهجرة الجماعية شمالاً نحو حدودها التي تضم مليوناً إلى مليوني لاجئ من إدلب. وفي حين تخطط تركيا لإيواء الفارين داخل سوريا، فإن الوضع لا يزال يزيد من عبء استضافة 3.6 مليون لاجئ سوري بالفعل. وقد حصلت على تعبيرات بالدعم من الولايات المتحدة، ولكن مع هيمنة روسيا على المجال الجوي السوري، من غير الواضح مقدار المساعدة التي يمكن لواشنطن أو حلف شمال الأطلسي تقديمها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى