إسرائيل تستكمل تدمير ما بقي من مباني ومجمعات سكنية في غزة

وتنصب كمائن للموت قرب نقاط توزيع المساعدات

في سياق جرائمها اليومية لخلق بيئة غير صالحة للحياة في قطاع غزة، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، عشرات المباني والمجمعات السكنية المتبقة في مدينة غزة وشمالها ما تسبب في دمار واسع تزامناً اتساع رقعة المجاعة والكارثة الإنسانية التي تطال نحو 2 مليون فلسطيني.

وأعلن الدفاع المدني بغزة، أن 60 بناية تضم عشرات الشقق ومئات العائلات قصفت في أقل من 48 ساعة في غزة وشمالي القطاع.

وقصفت الطائرات الحربية برجاً سكنياً في منطقة الكرامة شمال غربي مدينة غزة، ما تسبب في تدميره بشكل شبه كامل، حيث يعتبر البرج هو الثالث الذي يستهدف بعد قصف طاول أحد الأبراج ليلة الجمعة.

وأفادت مصادر محلية بأن طائرات الاحتلال قصفت بناية سكنية مكونة من 6 طوابق لعائلة الرفاتي في شارع النفق شرقي مدينة غزة، ودمرته بشكل كامل، كما دمرت أحد التجمعات التجارية لعائلة عاشور في منطقة الساحة وسط مدينة غزة.

في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزلاً لعائلة صيام، ما تسبب في دماره بشكل كامل وإحداث أضرار جسمية في المناطق القريبة منه بفعل حدة القصف الإسرائيلي.

ويتزامن القصف الإسرائيلي وارتفاع وتيرته مع ترقب الشارع الفلسطيني والوسطاء لرد حركة حماس على مقترح المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بشأن التوصل لوقف جزئي لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً.

وسبق وأن أعلن رئيس حكومة اليمين الإسرائيلي الفاشي بنيامين نتنياهو موافقته على المقترح الذي يكفل تسليم 10 أسرى أحياء و18 جثة من الأسرى الإسرائيليين على أن تكون عملية التسليم في الأسبوع الأول من الاتفاق.

فشل نظام توزيع المساعدات الأمريكي الإسرائيلي

بالتزامن مع جرائم تدمير الإبراج السكنية والمباني والبنى التحتية، تتسع رقعة المجاعة في قطاع غزة وسط الفشل الذريع الذي سجله نظام توزيع المساعدات الجديد المدعوم من إسرائيل والولايات المتحدة عبر “مؤسسة غزة الإنسانية“، التي تعمل بشكل يخالف قواعد القانون الدولي والإنساني.

وأثارت هذه الآلية، التي انطلقت بالعمل على أرض الواقع الثلاثاء الماضي، انتقادات واسعة من حكومة غزة والفصائل الفلسطينية، إضافة لانتقادات أممية ودولية كونها تفتقر للمعايير الإنسانية وتعرض حياة المدنيين للخطر.

وحدد جيش الاحتلال الإسرائيلي 4 نقاط لتوزيع المساعدات عبر هذه المؤسسة، منها 3 جنوب القطاع وواحدة في محور نتساريم (وسط) الفاصل بين جنوب القطاع وشماله.

كمائن للموت قرب نقاط توزيع المساعدات

ويقول فلسطينيون توجهوا إلى تلك النقاط، إن الجيش أطلق صوبهم الرصاص بطريقة عشوائية بينما كانوا ينتظرون الحصول على طرود غذائية.

وأوضحوا في أحاديث منفصلة، أنهم توجهوا إلى تلك النقاط مدفوعين بحالة الجوع الشديد التي تسببت بها إسرائيل لافتين إلى صعوبة الخيارات المطروحة أمامهم فإما “الموت جوعا أو بالرصاص”.

وعاد الكثير من هؤلاء الفلسطينيين إلى عائلاتهم بلا مساعدات غذائية بعد تعرضهم لإذلال في أعقاب انتظارهم لساعات طويلة من أجل حصولهم على المساعدات تحت ظروف لا إنسانية، وفق ما أكدته تقارير حقوقية.

ومنذ انطلاق العمل بهذه الآلية، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجازر دامية قرب نقاط توزيع المساعدات، خصوصا في مدينة رفح جنوب القطاع.

والأربعاء، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إن جيش الاحتلال قتل 10 فلسطينيين مدنيين وأصاب 62 آخرين من الجوعى خلال يومين، بعد أن وجههم لاستلام المساعدات الإنسانية من مراكز أنشأها بمدينة رفح جنوبي القطاع.

والثلاثاء، اقتحم آلاف الفلسطينيين الجائعين، مركز توزيع مساعدات أقامته إسرائيل فيما يُسمّى “المناطق العازلة” بمدينة رفح جنوبي القطاع، حيث تدخل جيش الاحتلال وأطلق النار عليهم ما أدى إلى إصابة عدد منهم، وفق المكتب الحكومي.

فيما قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي “قتل 6 فلسطينيين مدنيين بينهم سيدة وأصاب 15 آخرين، الأربعاء، خلال محاولتهم الوصول لاستلام المساعدات شمال مدينة رفح”.

المسيرات تطلق النار من الأعلى والناس تقتل

عن نقاط توزيع المساعدات، قال شهود عيان إنه تم إنشائها في مناطق تخلو من أي مشاهد للحياة وهي “خطيرة”، وأُحيطت بأسلاك شائكة فيما تفتقر إلى التنظيم.

وأضافوا إن انتشار المجاعة في القطاع وانعدام توفر الأغذية تدفع الفلسطينيين الذين ينتظرون للحصول على المساعدات قسرا للاندفاع من أجل استلام الطرود الغذائية ما يتسبب بحالة من الفوضى والتدافع.

الفلسطيني محمد أبو طويلة، واحد من مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين لا تتوفر لديهم المواد الغذائية ويعيشون المجاعة، قال إنه توجه من مدينة غزة سيرا على الأقدام لأكثر من ساعة ونصف متوجها إلى مدينة رفح حيث نقطة توزيع المساعدات.

وأضاف، أنه ورغم السير لساعات طويلة وتعب الجوع والعطش إلا أنهم اضطروا للانتظار لساعات أخرى من أجل الحصول على المساعدات.

وأشار إلى أنه وبينما كان آلاف الفلسطينيين ينتظرون دورهم للحصول على المساعدات، بدأت مسيرات إسرائيلية بإطلاق الرصاص من فوق رؤوسهم ما تسبب باستشهاد وإصابة العديد منهم.

الناس تقتل وتسحق تحت الأقدام

ولفت أبو طويلة إلى أن هذا الأمر تسبب بحالة من التدافع في صفوف الجائعين الذين كانوا ينتظرون حصولهم على مساعدات من شأنها أن تحمي عائلاتهم من الموت جوعا.

وبعد ساعات من مشقة الوصول والانتظار، قال أبو طويلة إنه لم يحصل على شيء وعاد إلى عائلته التي تعيش فصول المجاعة بلا مواد غذائية ما أدخلهم بحالة من اليأس.

فيما قال شاهد عيان، إنه لا يوجد آلية واضحة لاستلام المساعدات أو توضيح مسارات للوصول الآمن.

وتابع، إن المسيرات تطلق النار من الأعلى والناس تقتل وتسحق تحت الأقدام بسبب الاندفاع الذي خلفته حالة الخوف من الإصابة بالرصاص.

وأشار إلى أن من نجا ونجح في استلام طرود المساعدات فقد حصل على كميات محدودة من الطعام لا تكفي لعدة أيام قليلة، وهذا ما أكده المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الذي قال في بيان إن الطرد الواحد يحتوي على حزمة محدودة جدا من المواد الغذائية.

 الموت جوعا أو برصاص الاحتلال

بدورها، تقول المواطنة خولة إسماعيل بصوت منهك، إن الكثير من الفلسطينيين انتظروا لساعات لكنهم عادوا دون أن يأخذوا الطرود الغذائية وهي من بينهم.

وتابعت إسماعيل، إن رحلة الحصول على هذه المساعدات مليئة بالذل خاصة وأن الكثير من الفلسطينيين انتظروا لساعات دون الحصول على شيء.

واستكملت قائلة: “هذه مصيبة.. أن تعود إلى عائلتك خالي اليدين”.

وتنقل شهادتها عما حدث في نقطة التوزيع الأربعاء، قائلة إن جيش الاحتلال أعدم شابا أمام عينها، وأطلق النار بشكل مباشر على الفلسطينيين.

وتابعت عن ذلك: “الخيارات كلها صعبة، فإما الموت جوعا أو برصاص الاحتلال الغادر”.

جريمة مزدوجة

المرصد الأورومتوسطي قال في بيانه الأربعاء، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جريمة مزدوجة تجسّد استخدام “المعونة سلاحا للإذلال والإخضاع والتدمير والقتل”.

ووثق المرصد، إطلاق الجيش النار صوب مئات الفلسطينيين الذين تجمعوا الأربعاء، في منطقة “قيزان أبو رشوان” جنوبي مدينة خانيونس، جنوبي القطاع، في طريقهم لنقطة مساعدات أقامتها قوات الاحتلال في منطقة محور “موراج” الفاصلة بين رفح وخان يونس، ما أسفر عن قتلى وجرحى.

وأشار إلى أن قوات الجيش أرسلت “رسائل نصية قصيرة عبر الهواتف المحمولة للمواطنين للتوجه لنقطة توزيع المساعدات في منطقة موراج، ولدى وصولهم إلى تلك المنطقة جرى السماح لأعداد منهم بالدخول وتسلّم الطرد الغذائي بإجراءات مذلة ومهينة”.

وتابع المرصد: “في حين جرى إطلاق النار تجاه البقية، وقتل 6 منهم”، بينهم سيدة و3 من عائلة واحدة، بحسب البيان.

وأكد المرصد الحقوقي على أن الجيش الإسرائيلي حوّل نقاط توزيع المساعدات إلى “ساحة جديدة لقتل وسحق المدنيين المُجوَّعين”.

ولفت إلى أن الجيش وضع نقاط التوزيع في “مناطق خطيرة وغير آمنة ولم يحدد مسارات للوصول”.

ودعا المرصد إلى إنهاء العمل فورا بالآلية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في قطاع غزة لأنها أصبحت “مصيدة للإعدام الميداني للمدنيين الفلسطينيين، علاوة على افتقارها لأدنى المعايير الإنسانية ذات العلاقة بالعمل الإغاثي”.

وقد واجهت هذه الآلية انتقادات من مؤسسات أممية طالبت بعودة نظام التوزيع عبر الأمم المتحدة ووكالاتها، باعتباره أكثر نزاهة وأمانًا للسكان.

مساعدات غزة “إهانة” للواقع الأليم

من جهته، أكد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، فيليب لازاريني، أن حجم المساعدات المرسلة إلى غزة لا يتناسب مع حجم المأساة الإنسانية التي يشهدها القطاع.

وأضاف لازاريني في تصريحات صحفية اليوم السبت، أن “المجاعة في غزة يمكن وقفها إذا توافرت الإرادة السياسية، وما نطلبه ليس مستحيلا”، واصفا المساعدات بـ”الإهانة” للواقع الأليم الذي يتكشف أمام العالم.

كما دعا إلى تمكين الأمم المتحدة من أداء دورها في تقديم المساعدات للسكان المحتاجين وحماية كرامتهم.

وأمس الجمعة، قال لازاريني إن 900 شاحنة مساعدات دخلت غزة خلال الأسبوعين الماضيين ما يمثل 10% فقط من الاحتياجات اليومية لسكان القطاع.

وأضاف عبر منصة “إكس” أن إيقاف المجاعة الحالية في قطاع غزة يتطلب إرادة سياسية.

وطالب بالسماح لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في المجال الإنساني باستئناف عملهم في غزة، بعد إيقاف دخول شاحنات المساعدات منذ الثاني من مارس الماضي.

وأوضح المسؤول الأممي أنه خلال وقف إطلاق النار السابق نجحت “الأونروا” ومنظمات أخرى في إدخال من 600 إلى 800 شاحنة مساعدات يوميا.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير التهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي منذ 7 أكتوبر 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة راح ضحيتها نحو 178 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، إضافة لآلاف المفقودين.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى