الأحلام الصينية في ليبيا.. كيف تراها أميركا بايدن؟

ماريا معلوف

لا ينفك ساسة ليبيا على تكرار أن هناك استراتيجية مدتها 10 سنوات، وضعتها واشنطن لإدارة الملف الليبي من خلال وجهة النظر الأميركية.

وحتى قبل أيام قليلة، لم تكن هذه النقطة مسلمة بالنسبة لي، إلى أن اطلعت على تقرير منشور على موقع وزارة الخارجية الأميركية بتاريخ 24 مارس الماضي، وعنوانه “الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا.. استراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار”، وخلاصتها أنها الرؤية الأميركية تجاه ليبيا المقبلة.

ليبيا بالنسبة للولايات المتحدة بمثابة المكان الذي يحمل “الضرورة القصوى” للسيطرة على كثير من موارد إفريقيا في هذه المرحلة، ولننظر مثلا إلى أن مدير الاستخبارات الأميركية وليم بيرنز والجنرال ستيفن تاونسند قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، زارا ليبيا في الأسابيع الماضية من أجل إقناع الليبيين بالإبقاء على القاعدة العسكرية في منطقة فزان.

أما من الناحية الاقتصادية فإن كل تصريحات السيدة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركية خلال لقاءاتها مع المسؤولين الليبيين تدعو إلى توحيد المؤسسة العسكرية والإعلان عن الرغبة الأميركية في النهوض الاقتصادي لليبيا بشتى الوسائل.

أما إذا تحدثنا عن الدور الصيني في ليبيا، فلا بد من القول بداية إن كلا من الولايات المتحدة وروسيا والصين، وحتى دول أوروبية أخرى، تحلم بالاستحواذ على القدر الأكثر من ثروات الأرض الإفريقية ومن بينها ليبيا، لكن الصين تصطدم هنا بالنجاح الأميركي في قدرته على تحويل ليبيا من النظام الفدرالي إلى الدولة الموحدة، وهي – أي ليبيا – صاحبة موقع استراتيجي جيوسياسي مرتبط بالجنوب الأوروبي، وتحيطها قواعد الناتو، وهي من أكثر الدول الإفريقية التي تمتلك موارد للطاقة.

لكن الصين بالمقابل صاحبة تاريخ طويل في السعي لوضع موطئ قدم لها في البحر المتوسط، وبالتالي فإن ليبيا وكذلك الخط الجغرافي الممتد من المغرب وصولا إلى موزمبيق وقبلها توغو، هو الحلم الصيني الاقتصادي الذي تسعى له بكين في هذه المنطقة الإفريقية، وهو محور كل تحالفاتها مع روسيا فيما خص القضية الليبية، والولايات المتحدة ترى أنه لا بد من قطع الإمدادات المادية للصين في ليبيا عبر قطع الطريق على مشروع “الحزام والطريق”، وهي اليوم تقدم توصيات واضحة المعالم تتقاطع جميعها مع المصلحة الأميركية، وإن قدمها مبعوث الأمم المتحدة عبد الله باتيلي التي لا يجادل أحد من الليبيين في أنها تطمح للسيطرة على مصادر الطاقة في ليبيا من نفط وغاز وطاقات متجددة، وطرد النفوذ الصيني ما أمكن من الشمال الإفريقي بالكلية.

ويمكن القول هنا إن الولايات المتحدة ستعتمد كذلك على مواجهة الصين في هذا الملف من خلال مواجهة النفوذ الروسي هناك، وقد لاحظت خلال قراءتي لبنود الاستراتيجية العشرية الأميركية في ليبيا أن روسيا قد تم الإعلان عنها في الاستراتيجية بصفتها الخصم الأوضح للولايات المتحدة في الملف الليبي، ويبدو أن إخراج قوات فاغنر الروسية من ليبيا هو في سلم الاهتمام الأميركي، ولا أستبعد على المستوى التحليلي أن تلجأ الولايات المتحدة إلى عملية عسكرية تهدف إلى ذلك، حتى وإن بقيت تلك القوات مقيمة في تشاد أو غيرها من دول الحدود الليبي، ناهيك عن أن الأحداث في أوكرانيا وضعف الموقف الروسي حاليا سيجعل من رغبة واشنطن في إضعاف قوات فاغنر المتواجدة في ليبيا أمرا طبيعيا، وكذلك إبعاد أي قوات غير شرعية عن الحدود الجنوبية بهدف التأمين، وهنا لا بد أن نتذكر الطرح الذي استعرضه في هذا الشأن بيرنز مطلع هذا العام، وربط فيه بين الأمن في ليبيا ودول الجوار مثل مالي وإفريقيا الوسطى.

ويبقى السؤال هنا: كيف سيكون موقف الأطراف الليبية من تمدد مصالح الدول الأخرى غير الولايات المتحدة، في تفاعلات عمليات التسوية المقبلة بين الأطراف الليبية المتصارعة سياسيا وعسكريا؟ وهنا أقول إن هناك توجهات في السياسة الأميركية قد تتغير خلال السنوات العشر المقبلة، فكيف سيكون التعاطي الليبي معها؟ وكيف سيكون الموقف الليبي بعد التقارب العربي الكامل مع المارد الصيني وجعله أساسا في أي تسويات أو نشاطات في المنطقة العربية؟

في خلاصة أقول إن مستقبل الدور الأميركي في ليبيا بالنظر إلى الأحلام الصينية هناك سيكون حديث المسؤول الأميركي الكبير الذي بدأ زيارة للصين، الأحد، فالحوار هنا ضروري فيما خص دولة مترامية الأطراف مثل ليبيا التي باتت اليوم، ودون رغبة من ساستها في ذلك، محور صراع جديد في زمن اهتزت فيه قوة القطب الأميركي الواحد الذي لا تنفك الأحلام الصينية تؤرق منامه كل ليلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى