الإخونجي راشد الغنوشي يستنجد بواشنطن لكسر عزلته السياسية

في مقال رأي نشره الإخونجي راشد الغنوشي في صحيفة “يو.إس. توداي” يحاول رئيس حركة النهضة الذي يحكم حزبه تونس منذ عشر سنوات التملص من المشاكل التي تواجه البلاد على مختلف الأصعدة وحمّل من وصفهم بـ”الشعبويين والرجعيين” المسؤوليةَ.

كما يسعى الغنوشي الذي يرأس أيضا البرلمان التونسي، الاستنجاد بالإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن للخروج من عزلته.

وينظر إلى المقال على أنه انطلاقة لحملة علاقات عامة تهدف إلى استمالة الإدارة الأميركية من أجل التدخل لإخراج الغنوشي من عزلته، خاصة في ظل تداول تقارير محلية أنباء بشأن زيارة وشيكة لوفد من الكونغرس إلى تونس.

وكتب الغنوشي في المقال أن “تونس تشهد صعود حركات رجعية تستحضر الحنين إلى النظام القديم وتسعى إلى العودة إلى الماضي الاستبدادي، لحكم الرجل الواحد بدلاً من التعددية والتسوية للنظام الديمقراطي”.

وبدا الغنوشي من خلال هذا المقال -الذي يُنشر في وقت تعيش فيه تونس أسوأ أزماتها- كأنه ينأى بنفسه عن المشكلات التي باتت تهدد استقرار تونس، ويلقي المسؤولية على عاتق خصومه وخاصة الرئيس قيس سعيد والحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي.

وأوضح الغنوشي في المقال الذي أمضاه بصفته رئيسا للبرلمان أن هناك دعوات إلى “إرساء نظام الرجل القوي على رأس السلطة في مواجهة المؤسسات” والذي “قوامه الثورة المضادة التي تعطل أي تقدم من أجل الحفاظ على مكاسبها”.

ويواجه الغنوشي عزلة داخلية متفاقمة حيث تتسارع وتيرة التحركات لإسقاطه من رئاسة البرلمان بسبب ما يصفه خصومه بسوء إدارته للمجلس، حيث يتعمد عدم الفصل بين صفته رئيسا للبرلمان وبين كونه رئيسا لحركة النهضة.

واعتبر النائب البرلماني حاتم المليكي أن المشكلة تكمن في تصرف راشد الغنوشي خارجيا وداخليا بصفته رئيسا للبرلمان، حتى أنه في رسالته الأخيرة الموجهة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد استعمل صفته البرلمانية في الوقت الذي لم يتدارس فيه مكتب مجلس النواب مسألة هذه الرسالة وتمت مناقشتها في المكتب التنفيذي لحركة النهضة.

وأوضح المليكي في تصريح لوسائل الإعلام أن “تصنيف الغنوشي وتقسيمه للتونسيين (الثورة المضادة والحركات الرجعية) كلام متكرر من قبل أتباع النهضة ورئيسها لتبرير فشلهم في عملية التحول الديمقراطي وفي إدارة دواليب الدولة”.

وتابع أنه “في كل الأنظمة الدكتاتورية من السهل استعمال حجة العدو لتبرير فشل هذه الأنظمة، النهضة أقرب في فكرها إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي وخطابه وطريقة إدارته للبلاد”.

وحث الغنوشي “الديمقراطيات العريقة” على دعم تونس، معتبرا أن الديمقراطية التونسية لا تزال ضعيفة. وأوضح أن “تونس تحتاج دعم شركائها الدوليين” الذين يؤمنون بالديمقراطية.

ويرى مراقبون أن الغنوشي سعى إلى إيصال رسائل لصانع القرار الأميركي مفادها أنه حامي الديمقراطية بينما يريد خصومه العودة إلى الدكتاتورية.

ووجهت العديد من الأوساط السياسية والإعلامية انتقادات لاذعة للغنوشي بشأن حديثه عن الإنجازات التي عرفتها عشرية ما بعد الثورة، علاوة على تطرقه إلى ما وصفه بالحركات الرجعية.

وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي إن “الغنوشي يناقض نفسه والتونسيين؛ فالأوضاع تسوء يوميا في تونس بسبب سياساته وحركته خلال العقد الأول من الثورة، الغنوشي بمناوراته عمّق أزمة البلاد على مختلف الأصعدة”.

وأشار العبيدي إلى أن “الحديث عن حركات رجعية وعن مخاوف من العودة إلى الدكتاتورية هو دعاية من الغنوشي لمواجهة خصومه، وقد يكون خطابا موجها لأنصار النهضة المستائين من سياسات الحركة؛ هو يريد ترهيبهم من خصومه لاسيما الحزب الدستوري الحر والرئيس قيس سعيد من أجل أن يحافظ على خزان حزبه الانتخابي، لذلك يدفع نحو المزيد من الاستقطاب الثنائي”.

وتابع العبيدي “لا يمكن للغنوشي أن يتحدث عن الرجعية باعتبار انتمائه السياسي إلى حركة موالية للإخونجية (النهضة)، علاوة على غياب الديمقراطية داخل حزبه بسبب سيطرته عليه ما جعله يواجه شبح التفكك”، في إشارة إلى الانقسامات التي طغت على البيت الداخلي للنهضة بسبب تشبث الغنوشي برئاسة الحزب رغم تعارض ذلك مع القوانين الداخلية للحزب التي تتيح الترشح لدورتين فقط.

وفي المقابل أكد العبيدي أن خروج الغنوشي في صحيفة أميركية هذه المرة يوحي بأن الرجل “يحاول طرح نفسه على الأوساط الأميركية كرجل حكيم ولا يتحمل مسؤولية الأزمة الحالية في تونس، وهذا غير صحيح؛ كان بإمكانه قول ذلك من منابر أخرى لاسيما الخليجية لكنه لم يفعل، لقد توجه إلى الفاعلين داخل الولايات المتحدة من خلال هذا المقال وللنهضاويين في تونس”.

وكان الغنوشي قد قدم مبادرة السبت تستهدف حلحلة الأزمة السياسية والدستورية لكنها لم تحظ بإجماع سياسي حول مضمونها، حيث طالب باجتماع ثلاثي يجمعه هو رئيس البرلمان ورئيس الحكومة هشام المشيشي والرئيس قيس سعيد.

وجاءت هذه المبادرة بعد أن بلغت الأزمة السياسية بين الرئيس سعيد والمشيشي ذروتها، ما جعل عدة منظمات وطنية تتحرك لإيجاد مخرج من هذه الأزمة.

واتهم حاتم المليكي الغنوشي بقطع الطريق على المنظمات الوطنية قائلا إن “الهدف من مبادرة الغنوشي الالتفاف على تحركات المنظمات الوطنية لأنه بعد اللقاءات التي أجرتها هذه المنظمات -سواء في ما بينها أو مع منظمات وأطراف سياسية أو مع الرئيس قيس سعيد- سارعت النهضة إلى دعوة المشيشي لقيادة حوار على لسان رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني ثم تقدم الغنوشي بهذه المبادرة للالتفاف على مبادرات المنظمات الوطنية”.

وكان الرباعي الراعي للحوار الوطني (اتحاد الشغل، الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، هيئة المحامين، رابطة حقوق الإنسان) -الذي قاد حوار 2013 الذي أنهى أزمة كادت تعصف بالانتقال الديمقراطي جراء تنافس الإخونجية والعلمانيين في تونس وما رافقه من اغتيالات سياسية- قد عاد إلى الواجهة الأسبوع الماضي من خلال الحديث عن مبادرة جديدة يجري التحضير لها من أجل انتشال البلاد من أزمتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى