الإعلان عن حكومة الفخفاخ، ماذا بعد؟

وسام حمدي

 

لن ينهي إعلان رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ، الأربعاء، قبيل نهاية الآجال الدستورية (عند منتصف الليل) عن تركيبة حكومته، جدل مصيرها، إذ لا يوجد أي طرف في تونس حاسم في مسألة مرورها من عدمه حين تعرض على البرلمان.

توجد في تونس حقيقة ثابتة وحيدة في علاقة بماراطون المفاوضات الشاقة والذي تميز بمفارقات عجيبة التقت فيها كل الخطوط المتوازية، وهي أن جدل حكومة الفخفاخ سينتهي عاجلا أم آجلا، فإما أن تحظى بثقة نواب الشعب وإما أن تسقط، ليتم المرور بعد ذلك إلى السيناريو الأخير الذي يقوم بمقتضاه رئيس الجمهورية قيس سعيّد بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكّرة.

مؤشرات كثيرة تؤكّد أن جدل حكومة الفخفاخ لن ينتهي بمجرّد إعلانه عن تشكيلتها وتقديمها للرئيس، بل إن المسار الأصعب سيكون حتما في الأيام التي تسبق الجلسة العامة في البرلمان لمنحها الثقة.

يذهب الكثيرون إلى التسليم بالاعتقاد الأكثر حضورا في المشهد السياسي التونسي وهو أن كل طرف لا يحبذ فكرة الانتخابات المبكرة، لكن الجزم بمرور حكومة الفخفاخ محفوف بأخطار كبرى، فكل الأطراف بدأت تتجهّز للموعد الحاسم، كلّ بأهداف وغايات خاصة به.

وباستثناء الحزب الدستوري الحر الذي تتزعّمه عبير موسي، المتشبث بكرسي المعارضة، فإن كل الأحزاب البرلمانية الأخرى تلعب على كل الحبال، رغم أن موسي اتخذت موقفا هاما بعدما فتحت قنوات تواصل مع حزب “تحيا تونس” يفيد بأنها مستعدة للتصويت لفائدة حكومة الفخفاخ في حالة وحيدة وهي أن يتم إقصاء حركة النهضة منها.

وفي علاقة بمصير حكومة الفخفاخ، فإنه من المنطقي العودة والنظر إلى الوراء قليلا، واستحضار المواقف التي وضع فيها الحبيب الجملي من قبله، وكيف كان يتلقّى التطمينات من النهضة ومن أحزاب أخرى بأن حكومته ستمر في البرلمان، لكن ما حصل أن الرجل وجد نفسه في اليوم الحاسم يهرول بين أروقة البرلمان للحصول على دعم النواب، إلى أن استفاق من حلم ترؤّسه للحكومة حين أعلن الغنوشي عن سقوطها بعدما حصدت 72 صوتا فقط من مجموع 217 صوتا.

الكثير من العوامل الأخرى تستدعي طرح المعارك الأخرى التي سيستمر عرضها مع حكومة الفخفاخ، فحتى إن تمكّنت من نيل ثقة البرلمان، فإنها ستجد نفسها تمشي في طريق مسيّج بالأشواك، حيث سيتواصل الفصل الثاني من المعركة السياسية بين الرئيس قيس سعيّد وحركة النهضة.

ربما ستصوت حركة النهضة ومعها حزب قلب تونس لفائدة الحكومة تحت يافطة “المصلحة الوطنية تقتضي ذلك”، لكن ذلك لن يكون بمثابة صكّ على بياض، فكل طرف ما زال يخبّئ أوراقا لمحاربة خصمه.

من جهة حركة النهضة، حتى لو صوّتت مكرهة نتيجة تخوفاتها من إعادة الانتخابات، فإنها تجهز مخططا ثالثا ربما لن يجعل من الحكومة الجديدة تعمّر أكثر من 6 أشهر إن لم تتماش تصورات رئيسها مع سياساتها أو إن حاول المساهمة في عزلها وتذويبها في انسجام مع قراءة الرئيس قيس سعيّد لمستقبل المشهد السياسي.

بيَدِ النهضة التي نجحت في جذب قلب تونس إلى فلكها وصفّها ورقة دستورية أخرى هي تقديم لائحة لوم ضد الحكومة بعد 6 أشهر من منحها الثقة، وإن نجحت في ذلك بعد تحصيل أصوات كتل أخرى ككتلة ائتلاف الكرامة، فإنها ستسترجع زمام المبادرة آنذاك بحيث تعود إليها دستوريا الأحقية في تكليف من تراه مناسبا لتشكيل حكومة جديدة.

كما أن الرئيس قيس سعيّد سيجد نفسه أيضا في مطب جديد، بعد مرور حكومة الفخفاخ، فإن صوّتت النهضة بصفة صورية على ما يسمى بـ”حكومة الرئيس”، فإنها ستتحكم في ما بعد باعتبار أنها الأكثر عددا في البرلمان في الجلسات العامة التي ستخصص لتمرير القوانين وخاصة المبادرات التشريعية التي سيقترحها رئيس الجمهورية.

ومنذ توليه الرئاسة، ينتظر قيس سعيّد تركيز الحكومة الجديدة، كي يستهل ممارسة الفعل السياسي بطرح أفكاره في شكل مبادرات تشريعية تتمحور جلها في ما وعد به سابقا بشأن رغبته في تغيير النظام السياسي الذي تتشبّث به حركة النهضة كونها هي من هندسته رفقة أطراف أخرى قريبة منها إبان فترة المجلس التأسيسي (2011-2014) والذي اختتم أعماله بالمصادقة على دستور الجمهورية الثانية.

ويصرّ الرئيس أيضا في كل مرة على إثبات أن الدستور الحالي لتونس تشوبه الكثير من النقائص التي وجب تعديلها وتحويرها خاصة في علاقة بنظام الحكم، فيما تتمسك النهضة بوجوب المحافظة على الدستور كما هو بما أنه يحفظ لها نظاما شبه برلماني يجعلها دائما تتصدر الساحة السياسية ولا يمكّن التونسيين من معاقبة من يحكم في الانتخابات.

لا تقتصر المعارك القادمة على هذين الطرفين فحسب، حيث بدت حكومة الفخفاخ في الساعات الأخيرة مسنودة من المنظمات الوطنية الكبرى أي الاتحاد العام التونسي للشغل وكذلك منظمة أرباب العمل، لكن هذا الإسناد ليس سياسيا بقدر ما هو تقني بحيث تنتظر المنظمتان ميلاد حكومة جديدة للتفاوض على مستحقات منظوريهما من الشغالين وأرباب العمل.

كما سيجد الفخفاخ نفسه في صراع متعدد الأبعاد ومع كل الأطراف، فأول الإرهاصات التي ستعترضه هي الأزمة الاقتصادية، حيث ظلّت تونس تقريبا منذ مطلع عام 2018، حين تمسّك الجميع بوجوب إقالة حكومة يوسف الشاهد باستثناء حركة النهضة، غارقة في وحل الصراعات بدل النظر في كيفية حل المسائل الاقتصادية العالقة التي ينتظر التونسيون حلها في أقرب وقت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى