الاتفاق السعودي الإيراني يؤكد رغبة بلدان العالم في تعديل النظام الدولي

أكد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، رغبة أغلبية بلدان العالم في تعديل النظام العالمي، بعدما تسبب نظام القطب الواحد في تدمير العديد من الدول وتشريد الشعوب خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي اقتات عليها الغرب لسنوات كما فعلت أوروبا في أفريقيا لعقود طويلة.

وقد فتح الاتفاق بين إيران والسعودية برعاية صينية الأبواب، أمام مرحلة هامة لإعادة الاستقرار للمنطقة، كما أسس لمستويات جديدة في العلاقات الدولية، مؤكدا على ترسيخ النظام العالمي الجديد وتعدد القطبية.

منذ نحو عام وفي الرابع والعشرين من فبراير/ شباط 2022، كان انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، بمثابة الخطوة الأولى نحو تغيير النظام العالمي وإرساء قواعد جديدة للعلاقات الدولية، والتي تبعها العديد من الأحداث التي رسخت التوجه.

ولادة النظام العالمي

يشير الباحثون والخبراء في العلاقات الدولية إلى أن العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا كانت بمثابة ولادة النظام العالمي الجديد، فيما يعتبر الاتفاق الموقع بين إيران والسعودية برهانا على تغير كبير بشأن العلاقات الدولية، وتشكل تحالفات جديدة وإن كانت قائمة على الجوانب الاقتصادية إلا أنها بمثابة محور التنمية والاستقرار والسلام في مقابل المحور الغربي الذي استفاد طويلا من تغذية الصراعات في المنطقة لسنوات طويلة.

الانخراط الصيني في قضايا المنطقة أكدته الزيارات التي أجريت مؤخر من وإلى بكين، ففي مطلع مارس/آذار الحالي، التقى الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في بكين، وناقش العديد من القضايا الثنائية والدولية، ومن المقرر أن يقوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة إلى الصين في وقت قريب، إضافة للقمة الخليجية-الصينية التي استضافتها الرياض نهاية العام 2022.

بحسب الخبراء فإن التكتل الذي تحضر فيه روسيا والصين وإيران وربما تنضم له دول الخليج بصورة غير مباشرة أو مباشرة في وقت لاحق، والعديد من الدول الشرق أوسطية والأفريقية يعزز عملية تغيير النظام العالمي والعلاقات الدولية، التي يرى الخبراء أنها تقوم على أساس اقتصادي في المقام الأول.

الدور الروسي والصيني

تداعيات عدة للخطوة التي تمت برعاية صينية، إذ يوضح المحلل الاستراتيجي اللبناني وسيم بزي، أن الخطوة التي قامت بها الصين لها تداعياتها العالمية الهامة، بالنظر لما تمثله السعودية وإيران من إمكانات وكتلة اقتصادية وثروات وحضور في عالم الطاقة.

يتفق الجميع على أن حضور الصين لم يعد مقتصرا على المستوى الاقتصادي كما في السابق، وأنها انخرطت بشكل قوي على المستوى السياسي لتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة، وأن الدور الروسي والصيني يعززان صياغة العلاقات الدولية من جديد بما يحقق مطالب العديد من شعوب العالم.

ضربة مزدوجة للغرب

في الإطار يوضح بزي إلى أن رعاية الصينية للاتفاق بين إيران والصين، تشي بأن الصين تتوسع في نفوذها العالمي في مناطق شديدة الحساسية بالنسبة للغرب وواشنطن، بالإضافة لإيران التي تشكل عقدة تاريخية لواشنطن، والتي تعد بمثابة ضربة مزدوجة للغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة.

كما يشير بزي إلى أن الموقف الصيني من الأزمة في أوكرانيا بدأ ينحاز بشكل أكبر لروسيا، وهو ما يعبر عنه بوضوح مبادرتها بشأن حل الأزمة هناك، والتي تنسجم مع الرؤية الروسية، حول سيادة الدول وعدم التدخل بشؤونها والحفاظ على الأمن القومي لروسيا.

الصين قوة جيوسياسية

ويؤكد الكاتب اللبناني سميح صعب المتخصص في الشؤون الدولية، أن الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، يشير إلى أن الصين لم تعد قوة اقتصادية فقط، وإنما قوة جيوسياسية تنافس الولايات المتحدة على النفوذ العالمي.

ووفق الكاتب، فإن الصين كانت تحافظ على حيادها الإيجابي من قضايا المنطقة وربما العالم، لكن مبادرتها في الخليج، أتت بعد مبادرتها في أوكرانيا، وهو ما يصفه الكاتب بأنه انتقال إلى مرحلة “التدخل الإيجابي” في قضايا العالم.

مصالح كبيرة

المحلل السعودي المختص في الشؤون الدولية وجدي القليطي، يوضح أن الصين لديها مصالح كبيرة في المملكة العربية السعودية في منطقة “جازان الصناعية”، الموجودة على حدود اليمن، والتي يمثل استقرارها أهمية كبيرة لبكين.

يرى القليطي أن السعودية ربما لا تنضم لتكتل ما بشكل مباشر في المنظور القريب. لافتا على أن الكتلة الغربية كانت تعزز النزاعات والتوحش للاستفادة الاقتصادية، في حين أن الصين حضرت للمنطقة عبر المقاربة الاقتصادية بعد أن قررت واشنطن في وقت سابق مغادرة المنطقة.

إصلاح النظام العالمي والأمم المتحدة

جل المعطيات السابقة تشير إلى عدم قدرة الغرب على الصمود أمام روسيا والصين والدول المتحالفة معهم والقريبة من التكتل الجديد، والتي تمثل نحو ثلتي الكرة الأرضية، “بحسب المحلل الاستراتيجي”، مع مراعاة الديموغرافيا ودول شنغهاي وتكتل “بريكس”، والشرق الأوسط وأفريقيا، وهو ما يعزز سقوط الأحادية القطبية، مع مراعاة الاختبارات المحتملة خلال الفترات المقبلة لتعزيز النظام الجديد الذي يسعى الغرب لعرقلته بأي ثمن.

يتفق الخبير العسكري السعودي عميد سابق فيصل العنزي بشأن تغير النظام العالمي، إذ يوضح أن الحديث عن عالم متعدد الأقطاب بدأ مع العملية العسكرية الروسية الخاصة في 2022، إضافة لتكتلات اقتصادية هامة منها “بريكس“، والمطالب المتزايدة بشأن ضرورة إصلاح النظام العالمي والأمم المتحدة. مشددا على أن العديد من الدول تطالب بتغيير النظام العالمي وبالأحرى النظام الأمم المتحدة بما يخدم مجموعة من الشعوب، بدلا من خدمة مجموعة فقط.

النهج الجديد

منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2024، اتخذت السعودية مجموعة من الخطوات في مقدمتها عدم الانخراط مع واشنطن في أزمة أوكرانيا، وكذلك معركة الطاقة، وثالثها استقبال بايدن بكثير من الجفاء عام 2022، في مقابل استقبال امبراطوري للرئيس الصيني، وهو ما يؤكد النهج الجديد للسعودية في العلاقات الدولية القائم على تعدد الحلفاء وأولوية المصالح الوطنية، على عكس السابق، حين كان الغرب يفرض شروطه.

وفق الخبير الاستراتيجي وسيم بزي، فإن التقارب بين البلدين يعزز حضور النهج الجديد على مستوى العلاقات الدولية الذي تمثله روسيا والصين، فضلا عن توازيه مع مسار جديد في العلاقات بين واشنطن والرياض، وما يصفه بـ “الانقلاب الجزئي” على “اتفاقية كوينسي”، التي أبرمت عام 1945 بين ملك السعودية عبد العزيز آل سعود، والرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت، والقائمة على “الحماية مقابل النفط”.

الأمر ذاته يؤكده العميد فيصل العنزي بقوله ” أن السعودية تبحث عن علاقات استراتيجية جديدة بما لا يؤثر على “التقليدية” السابقة، مع واشنطن وأوروبا، بما يعني عدم انحيازها بشكل كامل”.

ويشير العنزي إلى أن المملكة تسعى لاختيار حلفائها بعناية بما يحقق مصالحها في المقام الأول، والمنطقة في المقام الثاني، وهو ما أشار إليه ولي العهد السعودي في وقت سابق بنقلة نوعية على مستوى الشرق الأوسط.

إشعال صراعات

يشير الخبراء إلى أن الغرب يبذل كل جهوده لمنع ترسيخ النظام العالمي الجديد وتغير آليات العلاقات الدولية، وأنه قد يلجأ لتحالفات أو إشعال صراعات ما لمنع الاستقرار والتنمية التي تسعى لتحقيقها الدول المتحالفة شرقا.

يشير الخبير العسكري فيصل العنزي إلى أن المواجهات هي اقتصادية في المقام الأول، وأن استراتيجية الولايات المتحدة تنص على أن الصين هي الخصم الأول، وأنها تعمل هي والحلفاء على “الردع المتكامل” للصين، كما بدأت بالتوجه لشرق أسيا لحصار الصين قبل فترة، كما حدث من زيارات أمريكية لتايوان.

العامل الاقتصادي

بحسب الخبراء فإن العامل الاقتصادي يمثل الأولوية لجميع الدول، وأنه العامل الأول والأهم في صياغة العلاقات الدولية في الوقت الراهن.

في هذا الإطار يوضح المستشار الاقتصادي السعودي عيد العيد، إن السعودية لن تمانع العمل مع أي تكتل من أجل تحييد “الخطر الإيراني” من أجل انطلاق عمليات التنمية التي أعيقت لفترات طويلة.

ويضيف عيد العيد، أن الغرب كثيرا ما تماهى مع إيران واستفاد من عدم استقرار المنطقة، في حين أن الصين لن تغامر باستثمارات بنحو 400 مليار دولار، أضافة إلى الاستثمارات الصينية في منطقة جازان على الحدود اليمنية، بما يعزز من ضرورة الهدوء والسلام لدفع عجلة التنمية في المنطقة.

يشدد العيد على أن الغرب لن يقف موقف المتفرج من التقارب الحالي أو ترك المساحة لروسيا والصين والدول الأخرى للتحرك وعقد تحالفات.

منوها إلى أن برنامج جذب الاستثمارات المباشرة في السعودية لم يحقق الأهداف المنشودة حتى الآن، خاصة في ظل تخوف الرأسماليين من عملية الاستقرار في المنطقة، وهو ما يمكن أن يتحقق مع الاتفاق الجديد ودعم مسار السلام.

بحسب العيد فإن دول الخليج تعي جيدا المساعي الغربية التي تحاول عرقلة الاستقرار والتقارب، وأنها قادرة على مواجهة خططها، في حين يبقى الجانب الآخر مرتبط بإيران التي تحتاج لما يقرب من 2.5 تريليون دولار، لتحديث البنية التحتية لديها، ومدى التزامها حال محاولة الغرب عقد تحالفات معها لقلب المعادلة وتقديم إغراءات استثمارية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى