الاستخبارات الأمريكية تحذر من أنشطة الصين للتأثير على صناع القرار الأميركيين

فيما يتصاعد التوتر بين الصين والغرب لا سيما الولايات المتحدة، على خلفية العديد من الملفات الخلافية من الاقتصاد والتجارة مرورا بالسياسة وحقوق الإنسان، فضلا عن موقف بكين من الصراع الروسي والأوكراني وعلاقاتها بإيران ومقاربتها لقضيتي هونغ كونغ وتايوان، حذر مسؤولو مكافحة التجسس في الولايات المتحدة، القادة والمسؤولين المحليين، ورجال الأعمال، بشأن ما يرونه “تصاعداً صينياً للتأثير على فئة صنع القرارات والسياسات” بحسب ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.

وقالت مصادر مطلعة لـ”وول ستريت جورنال”، إن مسؤولين في مركز مكافحة التجسس، ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، ووزارة الأمن الداخلي، “أبلغوا مسؤولين محليين في كافة الولايات، بشأن مخاطر عمليات صينية للتأثير على المجتمع الأميركي”، وذلك في فعالية استضافتها لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ في فبراير الماضي.

ونقلت “وول ستريت جورنال” عن متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي، قوله إن الوزارة عززت “التعاون على جميع المستويات الحكومية”، فيما حث قادة لجنة مجلس الشيوخ، السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، على بذل “المزيد من الجهد للتصدي للتهديدات التي تفرضها الصين”.

وأطلع مايكل أورلاندو، الذي يرأس المركز الوطني الأميركي لمكافحة التجسس “وول ستريت جورنال”، على الحملات التي تشنها الصين، لافتاً إلى “تسارع وتيرة تلك العمليات الموجهة ضد السكان الأصليين والقادة المحليين، مع تفاقم وجهات النظر المتشددة حول بكين في واشنطن، بما في داخل الكونغرس”.

وقال رئيس المركز الوطني الأميركي لمكافحة التجسس، إن هذه العمليات باتت “أكثر عدائية وانتشاراً” في الفترة الماضية.

الأنشطة السرية

وأوضافت الصحيفة أن هناك مذكرة أصدرها المركز الوطني الأميركي لمكافحة التجسس، الأربعاء، بشأن “الحملة العدائية المتصاعدة التي تشنها الصين للضغط والتأثير على السكان الأصليين والمحليين ورجال الأعمال”، تزامناً مع تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين.

وورد في المذكرة التحذيرية، التي اطلعت عليها الصحيفة، أن عمليات التأثير الصينية تتراوح بين “الدبلوماسية العامة”، التي يتم فيها الاعتراف بدور الحكومة الصينية، إلى “الأنشطة السرية” التي تستخدم فيها بكين “أيد خفية.. تكتسب طبيعة قسرية، وأحياناً إجرامية”.

ووفق المذكرة، تتضمن هذه التكتيكات جمع المعلومات الشخصية عن القادة المحليين وشركائهم، واستهدافهم في مراحل مبكرة من مسيرتهم المهنية بهدف استخدامهم لخدمة المصالح الصينية، حال وصولهم إلى مناصب مرتفعة، لا سيما في التجارة والاستثمار، للمكافأة أو العقاب.

وأضافت أن الهدف الحملات الصينية، هو دفع السياسات الأميركية لكي تصب في صالح بكين، وتقليل الانتقادات الموجهة ضد السياسات الصينية، فيما يتعلق بتايوان، إلى جانب ملف حقوق الإنسان في مناطق التبت وشينجيانغ، وقضايا أخرى.

وشددت المذكرة على أن الجهود التي تبذلها الحكومة الصينية، يمكن أن تهدد “عملية صنع السياسات الأميركية العامة”، كما يمكنها أن تؤثر على “الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة”.

وأكد مسؤولو مكافحة التجسس في مذكرتهم، أن الجهود المبذولة لتحذير رجال الأعمال والقادة الولائيين والمحليين “ليست موجهة للتشكيك في الشعب الصيني والأميركيين الصينيين”.

وفي المقابل، تنفي الحكومة الصينية أي تدخل من جانبها في شؤون الدول الأخرى.

نصائح المذكرة

وقال أورلاندو إن الكثير من التعاملات الصينية مع الحكومات المحلية تنطوي على “صفقات اقتصادية مشروعة تعود بالنفع على كلا الطرفين”. وأردف: “في بعض الأحيان تسعى بكين إلى الاستفادة من هذه التعاملات لتحقيق مكاسب سياسية”.

وقالت المذكرة التحذيرية إن المسؤولين والوكلاء الصينيين هددوا بسحب الاستثمارات أو الوصول إلى السوق، إذا لم يتم الالتفات إلى المصالح الصينية.

وفي حالة أخرى، وردت في المذكرة، زعمت شكوى فيدرالية، تم الكشف عنها في مارس الماضي، أن جاسوساً صينياً استأجر محققاً خاصاً لاستخدام العنف “إذا لزم الأمر”، من أجل إنهاء السباق الانتخابي لمرشح إلى مقعد نيويورك في مجلس النواب، وأعطى تعليماته للمحقق “بضربه حتى لا يتمكن من خوض الانتخابات”.

وكان المرشح، زعيماً طلابياً في احتجاجات ميدان تيانانمين 1989 المؤيدة للديمقراطية، قد فر من الصين وأصبح مواطناً أميركياً.

ونصحت المذكرة القادة والمسؤوليين المحليين بـ”توخي الحذر من العمليات الصينية”، وذلك عن طريق “رفض التوقيع على أي اتفاقيات تتعارض مع السياسات الوطنية الأميركية”، حتى لو كانت مفيدة على المستوى المحلي على المدى القريب، و”الإصرار على أن تتضمن الاتفاقيات بنوداً شفافة”، و”مشاركة السلطات الأميركية قبل اتخاذ القرار”.

وتأتي رسائل مسؤولي مكافحة التجسس في أعقاب القرار الذي أصدرته وزارة العدل، في فبراير الماضي، بإنهاء برنامج “مبادرة الصين”، الذي يعود إلى فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

وتأسس البرنامج الصيني لمواجهة تهديدات الأمن القومي، خاصة وأن العمليات الصينية تستهدف مجالات العلوم والتكنولوجيا. كما أدت المبادرة إلى تدشين سلسلة من الملاحقات القضائية ضد أكاديميين زُعم أنهم كذبوا على الحكومة الأميركية بشأن ولاءاتهم الصينية.

ورغم أن بعض القضايا باءت بالفشل، إلا أن هذه الجهود رسخت، بوجه عام، لحالة من عدم الثقة في مجتمع التعليم العالي، وأثارت انتقادات بعض المجموعات الأميركية من أصول آسيوية، على أساس استهداف بعض الأكاديميين الصينيين على نحو غير عادل.

جهود التأثير الخارجي

لذلك حددت المذكرة، وحدة تابعة للحزب الشيوعي الحاكم في الصين، تُعرف باسم “إدارة عمل الجبهة المتحدة”، بأنها “تقود جهود التأثير الخارجي، وتعمل من خلال العديد من المنظمات العلنية”.

وأكدت المذكرة أيضاً تورط وزارات الشؤون الخارجية وأمن الدولة والتعليم، والسفارة والقنصلية الصينية في الولايات المتحدة، والعديد من “الكيانات شبه الرسمية أو الوكلاء”.

ومن بين المجموعات التي حددتها المذكرة الجمعية الوطنية للتوحيد السلمي للصين، التي تصف نفسها بأنها “منظمة غير ربحية مقرها واشنطن”، وتدافع عن مواقف تتماشى مع مواقف بكين بشأن تايوان والتبت.

وفي 2020، تم تصنيف هذه المجموعة من قبل إدارة ترمب على أنها “بعثة خارجية صينية”، وهو وضع يجعلها أقرب إلى أن تكون ذراعاً للحكومة الصينية، بزعم أنها منظمة تابعة للجبهة المتحدة.

كما أوقفت إدارة ترمب المشاركة في مذكرة التفاهم الموقعة في 2011، والتي دعمت إنشاء المنتدى الصيني الأميركي للمحافظين الوطنيين.

وزعمت إدارة ترمب أن رابطة الشعب الصيني للصداقة مع الدول الأجنبية، ومقرها بكين، سعت إلى “التأثير على نحو خبيث على القادة والمسؤولين المحليين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى