الانتخابات الرئاسية تهدد بالكثير في شمال قبرص

كزافييه بالاسيوس

 

بعد صيف متوتر في شرق البحر المتوسط ​، مع احتمالات اندلاع الحرب والتصريحات السياسية حادة اللهجة بين المتنافسين الإقليميين، ستجري جمهورية شمال قبرص التركية انتخاباتها الرئاسية في 11 أكتوبر.

وكانت هذه الانتخابات قد تأجلت في الربيع بسبب حالة الطوارئ التي خلقتها الأزمة الصحية، بعد أن دفع الوباء جمهورية قبرص إلى إغلاق المعابر التي فتحت في عام 2003 بين شطري الجزيرة. فبمجرد الإبلاغ عن حالات  الإصابة الأولى بفيروس كورونا المستجد في الجزيرة حتى سارعت الإدارتان لإغلاق المعابر بدعم من الغالبية العظمى على جانبي الحدود.

ومع ذلك، وبعد عمليات الإغلاق، استمر تصاعد التوترات في قبرص مدفوعا بديناميات سياسية داخلية وخارجية. وأدى الصدام بين تركيا والدول المجاورة حول ترسيم الحدود البحرية، والحقوق الاقتصادية واحتمال استغلال موارد الطاقة، إلى زعزعة المشهد السياسي في قبرص، وهي عنصر أساسي في هذا المستنقع الإقليمي.

في شرق البحر المتوسط ​​الأكثر تقلبا وعسكرة، ستظهر الانتخابات الرئاسية إرادة المجتمع القبرصي التركي فيما يتعلق بمفاوضاته المستقبلية مع الجار الجنوبي، والعلاقة السياسية والاقتصادية مع أنقرة.

المتنافسون الرئيسيون

يواجه رئيس جمهورية شمال قبرص التركية الحالي مصطفى أكينجي رئيس الوزراء إرسين تتار، وهما يقدمان رؤيتين مختلفتين للغاية للنصف الشمالي من الجزيرة المقسمة. ويفضل أكينجي محادثات التوحيد مع جمهورية قبرص في الجنوب ودعم الحل السياسي. في حين تحالف تتار مع تركيا في محاولة لفرض موقف أنقرة بشأن قضايا تشمل الوصول إلى احتياطيات الغاز الطبيعي المتنازع عليها. وحسب استطلاعات الرأي، يبدو تتار متقدما، وقد يفوز بنسبة 54 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية. لكن، ووفقا لمحللين مختلفين، لا ينبغي استبعاد المرشح الثالث، وهو رئيس الوزراء السابق توفان إرهورمان،  من السباق.

لكن المحلل السياسي من مركز “بريو” للأبحاث في قبرص، ميتي هاتاي، أشار إلى أن هذه الاستطلاعات غير موثوق بها. ويعتقد أن حوالي 40 في المئة من الناخبين القبارصة الأتراك لا يزالون مترددين، ولا يمكن لأحد التنبؤ إلى من ستذهب هذه الأصوات.

وكان تتار يدفع باتجاه اتخاذ موقف أكثر صرامة من أجل التقسيم. وبدعم واضح من أنقرة، يفضل حل الدولتين. وقال لصحيفة “صنداي إكسبريس” البريطانية في يناير: “نحن مختلفون. نحن نتحدث التركية، هم يتحدثون اليونانية. نحن مسلمون، هم مسيحيون”.

ويشير برنامج تتار السياسي إلى عقيدة “الوطن الأزرق” التركية  مباشرة. ويشمل هذا توسيع تركيا لنفوذها البحري من خلال المطالبة بحقوق القبارصة الأتراك في أنشطة التنقيب عن الغاز الطبيعي ودعم أنشطة السفن الاستكشافية التركية في المياه القبرصية.

ويشير إعلانه إلى جانب الرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة عن إعادة افتتاح فاروشا إلى الدعم الكامل الذي يتلقاه من الحكومة التركية. وفاروشا هي ضاحية جنوبية مهجورة لمدينة فاماغوستا، وقد سُيّجت واعتبرت منطقة محظورة منذ الغزو التركي الذي قسّم الجزيرة سنة 1974.

إلى جانب التسبب في استقالات في صفوف الحكومة وتفكك الائتلاف الحاكم بزعامة تتار، من المرجح أن يكون لهذه الخطوة عواقب سلبية أخرى فيما يتعلق بمحادثات السلام مع جمهورية قبرص، بدعم من اليونان وشخصيات سياسية بارزة في الاتحاد الأوروبي.

يقف الرئيس الحالي في مواجهة تتار. ولا يزال ملتزما بالحل الفيدرالي لتوحيد قبرص تحت سلطة سياسية وحيدة. فعلى الرغم من المحاولات الفاشلة الأخيرة في 2017، يدفع أكينجي باتجاه اتفاقية سلام تحت إشراف الأمم المتحدة، ويعتبرها السبيل الوحيد القابل للتطبيق لحل ديمقراطي وسلمي للصراع.

وحسب ميتي هاتاي، يقدم أكينجي الاتحاد على أنه حل للمجتمع القبرصي التركي على الرغم من فشل المفاوضات، ويهدف إلى تأسيس “منطقة آمنة للعيش فيها”. كما صرّح أكينجي أن وجود تركيا في شمال قبرص يمكن أن يؤدي إلى تفكك الهوية القبرصية التركية الفريدة في الهوية الوطنية التركية وتصبح المنطقة في النهاية مقاطعة تركية.

كما يعتقد هاتاي أن لتوفان إرهورمان فرصة للفوز. وقد حافظ الزعيم الديمقراطي الاجتماعي للحزب الجمهوري التركي على موقف أكثر اعتدالا في اشتباكات أكينجي مع أنقرة، لكنه تلقى دعما صريحا من مسؤولي الحكومة التركية، مما جعله بديلاً يحتمل أن يجذاب الناخبين.

ويشير هاتاي إلى أن القبارصة الأتراك يريدون الحد من تدخل أنقرة السياسي المفرط. لكنهم يرون في تركيا “كفيلا” أيضا، مما قد يدفعهم إلى دعم إرهورمان.

على الرغم من أن المرشحين الرئيسيين يتعارضان فيما يتعلق بالحل السياسي للصراع القبرصي، سيتعين على أي رئيس مستقبلي للجمهورية مواجهة مفاوضات جديدة مع المجتمع القبرصي اليوناني إلى جانب تركيا.

وكما أشار الدكتور هوبرت فاوستمان من جامعة نيقوسيا ومدير مؤسسة فريدريش إيبرت في قبرص، تعدّ هذه الانتخابات مقياسا رمزيا لإرادة المجتمع القبرصي التركي السياسية. وأكّد أستاذ التاريخ والعلوم السياسية أن قضية قبرص ستكون الأبرز على طاولته.

لكن فاوستمان يرى أن الانتخابات لن تؤثر على النتيجة النهائية لمفاوضات السلام القبرصية، إذ أنها تدريجية وطويلة الأجل. وحدد أن “القرارات الأساسية بشأن المسألة القبرصية تتخذها تركيا، ولن تسمح للرئيس القبرصي بتقرير نتيجة مفاوضات السلام”.

عوامل خارجية

إلى جانب العوامل السياسية الداخلية، تأثرت هذه الحملة الانتخابية بالتطورات السياسية الإقليمية. ونظرا لطبيعة جمهورية شمال قبرص التركية السياسية، وهي جمهورية أعلنت نفسها بنفسها ولم تعترف بها سوى تركيا، يعتبر التأثير الذي تمارسه أنقرة في هذه المنطقة أمرا حيويا.

ولعبت أنقرة دورا نشطا في وضع الأجندة السياسية من خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لجمهورية شمال قبرص، والتي تأجّلت خلال الجائحة العالمية.

وفي نوفمبر 2019، انتقد أكينجي قرار تركيا تسمية هجومها العسكري في شمال سوريا باسم “عملية نبع السلام”، في إشارة واضحة إلى غزو قبرص في 1974. وأعلن أكينجي في بيان أن “الحوار بين جميع شعوب المنطقة” هو السبيل الوحيد نحو مستقبل سلمي وسعيد.

أثارت تعليقات أكينجي رد فعل عدواني من أنقرة، وتدهورت العلاقات بينهما في الأشهر الأخيرة. يبدو أن الوضع مفيد لكلا الجانبين، إذ يقدم أكينجي نفسه على أنه حامي قيم المجتمع القبرصي التركي وتكرر أنقرة خطابها المستمر منذ عقود بأنها الحامي الوحيد لجمهورية شمال قبرص.

وتعمقت هذه الانقسامات في الأشهر الأخيرة، مما أبعد أكينجي عن التطورات السياسية الأخرى. ويشمل ذلك، على سبيل المثال، المحادثات التي قادها وزير الخارجية وزميله المرشح الرئاسي قدرت أوزرساي وتركيا بشأن إعادة فتح ساحل مدينة فاروشا، وهو خط أحمر في مفاوضات السلام مع جمهورية قبرص.

في مثال آخر، وقّع تتار مؤخرا بروتوكولا اقتصاديا طارئا مع تركيا قبل الانتخابات، على الرغم من سنة من الجمود في المفاوضات. وحسب هاتاي، سمح ذلك لتتار بالعمل في مشاريع بنية تحتية جديدة في جمهورية شمال قبرص.

في الآونة الأخيرة، قرر تتار التوجه إلى أنقرة دون سابق انذار، إذ علق حملته الانتخابية وانسحب من مناظرة تلفزيونية مع المرشحين الرئاسيين الآخرين في 29 سبتمبر، وهي علامة أخرى على قنوات اتصاله الوثيقة مع القصر الرئاسي في تركيا.

من جهة أخرى، يحظى أكينجي بدعم خارجي أيضا. فقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مؤخرا عن عزمه استئناف مفاوضات السلام في قبرص. وفي 2 أكتوبر، أعلن عن مكالمة جمعته بأكينجي. وقال فاوستمان إن الأمر  يمكن اعتباره بادرة دعم من غوتيريش لأكينجي. وهي خطوة انتقدها مرشحون آخرون وأنقرة على أنه تدخل سياسي في الحملة الرئاسية.

كما قال هاتاي إن من المرجح أن تنخفض التوترات السياسية في جمهورية شمال قبرص التركية بعد نتائج الانتخابات. وحتى إذا فاز أكينجي، فسيتعين عليه تقديم تنازلات مع تركيا.

قد يكون هذا صحيحا، لكن تتار وأنقرة رفّعا المخاطر من خلال الإعلان الأخير عن افتتاح فاروشا. وسيبرز المستقبل كيفية تأثير ذلك على مفاوضات السلام.

 

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى