الجامعة العربية تفتح أبواب ليبيا للتدخل التركي

الحبيب الأسود

عندما قالت الجامعة العربية بعد اجتماعها على مستوى المندوبين الثلاثاء الماضي إن لا مرجعية إلا اتفاق الصخيرات، مدت حكومة فائز السراج المعزولة في طرابلس بشحنة أوكسيجين لتحث خطاها نحو الارتماء التام في أحضان المشروع العثماني الجديد بزعامة رجب طيب أردوغان المندفع، بدوره، إلى ليبيا التي وصفها بأنها ميراث أجداده الذي يحق له العودة إليه.

لم تستمع الجامعة لمجلس النواب المنتخب، ولا إلى الحكومة المؤقتة المنبثقة عنه، ولا إلى القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، الداعين إلى سحب البساط من تحت أقدام حكومة السراج بسحب الاعتراف بها، واختارت أن تسير في ذات الاتجاه الخاطئ الذي كان وراء التدخلات الخارجية في المنطقة العربية من العراق إلى ليبيا، والذي لم يفرز إلا ميليشيات خارجة عن القانون، وجماعات إرهابية، ونخب سياسية متآمرة على بلدانها وشعوبها ومجتمعاتها، وعلى أمتها، ومستلقية بين أيادي ورثة الأطماع الإمبراطورية الغابرة والساعين إلى إحيائها، سواء في طهران أو أنقرة.

كان عقد اجتماع الثلاثاء الماضي خطأ فادحا يتحمل مسؤوليته من دعا إليه، حيث أفضى إلى تعرية الموقف العربي بشكل سافر، وفضح عجز هذا الكيان الذي لا يزال محل تجاذب بين أجندات متناقضة، يطغى عليها الدافع الإقليمي والمناطقي، بدل المصلحة القومية الشاملة، التي أضحت بدورها محل شك، خصوصا في ظل التغلغل القَطري وتغليب الحسابات القُطرية.

لم تكن دعوة المجتمعين لرفض التدخلات الخارجية سوى من باب ذرّ الرماد على العيون، لأن مجرد الاعتراف بشرعية حكومة الوفاق من خلال الإصرار على مخرجات اتفاق الصخيرات، يعني منحها صكا على بياض لاستدعاء الأتراك بقواتهم وأسلحتهم، واستجلاب المرتزقة من شمال سوريا، وتبديد ثروة الشعب الليبي في تمويل حرب مدمرة ضد الليبيين ومؤسساتهم.

خرج وزير خارجية السراج ليتقدم بالشكر إلى قطر التي كان لها أثرها الواضح في البيان، انطلاقا من دور الدوحة المعلن في دعم ميليشيات الوفاق وفي إسناد التدخل التركي، والتكفل بدفع تكاليفه، تواصلا منها على طريق الدم والخراب ونشر الإرهاب في ليبيا منذ العام 2011، وثأرا من محور الاعتدال العربي الذي لا يخفي مساندته للجيش الوطني.

كما وجّه الوزير شكره لدول المغرب العربي التي لا يزال اتحادها في غرفة الإنعاش منذ 30 عاما، والتي يعتبر التعاون البيني في ما بينها الأضعف على مستوى العالم قاطبة، ومع ذلك اجتمعت على أن تدعم حكومة السراج، وأن تصرّ على إضفاء شرعية عليها، هي في الواقع شرعية الأمر الواقع التي فرضتها الأمم المتحدة على الليبيين ضمن خطة مشبوهة لإعادة تدوير الإسلام السياسي المهزوم في انتخابات يونيو 2014 والمنقلب على مؤسسات الدولة بواسطة منظومة فجر ليبيا الإرهابية، وذلك من خلال اتفاق الصخيرات، الذي لم يحظ في الداخل الليبي بأيّ شرعية شعبية أو قانونية، ولم تنطبق عليه بنود الإعلان الدستوري، ولم تنل حكومته ثقة البرلمان الجسم الوحيد المنتخب، ولم يحقق أيا من أهدافه المعلنة في 17 ديسمبر 2015، بل تجاوزت حكومة السراج الفترة المحددة لحكومة الوفاق مدتها القانونية والمهلة الإضافية بأكثر من عامين.

تبدو الجزائر أقدر على استيعاب غزو تركي لليبيا لدعم حكومة السراج من انتصار الجيش الوطني المدعوم من مصر. هناك عقدة تاريخية لا تزال تسيّر مواقف الدولة الجزائرية العميقة، وترتبط أساسا بالثقل في مستوى الجغرافيا السياسية، والعمق الإستراتيجي، إلى جانب التأثير الواضح لقوى الإسلام السياسي التي تجيد إدارة اللعبة من وراء الستار. بينما يبدو الموقف التونسي خاضعا لمشروع حركة النهضة التي تعتبر قطر وتركيا أبرز حليفين لها، وقد سعى وزير داخلية الوفاق فتحي باشا آغا مؤخرا من العاصمة التونسية بالذات إلى دغدغة المشاعر الإخوانية في البلدين بالقول إن ما سماه سقوط طرابلس (بين أيدي الجيش الوطني) يعني سقوط تونس والجزائر، في إشارة إلى تيارات الإسلام السياسي التي تخشى من فقدانها الجدار الإخواني الأخير في طرابلس.

حتى السودان التي كانت قبل أيام متهمة، كذبا وبهتانا، بإرسال مرتزقة لدعم الجيش الوطني، نالت نصيبها من عبارات الشكر الصادرة عن خارجية الوفاق، فهي كذلك مع شرعية الحكومة المعزولة في طرابلس، الأمر الذي بات يطرح أكثر من سؤال عما إذا كان رفع العقوبات عن حكومة الخرطوم يستوجب الاعتراف بشرعية لم تعد تصرف في بورصة العلاقات الدولية.

اللافت أن مواقف السودان ودول المغرب العربي باعتبارها ضمن الجوار الليبي، كانت تستهدف بالأساس الجارة الشرقية مصر، وحليفاتها في محور الاعتدال العربي، وعلى رأسها السعودية، وتتضح الصورة أكثر عندما نجد أن تلك الدول اتخذت نفس الموقف القطري الذي لا يمكن فصله عن الموقف التركي.

بعد اليوم لا يمكن الحديث عن دور للجامعة العربية في حل الأزمة الليبية أو دعم الشعب الليبي، وعلى الدول العربية الرافضة للتدخل التركي أن تعقد اجتماعا في مستوى القمة لاتخاذ القرارات الضرورية، وأن تكون أكثر وضوحا في موقفها من دعاة الاستعمار الجديد لليبيا، وأن تقطع علاقاتها نهائيا بحكومة السراج، وتسحب اعترافها بها، لأن الخطر يحدق بالجميع، وقد نرى قريبا غزوا تركيّا لطرابلس كغزو إسرائيل لبيروت في العام 1982، بفرق واحد أن الغزو الإسرائيلي كان لطرد الفلسطينيين من لبنان، والغزو التركي لطرد الليبيين من بلادهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى