الدولة الفلسطينية

عمرو الشوبكي

مثل مؤتمر نيويورك الذى عقد أمس الأول، فى مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقادته السعودية وفرنسا حول حل الدولتين بداية طريق شاق وطويل للضغط على إسرائيل من أجل القبول بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية قائم على حل الدولتين.

والحقيقة أن السياق الحالى الذى سينطلق فى إطاره مسار إقامة الدولة الفلسطينية وإعلان الرئيس الفرنسى أنه سيعترف بها فى شهر سبتمبر المقبل يواجه وضعية «إسرائيل الاستثنائية» مقارنة حتى بأوضاعها السابقة، فهى لم تعد دولة الصقور والحمائم والمتشددين والمعتدلين، إنما أصبحت «دولة كل الصقور» الذين يمارسون أو يقبلون بدرجات متفاوتة للتطهير العرقى والإبادة الجماعية وتجويع السكان بأريحية كبيرة.

ورغم كل الصعوبات التى تواجه هذه المبادرة إلا أن أهميتها تكمن فى ضرورة أن يقدم تيار الاعتدال العربى «فعل» وليس فقط معارضة أو خلاف مع تيار الممانعة، أو رفض للسياسات الإسرائيلية، فالتباين الذى جرى فى مراحل سابقة بين من أيدوا المسار السياسى والسلمى وبين من رفعوا رايات الكفاح المسلح، لم يكن فقط على مستوى الخطاب السياسى والإعلامى، إنما كان بين مشاريع عملية جرت فى الواقع، فرغم السجال الحاد الذى جرى بين الرئيس السادات وكثير من زعماء «الممانعة»، إلا أن ذلك لم يحل دون وجود «بناء» على الأرض اسمه معاهدة السلام التى أعادت سيناء للسيادة المصرية ولم يكن مجرد سجال نظرى بين مشروعى التسوية السلمية والمقاومة المسلحة.

وقد تكرر نفس الأمر فى سياق مختلف مع اتفاق أوسلو، فالتحولات التى شهدتها منظمة التحرير كانت نتاج جدل وخلاف وصل لحد الصراع الداخلى بين فصائلها حول الاتفاق، وانتهى بأن قاد ياسر عرفات مسار التسوية السلمية، وتم التوقيع على اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣، والذى فتح الباب «نظريًا» لتحويل مناطق الحكم الذاتى إلى دولة فلسطينية قبل أن تجهضها الحكومات الإسرائيلية بشكل ممنهج بنشر المستوطنات فى الضفة الغربية.

والمفارقة أن حركة حماس التى رفضت اتفاق أوسلو استفادت منه وعادت إلى مناطق الحكم الذاتى وضاعفت من قوتها السياسية والعسكرية حتى سيطرت بالقوة على قطاع غزة فى ٢٠٠٧، ثم دخلت بعد ذلك فى مواجهتها المسلحة ضد إسرائيل حتى عملية ٧ أكتوبر والتى خلفت تداعيات داخلية وخارجية كبيرة.

فى كل تجارب تيارى الاعتدال والمقاومة، كان هناك بديل «ملموس» يجرى تنفيذه على الأرض (باستثناء نظم ادعاء الممانعة العربية).. ومن هنا تكمن أهمية طرح حل الدولتين كبديل عملى مهما كانت فرص نجاحه الفورية، لأن هذا الحل هو الذى أيدته الشرعية الدولية ودعمه العرب والفلسطينيون، ومن عارضوه قالوا إنهم يقبلونه بشكل مرحلى.

الطريق لبناء دولة فلسطينية شاق وصعب وسواء نجحت هذه المحاولة أم لا، فإن تعنت إسرائيل ورفضها حل الدولتين سيجعل الحل التاريخى ببناء الدولة المدنية الواحدة على كل فلسطين هو الحل الوحيد.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى