الرئيس الروسي: التنسيق الوثيق بين موسكو وبكين عامل استقرار في الشؤون الدولية

في مواجهة الضغوط المتزايدة التي يتعرّضان لها كل من بكين وموسكو، من الولايات المتحدة وحلف الناتو، حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال القمة الافتراضية التي عقدها مع الرئيس الصيني شي جين بينج، الأربعاء، على تأكيد أن العلاقات بين موسكو وبكين تشكّل “نموذجاً حقيقياً للتعاون بين الدول في القرن الحادي والعشرين”.

واعتبر بوتين، أن “التنسيق الوثيق بين روسيا والصين على الساحة الدولية، والنهج المشترك المسؤول لتسوية القضايا العالمية الملحّة، أصبحا عامل استقرار في الشؤون الدولية”.

أما الرئيس الصيني، فوصف بوتين بأنه “صديق قديم”، مشيراً إلى أنه “أيّد الصين بقوة في الدفاع عن مصالحها الجوهرية، وعارض محاولات لتقسيم الصين وروسيا”.

ونقل يوري أوشاكوف، مساعد بوتين للشؤون الخارجية، عن الرئيس الصيني قوله: “على رغم أن (البلدين) ليسا متحالفين، فإن تأثيرهما يتجاوز هذا المستوى”.

شريكان استراتيجيان

وأفادت وكالة “أسوشيتد برس” بأن روسيا سعت إلى توسيع علاقاتها مع الصين، بالتزامن مع تراجع علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلفائها إلى أدنى مستوى منذ نهاية الحرب الباردة، بعدما ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، إضافة إلى اتهامات لقراصنة روس بتنفيذ هجمات إلكترونية، والتدخل في الانتخابات الأميركية، ونزاعات أخرى.

وأضافت أن روسيا والصين رفضتا سابقاً إمكانية تشكيل تحالف عسكري، مستدركة أن بوتين قال العام الماضي إن هذا الاحتمال ليس مستبعداً. وأشار إلى أن موسكو تشارك بكين تقنيات عسكرية شديدة الحساسية، ساهمت بشكل كبير في تعزيز قدراتها الدفاعية.

في نوفمبر الماضي، وقّعت روسيا والصين خريطة طريق لتوثيق علاقاتهما العسكرية. حينها، ذكّر وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، بأن البلدين “كانا شريكين استراتيجيين لسنوات”، مضيفاً: “اليوم، في ظروف اضطرابات جيوسياسية متزايدة وإمكانات متزايدة لنزاع في أجزاء مختلفة من العالم، يكتسي تطوير تفاعلنا أهمية خاصة”.

وجاء ذلك، بعدما نفذت موسكو وبكين مناورات مشتركة، شاركت فيها مقاتلات وسفن حربية الشهر الماضي، علماً أن الجانبين جدّدا في يونيو الماضي، معاهدة لحسن الجوار والتعاون الودي، أبرمتاها قبل عقدين.

المحور المتنامي بين بكين وموسكو

تدرك الولايات المتحدة أن التقارب المتزايد بين الصين وروسيا يشكّل تحدياً لها، وحذر جهاز الاستخبارات القومية، في أبريل الماضي، من تصميم البلدين على تقويض نفوذ واشنطن.

وكان تقييم استخباراتي أميركي، نُشر في عام 2019، نبّه إلى أن المحور المتنامي بين بكين وموسكو هو الأقوى في العقود الستة الماضية. وأوردت مجلة “فورين بوليسي” أن الصين وروسيا انخرطتا طيلة سنوات، في “تحالف تكتيكي” بمجلس الأمن، وتعاونتا لمواجهة “نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين” الذين انتهجوا سياسة “العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري”.

وأضافت أن البلدين “كثفا في السنوات الأخيرة، علاقاتهما الباردة سابقاً، من خلال مضاعفة التجارة الثنائية في مجالات أساسية، مثل الطاقة والأسلحة”. كما توحّدا بشأن “شكوكهما العميقة حول جهود الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان” في العالم.

مستوى جديد من العلاقات

وكتب دانيل بوشكوف، وهو خبير في “المجلس الروسي للشؤون الدولية”، في صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست”، الصادرة في هونج كونج، أن موسكو وبكين أصرّتا مرات على أن علاقاتهما لا تشكّل تحالفاً عسكرياً رسمياً، مستدركاً أن “مستوى ثقتهما السياسية قد يدفع بعضهم للاعتقاد بأنهما شكّلا تحالفاً فعلياً”.

وأضاف: “نظراً إلى أن روسيا والصين تعملان أيضاً لتعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني واستكشاف الفضاء، فمن الواضح أنهما يتبنّيان تعاوناً في كل المجالات. وهذا أمر نادر على المستوى المشترك بين دولٍ، خارج إطار تحالف رسمي، ممّا يرفع العلاقات إلى مستوى جديد” يتجاوز التعاون العسكري، إلى البرنامج السياسي والتكنولوجي والاقتصادي للجانبين.

وذكّر باستكمال روسيا والصين مشاريع للبنية التحتية عبر الحدود، وبلوغ تبادلهما التجاري مستوى قياسياً، إذ تجاوز 100 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.

واعتبر بوشكوف أن “الدينامية في العلاقات بين روسيا والصين كانت مدفوعة في السنوات الأخيرة، بالاعتراف المتبادل المتزايد بالتداخل بين مصالحهما الجيوسياسية، ونفورهما من المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة”.

وتابع: “يبدو الآن أن هذا الاستقطاب يبلغ ذروته، فيما ينقسم العالم إلى معسكرين، الثنائي الروسي الصيني والولايات المتحدة وحلفاؤها”. واعتبر أن لدى موسكو وبكين “مصلحة مشتركة في مواجهة النفوذ الأميركي”.

 الوضع تبدّل بعد نهاية الحرب الباردة

ولفتت “فورين بوليسي” إلى أن العلاقات بين الصين والاتحاد السوفياتي “اتسمت بانعدام ثقة عميق، دام عقوداً بعد انقسامهما في عام 1961″، مستدركة أن الوضع تبدّل بعد نهاية الحرب الباردة، وسُرّع بعدما ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014، وتعرّضت لعقوبات غربية.

وأبرمت الدولتان اتفاقاً مدته 30 سنة، بقيمة 400 مليار دولار، لخط أنابيب يزوّد الصين بغاز طبيعي من روسيا، كما ازداد اعتماد بكين على النفط الروسي. في المقابل، تؤمّن الصين التمويل والمكوّنات التكنولوجية المتقدّمة، التي لم يعُد في إمكان موسكو الحصول عليها من الغرب. وعلى رغم أن صناعة الدفاع تتطوّر بسرعة في الصين، إلا أن نحو 80% من وارداتها من الأسلحة لا تزال تأتي من روسيا، بما في ذلك نظام الدفاع الصاروخي من طراز “إس-400” ومقاتلات “سوخوي-35”.

الحسابات قد تتبدّل

وأشار دميتري ترينين، مدير معهد “كارنيغي” في موسكو، إلى اهتمام الولايات المتحدة بمنع الصين وروسيا من أن يصبحا “قريبين جداً”. وأضاف أن “الصين تقدّر شراكتها الوثيقة مع روسيا، لكنها، بصفتها لاعباً منفرداً، ليست مستعدة ولا راغبة في الدخول بتحالف عسكري معها”، فيما أن روسيا، التي اعتبر أنها “ليست قوة عظمى” مثل الولايات المتحدة والصين، “تسعى إلى الحفاظ على توازن، وإن لم يكن متساوي البعد، في مواجهة الصين وأميركا وتنافسهما”.

ولاحظ أن موسكو تواصل “توسيع علاقاتها مع بكين”، فيما “تدير مواجهتها المستمرة مع الولايات المتحدة”. ورأى أن مساندة موسكو لواشنطن ضد بكين ستكون “حماقة استراتيجية”، كما أن ثمة “عواقب استراتيجية لتحويل الصين إلى خصم، أسوأ بكثير بالنسبة إلى روسيا من الاستمرار في مواجهة أميركا وكل حلفائها”. وتابع أن دعم بكين ضد واشنطن في وقت السلم “سيعني التخلّي عن جزء كبير من السيادة الاستراتيجية لروسيا، ورهن مصيرها بنتيجة التنافس بين قوى أخرى”.

واستدرك أن “هذه الحسابات قد تتبدّل خلال أزمة، إذا استنتجت القيادة الروسية أن السماح للولايات المتحدة بالتعامل عسكرياً مع الصين أولاً، ثم الضغط على روسيا، إذا نجحت، سيؤدي إلى هزيمة استراتيجية وربما كارثة”. ولفت إلى “عدد كبير جداً من العوامل غير المعروفة، كي نتمكّن من التكهن بمسار العمل الذي ستقرر موسكو اتخاذه”.

حرب محتملة

لكن أندرو ميشتا، عميد “كلية الدراسات الدولية والأمنية” في “مركز جورج مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية” بألمانيا، تحدث عن “ثلاثة أسباب أساسية قد تدفع الصين وروسيا إلى مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، عاجلاً وليس آجلاً، وربما في غضون خمس سنوات”.

وكتب في صحيفة “وول ستريت جورنال” أن السبب الأول يتمثل في أن “الجيش الأميركي يحتاج وقتاً لإعادة الهيكلة وتجديد جاهزيته، بعيداً من مكافحة الإرهاب ونحو نزاع شديد الكثافة بين دولتين”. السبب الثاني يكمن في “الظروف المحلية بالولايات المتحدة وأوروبا”، في إشارة إلى تداعيات فيروس كورونا المستجد، والهجرة الجماعية، و”الثورة الثقافية” في الولايات المتحدة، وهي عوامل اعتبر الكاتب أنها “مسّت التماسك الوطني في كل أنحاء الغرب، وغذت عدم ثقة بالحكومة”.

أما السبب الثالث فيرتبط بـ”تزايد الضغوط الداخلية” داخل مجتمعَي الصين وروسيا، إذ نبّه ميشتا إلى أن “الاتجاهات السكانية والتوقعات الحالية ترسم صورة مدمّرة”، في إشارة إلى تكهنات بتقلّص عدد السكان في البلدين.

وتابع الكاتب: “في حالة التنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة مع الصين وروسيا، تفاقَم خطر الحرب ليس بسبب صعودهما، ولكن نتيجة كيفية تقييم الصين وروسيا للتداعيات الحقيقية على المدى القريب، لقرار واشنطن بإعادة تركيز استراتيجيتها الدفاعية على أساسيات التنافس والصراع بين دول كبرى، بدلاً من مكافحة الإرهاب وبناء الدول. سيعتمد اندلاع حرب على مدى خوف بكين وموسكو من تحوّل القوة العالمية في العقد المقبل، ومدى حرصهما على استغلال المزايا النسبية الحالية المتصوّرة، من أجل إعادة تشكيل العالم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى