العامل الترامبي

أحمد مصطفى

بغض النظر عن النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس الأميركي فالواضح أنها سارت على الطريقة التقليدية بأن حزب الرئيس غالبا ما يخسر انتخابات التجديد النصفي إلا فيما ندر.

لكن التغطية الإعلامية للنتائج، وحتى الخطاب السياسي للرئيس الديمقراطي جو بايدن ركز على فشل التوقعات بحدوث “موجة حمراء”، أي اكتساح الحزب الجمهوري للانتخابات بنتائج كبيرة. واعتبر الديمقراطيون ذلك إنجازا، حتى رغم خسارة أغلبيتهم الضئيلة في مجلسي الكونغرس.

لكن المقالات والتحليلات في الإعلام الأميركي ركزت أكثر ليس على أن انتخابات التجديد النصفي سارت على الوتيرة التقليدية التاريخية بخسارة الديمقراطيين لصالح الجمهوريين وإنما على فشل الجمهوريين.

ليس ذلك فحسب، بل أيضا أبرزت الشقاق داخل الحزب الجمهوري بين تيار مؤيد للرئيس السابق دونالد ترامب وتيار يرى في ترامب عبئا انتخابيا أكثر منه ميزة تجلب الأصوات.

ليس الشقاق داخل الجمهوريين خافيا، بل كان واضحا منذ بداية التحضيرات لانتخابات التجديد النصفي. فالرئيس السابق اختار دعم عدد من المرشحين لانتخابات مجلس النواب والشيوخ ولمناصب حكام الولايات غير من اختارت قيادة الحزب، التي يتزعمها السيناتور ميتش ماكونيل ومعه نائب الرئيس السابق مايك بنس. ولم تكن النتائج الجيدة لمن دعمهم ترامب، فبدا الإعلام غير الحديث عن عدم تحقق موجة “المد الأحمر” يركز ايضا على فشل اختيارات ترامب للمرشحين.

ورغم أن الديمقراطيين ربما أظهروا أداء جيدا، حتى رغم خسارتهم الأغلبية في الكونغرس، إلا أن ذلك قد يعود أيضا إلى الشقاق داخل الجمهوريين بين جناح ترامب وجناح القيادة التقليدية للحزب. ومع التسليم بأن كثيرا مما في التعليقات والتحليلات صحيح، إلا أن الإعلام هدفه الأساسي هو دونالد ترامب.

والحقيقة أن نتائج الانتخابات بهذا المعنى لا تعكس قبول الناخبين لترامب وبايدن. فالرئيس الحالي يعاني من أسوأ نسبة قبول بين الجماهير لأسباب عديدة ليس أقلها الوضع الاقتصادي المتردي فيما يتعلق بكلفة معيشة الأميركيين.

أما سبب الحديث الإيجابي للرئيس جو بايدن في مؤتمره الصحفي بعد الانتخابات فهو ليس النتائج، التي بالتأكيد ستصعب مهمة حكمه في العامين المتبقيين في فترة رئاسته. إنما هو أن الأغلبية الجمهورية التي سيضطر للتعامل معها في الكونغرس كلما أراد تمرير أي من سياساته ليست “أغلبية ترامبية”.

بل ربما شعر بايدن بأن فرص ترامب للترشح عن الحزب المهوري في انتخابات الرئاسة 2024 أصيبت بخيبة أمل مما قد يعزز فرصة في الفوزبفترة راسية ثانية إذا وافق حزبه الديموقراطي على أن يكون هو مرشحه بعد عامين.

إجمالا، يمكن القول سواء من نتائج الانتخابات أو رد فعل البيت الأبيض عليها أو من تغطيات الإعلام وتعليقات وتحليلات الكتاب والصحفيين أن “العامل الترامبي” كان بؤرة تلك الانتخابات ونتائجها. ذلك التأثير الذي أحدثه الرئيس السابق في السنوات الأربع له في البيت الأبيض من 2016 إلى 2020 أصبح “عضويا” في السياسة الأميركية. ليس داخليا فحسب، بل أيضا في علاقة الولايات المتحدة مع العالم.

يرى كثيرون أن فترة رئاسة ترامب أدت إلى انقسم حاد داخل أميركا أثر بشكل كبير على دورها الريادي في العالم. ومع أن ذلك صحيح إلى حد ما، لكن من المهم الإشارة إلى أن ذلك الانقسام يعود إلى سنوات طويلة من قبل، حتى من قبل فترتي رئاسة باراك أوباما. إنما كان دونالد ترامب بالفعل معبرا بشكل واضح، ودون “صوابية سياسية” مقيتة، معبرا عن ذلك الانقسام. لذا، فإن تأثير السنوات الأربع لحكم ترامب كان كبيرا ولا يتصور أن يختفي بفترة أو حتى فترتين من رئاسة بايد أو غيره من الديمقراطيين.

بل إن الواقع أن العامل الترامبي بلغ من الأثر أن حكم الديمقراطيين كما شهدنا في العامين الماضيين ابعد عن الليبرالية اليسارية متجها نحو تيار الاعتدال في الحزب. أي أن العامل الترامبي لم يكن مؤثرا فقط في السياسة بشكل عام ولكن أيضا حتى في داخل الحزب الديمقراطي نفسه الذي جعله “يحصر” المجموعة اليسارية فيه بعيدا عن سياسته العامة.

ولنأخذ مثالا واحدا، فالحديث عن إدارة ترامب أنها “توسعت” في استخدام سلاح العقوبات في سياستها الدولية إلا أن إدارة بايدن لم تتخل عن ذلك السلاح بل على العكس زادت عليه. وإذا كان ترامب حاول التوصل لحلول وسط في علاقة أميركا بالعالم، حتى حلفاء واشنطن فيه، فإن إدارة بايدن فتحت صراعات متعددة في وقت واحد متجاوزة حتى الحكمة التقليدية في اسلاتراتيجية الخارجية الأميركية بألا تفتح أكثر من جبهة في الوقت ذاته.

لا شك أن نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وإن ظلت شأنا أميركيا بالأساس، تؤثر بشكل عام في توجه واشنطن نحو العالم. ولن تكون سياسات إدارة بايدن بعدها مثلما كانت قبلها، فقد تمتعت تلك الإدارة بنصف فترة راسية سيطر فيها حزبها الديموقراطي على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس – أي جمع السلطة التشريعية والتنفيذية في يد واحدة.

ومن الآن حتى نهاية رئاسة بايدن لن يكون الأمر كذلك، ولن يستطيع الرئيس تمرير الكثير من السياسات في الكونغرس دون تنازلات ومواءمات مع الجمهوريين.

وسيؤثر ذلك على الاستراتيجية الأميركية تجاه الحرب في أوكرانيا ومحاولات العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني والصراع الاقتصادي والسياسي مع الصين .. إلى آخر كل تلك القضايا.

ومرة أخرى، يظل العالم الترامبي فاعلا في كل ذلك سواء ترشح ترامب للرئاسة بعد نحو عامين وفاز أم لا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى