المزارعون الفرنسيون يحاصرون باريس

عدوى الاحتجاجات تنتقل للعديد من العواصم الأوروبية

حاصر المزارعون الفرنسيون، الثلاثاء، مداخل العاصمة الفرنسية باريس بالجرارات احتجاجا على عدم الاستجابة لمطالبهم، فيما أعلنت السلطات الفرنسية نشر 15 ألف عنصر أمن للسيطرة على الاحتجاجات ومنع خروجها عن السيطرة.

ويشارك في الاحتجاجات نحو 72 ألف مزارع من مختلف المدن الفرنسية، فيما لم يتمكن رئيس الحكومة الفرنسية من إقناع المحتجين بفض تحركهم.

ويطالب المزارعون بتحسين ظروف عملهم وحمايتهم مما يقولون إنها منافسة غير عادلة مع أقرانهم في الدول الأوروبية الأخرى فيما من المنتظر أن تطرح الحكومة اليوم إجراءات عاجلة بهدف حل الأزمة.

وتشهد عدد من العواصم الأوروبية خلال الفترة الأخيرة تصاعداً في الاحتجاجات الاجتماعية، يقودها مزارعون غاضبون من حكوماتهم وسياسات الاتحاد الأوروبي، وهو ما أثار مخاوف من أن تتحول هذه الحركة الاجتماعية غير المنظمة و”العفوية” إلى حركة سياسية منظمة.

وفي فرنسا، التي تشهد تنامي حركة المزارعين، اضطر رئيس الحكومة الجديد جابرييل أتال، إلى عقد لقاءات مع المزارعين الغاضبين في مزرعة جنوب البلاد، إذ تعهّد بوضع حد لارتفاع تكلفة وقود الديزل المستخدم في الآلات الزراعية، والذي جاء نتيجة للإعفاءات الضريبية على الوقود الذي يجري التخلص منه تدريجياً، وفق “لوموند”.

كما تعهد أتال، بإنشاء صندوق طوارئ لمساعدة مربي الماشية على مكافحة الأمراض بين المواشي، وهو ما خفّف وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في فرنسا، لكن دون أن يحدّ منها بشكل نهائي، إذ يخطط المزارعون الغاضبون للخروج مرة أخرى إلى شوارع العاصمة باريس احتجاجاً على الحكومة.

وأعلن الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين FNSEA، وهو أكبر تجمع للمزارعين في فرنسا، الجمعة، أن الاحتجاجات ستستمر هذا الأسبوع، حتى تستجيب الحكومة لجميع المطالب.

الاحتجاجات في ألمانيا

ولا يبدو المشهد مختلفاً في ألمانيا، إذ تتواصل احتجاجات المزارعين لأسابيع بعد قرار الحكومة خفض دعم وقود الديزل، حيث منع المزارعون حركة المرور بالجرارات وغيرها من المعدات الزراعية في ضواحي برلين وميونخ.

ووافقت الحكومة على تخفيف الإجراء من خلال الإلغاء التدريجي لدعم وقود الديزل على مدار ثلاث سنوات، بدلاً من الإلغاء الفوري.

ويتعرض ائتلاف المستشار أولاف شولتز لضغوط لزيادة عائدات الضرائب أو خفض الإنفاق لسد فجوة كبيرة في الميزانية. وأثارت احتجاجات المزارعين في جميع أنحاء البلاد نقاشاً حول مدى استغلال المزارعين لصالح أحزاب اليمين المتطرف، خصوصاً “البديل من أجل ألمانيا”.

الاحتجاجات في بلجيكا

وأغلق مزارعون بلجيكيون، الأحد، طريقا سريعا في جنوب بلجيكا، لينضموا إلى تعبئة مماثلة للحراك الغاضب الذي يشهده قطاع الزراعة في فرنسا وألمانيا.

وفي عملية أدت إلى تباطؤ كبير في حركة المرور، تقدمت عشرات الجرارات على تقاطع رئيسي قبل أن تغلق السير على الطريق السريع E42 في شمال نامور بجنوب البلاد.

وقال بيار دولست، المتحدث باسم اتحاد المزارعين الشباب في بلجيكا والذي نظم التظاهرة، إنه أصبح “من المستحيل كسب دخل لائق” من الزراعة.

وأضاف “ندعو إلى إصلاح للسياسة الزراعية المشتركة يأخذ في الاعتبار الواقع على الأرض”، موضحا “يتعين على جميع المزارعين أن يقوموا بالمزيد مع إمكانات أقل. المزارعون على استعداد لبذل الجهود ولكن للقيام بذلك، يجب أن يكونوا قادرين على العيش الكريم”. كما ندد دولست بالمنافسة مع المنتجات المستوردة التي لا تخضع للمعايير نفسها.

وتم لصق لافتات على الجرارات كُتب عليها “نهايتنا ستكون جوعك”، و”حلم الطفولة، وكابوس الكبار”.

وكتب اتحاد الزراعة في مقاطعة والونيا البلجيكية على موقعه الإلكتروني “أوروبا لا تكف عن الضغط على مزارعيها وسحقهم”. وأضاف الاتحاد “حان الوقت ليتوقف هذا! حان الوقت لوضع الحقائق الزراعية في صلب القرارات الأوروبية!”.

البداية من هولندا

يواجه المزارعون الأوروبيون، خسائر اقتصادية بسبب أزمة المناخ، ويتحدثون علناً ضد السياسات الخضراء، التي أقرها الاتحاد الأوروبي، إذ يعتبرونها متناقضة وغير عادلة، وتثير قلقهم بشأن المستقبل.

اندلعت احتجاجات المزارعين لأول مرة في هولندا في فبراير 2023؛ بسبب مطالبة الحكومة بخفض الإنتاج الحيواني إلى النصف، من أجل تقليل انبعاثات الميثان.

واحتج أكثر من 10 آلاف مزارع هولندي في لاهاي، على خطط الحكومة للحد من انبعاثات النيتروجين، وهي سياسة يقولون إنها ستؤدي إلى خروج الكثير من المزارع من الخدمة والتأثير في إنتاج الغذاء.

وفي مارس 2023، احتجّ آلاف المزارعين في مدينة بوردو الفرنسية ضد الحكومة التي فرضت الحظر على المبيدات الحشرية والأحواض الضخمة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها الفلاحون الغاضبون، وهم يلقون بالسماد والإطارات المستعملة أمام مقار حكومية.

وسرعان ما توسعت رقعة المتظاهرين مع مشاركة الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين FUSE، وهي النقابة التي تمثل أغلبية المزارعين والمتحالفة مع المزارعين الشباب.

وانتشرت الاحتجاجات أيضاً في معظم أنحاء ألمانيا، إذ يشعر المزارعون بالغضب من الإلغاء التدريجي للإعفاءات الضريبية على الديزل الزراعي، وهو ما يقولون إنه سيؤدي بهم إلى الإفلاس.

رفض التشريعات الأوروبية

يقول المزارعون في فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا إنهم يرفضون التشريعات التي أقرها الاتحاد الأوروبي لتنظيم الزراعة في ما يعرف بـ”الصفقة الخضراء”، إذ من المتوقع أن يصبح الديزل الزراعي أكثر تكلفة بعد إلغاء الدعم.

ويتعين على المزارعين دفع مبلغ إضافي قدره 47 مليون يورو سنوياً لاستهلاك المياه، ويقولون إن تعقيد اللوائح لا يسمح لهم بمعرفة ما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله.

وتهدف الصفقة الخضراء، التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في عام 2019، إلى إلزام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتحول البيئي، وتحديد أهداف للحد من استخدام المبيدات الحشرية، وتطوير الزراعة العضوية وحماية التنوع البيولوجي.

ويعارض الفلاحون الأوروبيون حظر المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب التي فرضتها الصفقة الخضراء، بالإضافة إلى معاهدة الاتحاد الأوروبي الجديدة التي يمكن أن تسمح باستيراد المزيد من لحوم البقر البرازيلية والأرجنتينية. ويقول المزارعون إنه من الصعب للغاية التنافس مع هذه الدول؛ لأنها لا تخضع لمعايير صارمة لرعاية الحيوان، وفق “يورو نيوز”.

ويتقاسم المزارعون الألمان والهولنديون نفس المخاوف بشأن ما يعتبرونه قرارات غير عادلة وغير متوقعة من قبل الحكومات، بشأن الإصلاح الزراعي.

وامتد السخط أيضا إلى شرق الاتحاد الأوروبي، مع حدوث مظاهرات في بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر وبلغاريا، حيث يشكو المزارعون من المنافسة غير العادلة من الحبوب ذات الأسعار المخفضة القادمة من أوكرانيا.

وفي رومانيا وبلغاريا، كانت المعابر الحدودية مغلقة بالجرارات والشاحنات. وشهدت بولندا استقالة وزير الزراعة في أبريل الماضي؛ بسبب صراع طويل مع المزارعين، على الرغم من أن الإعانات الجديدة أدت إلى تهدئة الوضع إلى حد ما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى