المطلوب الآن حماية «فرصة السلام»
طرح الرئيس الأميركي خطةً لوقف الحرب في غزّة. نجح العنوان وبقيت التفاصيل، فالذهاب إلى أي حرب وتعمّد إطالتها يعقّدان الخروجَ منها. كانت هناك إرادة دولية لإنهاء الحرب وتجلّت مراراً في مجلس الأمن، وفي مبادرات ومؤتمرات، منها القمم العربية والإسلامية و«التحالف الدولي لتنفيذ حلّ الدولتين». لكن ما قدّمته خطة دونالد ترامب هو الإرادة الأميركية الحاسمة، فمعها لم يعدْ إنهاء الحرب مستحيلاً، إذ كانت الولايات المتحدة طرفاً أساسياً في هذه الحرب ولم تعد تجد مصلحةً في استمرارها.
تطورات عدة ساهمت في تغيير التوجّه الأميركي، مع مواصلة تأكيد الثوابت التي لن تتبدّل، كالعلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، والدعم العسكري لأمنها، فضلاً عن الدعم السياسي. كان أول تلك التطورات أن تحليل إدارة ترامب لمجريات الحرب، سواء في غزّة نفسها أو في امتداداتها الإقليمية، راح يفرز الأهداف المتوخاة منها ويختلف شيئاً فشيئاً عما تخططه إسرائيل وتنفّذه على الأرض، خصوصاً عندما بلغ الإعلان عن خطة لاحتلال قطاع غزّة بكامله، ثم التحرّك لتوسيع الاحتلال القائم للضفة الغربية عبر «تشريعات» تتيح ضم الضفة أو أجزاء كبيرة منها. فكلا الهدفين رُفض على المستوى الدولي، وبموازاة ذلك كانت هناك حملة رأي عام واسعة تعبّر عن غضب واستنكار للحصار الذي أدى إلى ظهور مؤشرات المجاعة بين سكان غزّة. لذا كان على واشنطن أن تتعامل مع هذا الواقع، وإنْ لم يظهر في خطابها السياسي.
التطوّر الآخر المؤثّر كان في جولة الرئيس ترامب على ثلاث دول خليجية، السعودية والإمارات وقطر، وحصوله على عقود تعاون واستثمارات. لكن الأهم أنه سمع خلال هذه الجولة لغة واحدة تنبّه إلى خطورة حرب غزّة وامتداداتها وتطالب بالعمل على وقفها، كما لمس وجودَ إرادة أصيلة لبناء السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وبالتالي كان واضحاً لديه أن تحقيق مصالح الولايات المتحدة يتطلّب تحصينَ استقرار المنطقة. لذلك حين شنّت إسرائيلُ هجوماً على العاصمة القطرية بدت كأنها تهاجم عمومَ المنطقة، أيّاً يكن الهدف، بل تهاجم مصالح أميركية، وكان لا بدّ لترامب أن يتلقّى هذه الرسالة ويترجمها في السياسة.
أما التطور الثالث فتمثّل في حرب الـ 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، وقد شاركت فيها الولايات المتحدة بدوافع عدة، منها ما هو استراتيجي يتعلّق بالموقع الأميركي في التنافس مع روسيا والصين، ومنها ما هو جيوسياسي يسعى إلى حسم الاستعصاء في أزمة البرنامج النووي الإيراني، وإلى استكمال أهداف حرب غزّة بإضعاف إيران ووكلائها في المنطقة. غير أن ترامب سارع إلى وقف هذه الحرب، وبدأ التمايز بين أهداف واشنطن وإسرائيل، فالأولى تريد التفاوض على اتفاق جديد مع إيران، أما الثانية فتريد دفع المنطقة إلى حرب أخرى بلا نهاية.
في مجمل هذه التطوّرات، مثّلت «خطة ترامب» استجابةً لطموح بات يجمع معظم أطراف المجتمع الدولي، وهو ما تبدّى في «قمة شرم الشيخ»، وشكّلت خطوةً «لإنقاذ إسرائيل من متطرّفيها»، وكذلك لفتح صفحة جديدة في المنطقة مع وقف إطلاق النار في غزّة، كبداية. ومع أن «الخطة» لا تتضمّن مشروعاً لسلام شامل ودائم، إلا أنها تبدو فرصة لهذا السلام وتنبغي حمايتها من المتطرّفين الذين لا يبالون باعتبار إنساني في سعيهم إلى إدامة الحرب. وإذا طرأ ما يعرّض الاتفاق على إنهاء الحرب في غزّة لانتكاسة خطيرة، فلا بد من العمل بجدّية وسرعة لإنقاذه. لذا كان هذا التوافد المكثّف لمسؤولين أميركيين إلى إسرائيل، تحديداً.



