“الناتو” يجتمع في لاتفيا وسط تصاعد التوتر بين الحلف وروسيا

بالتزامن مع تهديدات واشنطن بأنها “تدرس خيارات أوسع” للرد على موسكو، يجتمع وزراء خارجية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” في لاتفيا، الثلاثاء والأربعاء، على خلفية تصاعد التوتر بين الحلف وروسيا بسبب ملفات عدة، أبرزها أوكرانيا والمناورات العسكرية في البحر الأسود، وأزمة المهاجرين على حدود الاتحاد الأوروبي.

الاجتماع الذي من المقرر أن يشارك فيه أيضاً وزيرا خارجية أوكرانيا وجورجيا، ينتظر أن يبحث في خيارات ردّ مشترك على روسيا، تريده بولندا وبلدان البلطيق السوفيتية السابقة، قوياً وحاسماً، لردع روسيا ومنعها من “اجتياح شرقي أوكرانيا”.

وقبل يومين من الاجتماع، جددت موسكو التأكيد على عدم وجود أي نية لديها لمهاجمة أوكرانيا، وأبدت خشية من أن التصعيد يهدف إلى “إخفاء أوكرانيا استعداداتها لحل قضية دونباس بالقوة”.

ورأى الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن اللجوء إلى القوة “سيكون جنوناً كاملاً”.

 بالمقابل، دعا رئيس وزراء لاتفيا كريسجانيس كارينز، الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، الأحد، إلى تحذير روسيا من خطر تصعيد التوترات على الحدود مع أوكرانيا، وقال إنه “يجب على الاتحاد الأوروبي والناتو مراقبة الوضع (على الحدود الأوكرانية) عن كثب، ويجب إرسال إشارة واضحة إلى روسيا بأن أي محاولات لتصعيد الوضع لن تمر دون رد”.

تحذير روسي

وتصاعد التوتر بين روسيا من جهة، والناتو والولايات المتحدة من جهة أخرى، بشكل كبير في الشهرين الأخيرين. وحذرت روسيا من استفزازات الناتو في البحر الأسود وبحر البلطيق، وزيادة نشاط الناتو في إعداد بنية تحتية من مطارات وموانئ، ونشر أسلحة وقوات تدخل في الجوار، بهدف ردع روسيا.

ورداً على موافقة وزراء دفاع الناتو في 21 أكتوبر الماضي على خطة رئيسية جديدة لردع روسيا، وتصريحات الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج بأن الحلف يدرس خططاً أفضل وأحدث” للرد على “عدوانية” روسيا، رفضت موسكو اتهامات الحلف، واتهمته بـ”زعزعة استقرار أوروبا”، من خلال استعداداته الاستراتيجية.

وقال ألكسندر جروشكو نائب وزير الخارجية الروسي، ، في لقاء مع قناة “روسيا 24” التلفزيونية في 22 أكتوبر الماضي، إن “الناتو يزيد نشاطاته قرب حدود روسيا، ويعمل على إعداد البنية التحتية، المطارات والمستودعات ونشر المعدات للتعزيزات، ما يخلق حقائق عسكرية جديدة على الأرض”.

وأشار إلى أن “تحركات الناتو تسير وفق منطق الحرب الباردة”، مشدداً على أن هذه التحركات “تجبر موسكو على اتخاذ الإجراءات المناسبة، لضمان الأمن العسكري والاستقرار في البلاد”.

حشود روسية على الحدود مع أوكرانيا

ومنذ نهاية الشهر الماضي، وبعد تقارير إعلامية عن حشود روسية غير مسبوقة على الحدود مع أوكرانيا نفتها روسيا أكثر من مرة، ازدادت حدة التوتر التي عكستها تصريحات المسؤولين الروس والغربيين.

وانتقدت روسيا بشدة تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بشأن أوكرانيا، في 19 أكتوبر الماضي، حين قال إنه “لا توجد دولة ثالثة لديها حق الفيتو ضد تطلعات كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي”.

انضمام أوكرانيا للناتو خط أحمر

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن انضمام أوكرانيا للناتو خط أحمر، وحذر في جلسة منتدى فالداي نهاية أكتوبر الماضي، من أن تصريح أوستن “يفتح أبواب الناتو أمام أوكرانيا”، مشدداً على أن “التمركز العسكري للناتو هناك (في أوكرانيا) يجري للتو، بما يشكل تهديداً حقيقياً بالنسبة لروسيا”.

واتهمت موسكو الولايات المتحدة والناتو بتشجيع أوكرانيا على حسم الأوضاع عسكرياً في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا. ونددت بتزويد أوكرانيا بأسلحة “فتاكة”، واستخدام طائرات “بيرقدار” المسيرة التركية في الصراع ضد الانفصاليين المقربين منها، وشددت على ضرورة الالتزام باتفاقات مينسك 2015 لحل الأوضاع في أوكرانيا.

وبعدما كشفت محطة “سي إن إن” الأميركية، أن إدارة بايدن تدرس إرسال مستشارين عسكريين وأسلحة جديدة إلى أوكرانيا، في مواجهة ما تصفه بالتعزيزات العسكرية الروسية غير المسبوقة قرب الحدود بين البلدين، قال جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية في بيان، إن “الولايات المتحدة وحلفاءها يواصلون ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا ودفعها نحو استخدامها، بما في ذلك الطائرات دون طيار لأغراض الاستفزازات العسكرية”.

كما اعتبر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أنه في حال كان الحديث عن إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا صحيحاً، فقد يؤدي إلى “زيادة تفاقم الوضع على خط الحدود”.

 وفي مؤشر إلى نية الناتو للتصعيد مع روسيا في الاجتماع المرتقب بليتوانيا، اعتبر الأمين العام للحلف  أن الزيادة “غير العادية” في وجود الدبابات والمدفعية والطائرات المسيّرة وآلاف العسكريين الجاهزين للقتال، تمثّل “مصدر قلق كبير لأسباب كثيرة”، وشدد على أن “الرسالة إلى روسيا هي أن عليها خفض التصعيد والتوتر والتحلي بالشفافية” محذراً من أنه “إذا قررت ( روسيا) استخدام القوة، فستكون هناك عواقب بالطبع”.

وازدادت حدة التوتر، مع مناورات أجرتها سفن أميركية مع سفن البحرية الأوكرانيا في البحر الأسود في بداية نوفمبر الجاري، وذلك بعد أيام من تحذير سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، من أن تواجد السفن الأمريكية في البحر الأسود، يعد استفزازاً، ووصفه بأنه “لعب بالنار ومحاولة أخرى لاختبار قوتنا”.

أزمة المهاجرين

وإضافة إلى الملف الأوكراني، لعبت أزمة المهاجرين الراغبين في دخول الاتحاد الأوروبي دوراً في تأجيج العلاقات بين روسيا والناتو، إذ تتهم بولندا وليتوانيا الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو باستخدام المهاجرين كسلاح، من أجل إجبار الإتحاد الأوروبي على الاعتراف به رئيساً شرعياً للبلاد، ورفع العقوبات المفروضة عليه، بعد اتهامات المعارضة له بتزوير الانتخابات الرئاسية في أغسطس من العام الماضي.

واتهم أكثر من مسؤول أوروبي روسيا بدعم لوكاشينكو في حربه “الهجينة”، ونفت روسيا أكثر من مرة أي علاقة لها بأزمة المهاجرين، ودعت أوروبا إلى حوار مباشر مع الرئيس لوكاشينكو.

وتبادلت روسيا وبلدان أوروبية الاتهامات بإثارة أزمة المهاجرين، للتغطية على نوايا عمل عسكري في أوكرانيا.

وتسعى بولندا ودول البلطيق إلى تفعيل البند الرابع من ميثاق الحلف، فيما حذّر الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا من أنه “إذا ازداد الوضع الأمني سوءاً، فإننا لا نستبعد إجراء مشاورات بموجب المادة الرابعة لحلف شمال الأطلسي”، في إشارة إلى أزمة المهاجرين.

وبموجب المعاهدة التأسيسية للحلف الأطلسي، يمكن لكل عضو المطالبة باجتماع المنظمة للتشاور عندما يرى أن أمنه أو استقلاله مهددان.

وفي مواجهة تهديدات الناتو، أجرى الجيشان الروسي والبيلاروسي تدريبات مشتركة، إذ يرتبط البلدان باتفاقات دفاع مشتركة ضمن إطار دولة الوحدة، وترى روسيا أن بيلاروسيا هي خط الدفاع الأول في وجه الناتو.

ضربة نووية

في غضون ذلك، اتهم وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو الولايات المتحدة بالتحضير لتوجيه ضربة نووية لبلاده، وأكد أنه خلال التدريبات العسكرية الأميركية (جلوبال ثاندر)، تدربت عشر قاذفات استراتيجية أميركية على إطلاق أسلحة نووية ضد روسيا من الاتجاهين الغربي والشرقي.

وشدد شويجو، في 24 نوفمبر الجاري، على أن قدرات روسيا النووية وقواتها المسلحة بحاجة إلى الحفاظ على جاهزيتها القتالية، تحسباً للنوايا الأمريكية. وأبدى شويجو استياءه من أن التدريبات اقتربت إلى نحو 20 كيلومتراً من حدود روسيا، قائلاً إن “أخطر ما في الأمر أنها كانت محاكاة لضربة نووية أميركية ضد روسيا”.

وأعرب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، خلال مؤتمر مع وزير خارجية كوريا الجنوبية إي يون، عن قلق موسكو بشأن إعلان واشنطن عن نيتها “نشر أنظمة صواريخ كانت محظورة بموجب معاهدة التخلص من الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا، وفي منطقة آسيا والمحيط الهادي”.

وبعدها بأيام، أكد السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف، أن حواراً صعباً ينتظر الولايات المتحدة وروسيا حول الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى.

وقال أنطونوف، خلال جلسة للمجلس الاستشاري الدولي لمركز دراسة قضايا عدم الانتشار التابع لمعهد ميدلبيري الأمريكي، “لا يرضينا الوضع، ونريد أن نفهم ما يجب أن نقوم به بشكل مشترك من أجل تجنب سباق التسلح، ومنع نشر تلك الصواريخ في مختلف أنحاء العالم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى