بالأسماء والملفات… جولة في قلب “الجهاز السري” التابع لإخونجية تونس

النهضة اخترقت مؤسسات الدولة التونسية ب 21 ألف إخونجي عملوا لصالح الجهاز

لم يكن من السهل، اكتشاف أمر الجهاز السري التابع لحركة النهضة الإخونجية في تونس، الذي عمل بتكتم شديد طيلة تسع سنوات، لولا هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، التي فجرت هذه القضية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018.

وعندها كشفت هيئة الدفاع عن وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك النهضة جهازاً سرياً أمنياً موازياً للدولة، متورطاً في اغتيال المعارضين، وفي ممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة التونسية وملاحقة خصوم الإخونجية.

لكن القضاء التونسي الذي وضعت عليه حركة النهضة أيديها منذ 2011، لم يتحرك، فوزير العدل وقتها ليس سوى الإخونجي نور الدين البحيري.

وظل الجهاز السري خارج إطار التحقيق، إلى أن أعلنت النيابة التونسية عام 2019، فتح تحقيق في معلومات تفيد بامتلاك حركة النهضة جهازا سريا أمنيا موازيا للدولة.

دمج 21 ألف إخونجي في مؤسسات الدولة

وتشير معلومات كشف عنها هذا التحقيق خلال الأعوام الماضية إلى طبيعة عمل الجهاز السري للإخونجية، الذي يضم جهازا استخباراتيا داخل الدولة يتألف من 21 ألف عنصر دُمجوا في الإدارة التونسية، بمقتضى قانون العفو التشريعي العام، وأخذوا موقعا في وظائف حساسة.

ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، وفي حركة شاملة، أقالت وزارة الداخلية، قيادات إدارات الحدود والأجانب والتكوين (التدريب)، إضافة إلى رؤساء مناطق وفرق ومراكز أمنية، ضمن تتبع لآثار الجهاز السري.

فتح التحقيقات

ومنذ أشهر قليلة، تولت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتونس فتح بحث تحقيقي ضد القيادي الإخونجي مصطفى خذر (أطلق سراحه مؤخرا وهرب خارج البلاد) وهشام شريب، وشرف الدين كريسعان وخالد التريكي، والطاهر بوبحري، وقيس بكار، وبلحسن النقاش، وعلي الفرشيشي، وكمال العيفي، ورضا الباروني، والعروسي بن ابراهيم، وسليمان عويس، وتمام اصبعي.

كل هذه القيادات الإخونجية، كانت تكوّن الجهاز السري الذي قاده الإخواني المعروف مصطفى خذر، الفار إلى الخارج رفقة قيادات أمنية بارزة.

التستر على اغتيال بلعيد والبراهمي

مصطفى خذر هو المتورط الرئيسي في قضية اغتيال شكري بلعيد، وقد تم سجنه، سنة 2013 بتهمة التستر على جريمة الاغتيال، لكن بعد ثماني سنوات استطاعت حركة النهضة إطلاق سراحه وتهريبه خارج تونس.

وعند تفتيش منزل خذر عام 2013 عُثر على وثائق تتضمن مكالمات هاتفية ومراسلات بين المتهم الرئيسي في اغتيال بلعيد والبراهمي، ومصطفى خذر، وبين وزير العدل نور الدين البحيري، والداخلية علي العريض، في ذلك الوقت، وهما من قيادات حركة النهضة.

وكان خذر عسكريا وعضوا في المجموعة الأمنية المعروفة بارتباطها بالنهضة، والتي كانت متهمة بمحاولة الانقلاب على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عام 1987، وخرج من السجن بعد سقوط نظام الراحل زين العابدين بن علي.

خذر نفسه كان مكلفا من الحركة بجمع المعلومات الشخصية عن عناصر الأمن والصحفيين، وحتى سائقي سيارات الأجرة، الذين يمكن للحركة التعويل عليهم في تنفيذ مخططات مشبوهة.

تدريب خلية الاغتيال

أما محرز الزواري فيعتبر الرقم الصعب الآخر في الجهاز السري، باعتباره المدير العام السابق للمصالح المختصة (المدير العام للمخابرات التونسية) بوزارة الداخلية حيث كان ذراع مصطفى خذر في الوزارة.

عمد الزواري بصفته مدير إدارة المخابرات التونسية على انتداب مجموعة تتكون من عشرين شخصا، وهي خلية أمنيّة غير مسجّلة بالدّفاتر الرسميّة لوزارة الداخلية، ثم كلّف شخصا بالإشراف على تدريب هذه العناصر التي كانت ضالعة في اغتيال شكري بلعيد وفي جرائم إرهابية أخرى على الفنون القتالية.

ويقبع الزواري حاليا في السجن بتهمة التآمر على أمن الدولة رفقة قيادات بارزة في حركة النهضة الإخونجية.

جهاز الأمن الموازي

بدأ الإخونجية في تكوين جهاز الأمن الموازي الذي كان تحت إشراف فتحي البلدي المستشار السابق بوزارة الداخلية الذي عينه وزير الداخلية الأسبق علي العريض (يقبع في السجن في قضية التسفير إلى بؤر الإرهاب) وقام بتكوين شبكة علاقات مع كوادر أمنية متعدّدة داخل الوزارة.

وفتحي البلدي (يقبع حاليا في السجن) هو رجل الظل الذي زرعته حركة النهضة سنة 2012 في وزارة الداخلية وكان يعمل على عملية انتداب الأمنيين تحت شرط الولاء للتنظيم الإخواني.

البلدي عمل في الوزارة مع على العريض، وهو الذي أشرف على عملية تهريب الإرهابي سيف الله بن حسين المكنى “أبو عياض” (المسؤول العسكري بتنظيم أنصار الشريعة منفذ عملية اغتيال شكري بلعيد والبراهمي).

ورافق البلدي أغلب وزراء الداخلية إلى حتى حكومة هشام المشيشي، وقد شمله قرار الإحالة على التقاعد الوجوبي الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2021.

والبلدي كان عون أمن قبل سنة 2011، وبعد التفطن لانتمائه للجهاز السري للحركة من قبل نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تمّ عزله والحكم عليه بالسجن لمدة أكثر من 15 سنة بتهمة الانتماء لتنظيم غير معترف به.

وفي 2011، تمت إعادة دمجه في وزارة الداخلية ومنحه كافة الامتيازات، وشغل منصب مستشار وزير الداخلية آنذاك علي العريض في حكومة حمادي الجبالي، ولم يفارقه حتى عند ترؤسه لحكومة الترويكا الثانية، ولكن بصفة غير رسمية.

براكة الساحل

سمير الحناشي، أحد أخطر عناصر ما يعرف بـ”الجهاز السري” لحركة النهضة الإخونجية، تم توقيفه مؤخرا وهو بصدد الفرار واجتياز الحدود التونسية الليبية خلسة بجواز سفر مزور.

الحناشي عسكري متقاعد ينتمي إلى مجموعة ”براكة الساحل”، وهو رمز يشير لخلية إخونجية حاولت عام 1991 اغتيال الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي.

وآنذاك وُجهت إلى مجموعة “براكة الساحل” تهم “الالتحاق بتنظيم إرهابي وتوفير أسلحة ومتفجرات وذخيرة ومواد ومعدات وتجهيزات مماثلة ومعلومات لصالح هذا التنظيم”.

كما كان الحناشي واحدا من المتّهمين بالتخطيط لعملية “سليمان الإرهابية” نهاية عام 2006، غير أنه استفاد من العفو التشريعي العام بعد 2011 كغيره من الإرهابيين.

وبعد صعود الإخونجية للحكم في نفس العام، تم تعيين الحناشي في منصب مستشار بديوان رئيس الحكومة التونسية الإخونجي حمادي الجبالي.

 وفي 2012 تم تعيينه مستشارا لدى الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، حتى يكون عين حركة النهضة داخل القصر الرئاسي.

تسجيلات

كمال البدوي وهو سجين سابق من حركة النهضة وعسكري متقاعد، ينتمي إلى ما يعرف بمجموعة “برّاكة الساحل” أيضا، وهو متهم في ملف الجهاز السري، كما أنه المشرف على الحراسة في منزل راشد الغنوشي.

وقالت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي إنه تم الكشف عن تسجيلات، توقف الاتصالات بين مصطفى خذر، المتورّط في جريمة الاغتيال مع راشد الغنوشي عبر شخص آخر، هو كمال البدوي، إذ تم تسجيل 11 اتصالاً هاتفياً بعد منتصف ليل وقوع جريمة اغتيال محمد البراهمي في 25 يوليو/تموز 2013.

ومنذ نحو أسبوع من الآن، أصدر القضاء التونسي مذكرة إيداع بالسجن في حق البدوي بتهمة التآمر على أمن الدولة.

ورضا الباروني عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة هرب من تونس قبيل إجراءات 25 يوليو/تموز 2021، وهو قيادي بارز بالجهاز السري للإخونجية.

والباروني هو ضابط سابق في الجيش التونسي والذي كُشف بعد وقوع مصطفى خذر في أيدي الأجهزة الأمنية، بصفته المسؤول المباشر عن خذر، وواسطته للقيادة العليا، بحسب اعترافات خذر نفسه أمام قاضي التحقيق المكلف بقضية اغتيال شكري بلعيد.

وعمل الباروني بالجيش التونسي برتبة ملازم أول، وخلال سنة 1987 تورط في محاولة الانقلاب عسكرياً على الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، إلا أنه غادر البلاد إلى إسبانيا هاربا.

وهناك حصل على اللجوء السياسي متنقلاً بين إسبانيا وألمانيا، لكنه عاد إلى تونس وأصبح فورا عضواً بالمكتب التنفيذي للنهضة، يشرف على إدارة الشؤون المالية والإدارية.

غير أنه، وبعد تورطه بهذا الملف وكشف علاقته المباشرة مع هذا الجهاز، قررت حركة النهضة إبعاده عن الواجهة، وخفضت رتبته بالحزب.

الغرفة السوداء

الغرفة السوداء الموجودة بوزارة الداخلية التونسية كشفت بالملموس حقائق كثيرة عن الجهاز السري لحركة النهضة.

و”الغرفة السوداء” احتوت على وثائق تم نقلها من مقر مدرسة تعليم السياقة لصاحبها مصطفى خذر إلى وزارة الداخلية دون محضر حجز ودون علم فرقة الشرطة العدلية ولا قاضي التحقيق المتعهد بالقضية.

ولم يتم الاعتراف الرسمي بوجود هذه الغرفة، إلا بعد تنقل قاضي التحقيق في قضية محمد البراهمي إلى وزارة الداخلية، وحجزه للصناديق الكرتونية والأكياس التي تتضمن كما هائلا من الوثائق، ونقلها لاحقاً إلى مقر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

 وبناء على ما تمّ العثور عليه، أصدر قاضي التحقيق المتعهد بملف اغتيال بلعيد والبراهمي حينها تهمة القتل العمد لمصطفى خذر في قضية البراهمي، إضافة إلى 22 تهمة أخرى.

وحينها، كشفت هيئة الدفاع عن أن قاضي التحقيق عثر على وثائق متعلقة بالتنظيم السرّي لحركة النهضة والاغتيالات، من بينها وثائق تخص محمد العوادي المسؤول عن الجناح العسكري لتنظيم “أنصار الشريعة” الإرهابي، والمتهم في اغتيال محمد البراهمي.

وتضمنت الوثائق توصية بضرورة تسخير مرافقة أمنية لمحمد العوادي حتى يغادر تونس.

كما عثر قاضي التحقيق على وثيقتين تضم قائمتين مع أرقام هواتف من بينهم عامر البلعزي المتهم في قضيّة اغتيال البراهمي وبلعيد، باعتباره ألقى المسدسين المستخدمين بالعمليتين في البحر، وقد أقرّ مصطفى خذر بعلاقته بعامر البلعزي.

كما كشفت الوثائق أيضا عمليات التخطيط التي كان يقوم بها الجهاز السري لاختراق عدد من السفارات في تونس.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2022،أصدر القضاء التونسي مذكرتي إيداع بالسجن في حق محمد الخريجي مدير وحدة مكافحة الإرهاب بالقرجاني (وسط العاصمة تونس) سابقا، وبوبكر العبيدي مدير حفظ الوثائق بالإدارة العامة للمصالح المختصة بوزارة الداخلية (المخابرات التونسية)، على ذمة التحقيقات المتعلقة بما يعرف بـ”الغرفة السوداء بوزارة الداخلية” المتهم فيها كوادر لحركة النهضة الإخونجية.

تفخيخ وزارة الداخلية بالإرهابيين

من جهته، قال عبد المجيد العدواني الناشط والمحلل السياسي إن الجهاز السري وظفته حركة النهضة الإخوانية وبواسطته استطاعت تنفيذ مخططاتها الإرهابية.

وأضاف العدواني أنه “بعد المعطيات الخطيرة التي على خلفيتها تم فتح تحقيق في قضية الجهاز السري للإخونجية، وجب حظر حركة النهضة وتصنيفها إرهابية”.

واعتبر أن وزارة الداخلية التي كان دورها حماية الشعب وحفظ النظام والأمن القومي، “تفخخت بالإرهابيين وأصبحت تقدم لعناصر الإخونجية دورات تكوينية وتدريبية على آليات التجسس وطرق استخدام التقنيات الكفيلة بالاستعلام والتشفير”.

وتابع “الذين تم تعيينهم في الإدارات مازالوا يعملون وهم من يفتعلون الأزمات داخل الدولة، إلى حد الآن، لذلك وجب فتح ملف الانتدابات، ووضع حد لهذه الاختراقات الإخوانية”، حسب تعبير المحلل التونسي.

وأشار إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد، دعا إلى ضرورة مراجعة جميع التعيينات التي جرت بعد 2011؛ وهي خطوة لاقت استحسان التونسيين.

وأشار إلى أن أغلب القيادات المكونة للجهاز السري تم إلقاء القبض عليها بعد سجن راشد الغنوشي في 17 أبريل/ نيسان الماضي، بتهمة التآمر على أمن الدولة، والتخطيط للانقلاب على قيس سعيد ما يعني أن هذا الجهاز مازال يواصل العمل.

تورط الغنوشي

من جهة أخرى، قال عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، المحامي عبد الناصر العويني إن ملف الجهاز السري لحركة النهضة تضمن إثباتات عن اتصالات مع تنظيمات إرهابية من بينها “جبهة النصرة”، مؤكدا أن راشد الغنوشي رئيس إخونجية تونس لعب بصفة مباشرة دور الوساطة في الإفراج عن أسرى إرهابيين.

وأكد العويني أن الملف تضمن أيضا إثباتات عن الجوسسة والاتصال بمخابرات دول أجنبية، ودورات تكوينية في التنصت والتنصت المضاد، وفي إعداد المتفجرات ودراسات عن السموم القاتلة.

كما كشف أن الإخونجية اخترقوا كل أجهزة الدولة ووظفوا المنظومة القضائية، وهذا ما جاء في ملف الجهاز السري، الذي فتحته هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى