برنارد شو وجماعة الإخوان: “سيدتي القبيحة”

ضياء رشوان

جورج برنارد شو هو الكاتب المسرحي الإيرلندي والعالمي الأشهر في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهو أيضاً ناقد أدبي وموسيقي متكمن ومعروف عنه انتماؤه للحركة الاشتراكية في زمنه.

عاش الرجل نحو 94 عاماً حيث ولد في عام 1856 وتوفي عام 1950، ألف خلالها نحو 60 مسرحية وكتب مئات المقالات، وأطلق مئات أخرى من المقولات والحكم السياسية والاجتماعية الساخرة بشكل خاص، والتي أصبحت الأكثر انتشاراً وشهرة حول العالم كله.

وقد قبل برنارد شو الحصول على جائزة نوبل في الأدب عام 1926 بعد أن رفضها عدة مرات، وأصبح بهذا أول من ينالها عالمياً في هذا الفرع، وقد عرضت مسرحياته كلها آلاف المرات حول العالم، وتحول عدد منها إلى أفلام سينمائية حصل بعضها على جوائز عالمية كبرى منها الأوسكار.

ومن أكثر مسرحيات برنارد شو انتشاراً وشهرة حول العالم طوال هذه السنوات، هي “بيجماليون” أو “سيدتي الجميلة” التي ألفها عام 1913، أي منذ 110 أعوام.

وقد استوحى الرجل مسرحيته الأشهر هذه من الأساطير الإغريقية والرومانية القديمة، حيث كان هناك رجل يسمى بيجماليون وهو نحات عبقري، ولكنه يكره النساء، وقرر الرجل تعويضاً لهذه الكراهية، أن يصنع تمثالاً لامرأة فاتنة زينها بكل ما أبدعه من ملابس فاخرة ومصاغ ومجوهرات باهظة الثمن، وجعلها بجانبه ليتأملها طوال الوقت حتى لا يضطر للتعامل مع النساء الحقيقيات اللاتي يكرههن.

إلا أن “السحر انقلب على الساحر”، فسرعان ما وقع بيجماليون في حب تمثاله، فدعا إلهة الحب “فينوس” أن يحول التمثال إلى كائن حي ويبث فيه الحياة، وهو ما حدث فعلياً بحسب الأساطير الإغريقية والرومانية.

استوحى برنارد شو هذه الأسطورة لكي يؤلف مسرحية “سيدتي الجميلة”، التي تحكي قصة أستاذ في علم الأصوات يعقد رهاناً مع صديق له، على قدرته على النجاح في تحويل بائعة للزهور جاهلة تنتمي للطبقة الأدنى في المجتمع اللندني، إلى سيدة مجتمع مثقفة وراقية تبدو منتمية للطبقة الأعلى في هذا المجتمع، بتعليمها وتدريبها على كل قواعد السلوك والحديث في هذه الطبقة.

وبعد نجاح الرجل في هذا، يحاول التقرب من “سيدته الجميلة” ليتزوجها، فترفض وترتبط بشاب آخر من المنتمين لطبقتها الاجتماعية الأصلية.

وقد استوحى كثير من أدباء العالم أسطورة “بيجماليون” في أعمالهم المسرحية والقصصية، وفي الأدب العربي كان الأبرز هو توفيق الحكيم الذي كتب عام 1942 مسرحية تحمل نفس الاسم وتدور حول المعاني الرئيسية لهذه الأسطورة، مع اختلاف طريقة المعالجة بالطبع.

ولا يختلف حال جماعة الإخوان في بعض جوانبها وقسم كبير جداً من تاريخها ومسارها عن تلك الأسطورة.

فقد شكلت الجماعة بعد تأسيسها عام 1928 بنحو 10 سنوات تنظيمها السري الخاص، ليصبح طوال عقودها التالية ذراعاً رئيسياً ومهماً في سعيها نحو السيطرة على حكم مصر وتصفية خلافاتها مع من يحكمونها ومع بعض من خصومها السياسيين.

وأتت على الجماعة تطورات مهمة بدءاً من ستينيات القرن الماضي عندما برز بداخلها فكر سيد قطب المتشدد والأقرب للتكفير والعنف معاً، والذي هيمن في السنوات التالية كلها على القطاع الأكبر من قيادتها وقطاعات واسعة من عضويتها.

وحاولت هذه القيادة طول تلك السنوات أن تفعل مع نفسها ما فعله أستاذ الصوتيات مع بائعة الزهور، بأن حولها إلى “سيدتي الجميلة” أمام الناس والمحيطين بها، فارتدت مسوح الإصلاح والعمل السياسي وادعاء رفض العنف، لتغطي على حقيقة فكرها وتوجهها نحو العنف الذي راح يسري بسرعة بين قياداتها وأعضائها.

وقد صدق البعض ولبعض الوقت هذا الاصطناع، فاعتقدوا أنها بالفعل “سيدتي الجميلة” الجديدة الحقيقية.

وكما حدث مع “السيدة الجميلة” المصطنعة المزيفة في مسرحية برنارد شو، فلم يستمر هذا الخداع طويلاً، فقد أتت تجربة وصول الجماعة لحكم مصر منذ نهاية عام 2011، وجنوحهم المرضي نحو الغلبة والهيمنة على مصر كلها دون شريك أو منافس، لكي تنهي هذه الأسطورة نهائياً على يد الشعب المصري بثورته العظيمة في 30 يونيو 2013.

لقد تجلت الحقيقة كما هي منذ ذلك الوقت للمرة الأولى ناصعة ومستقرة لا خداع مرة أخرى فيها، إنها جماعة “سيدتي القبيحة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى