بريطانيا.. “كبوة” جونسون

بهاء العوام

لم يعد خافيا على أحد أن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يمر بأوقات عصيبة قد تنتهي بانتهاء مسيرته السياسية.

والسبب الظاهر أنه حضر حفلا أقيم في شهر مايو 2020، بينما كانت الحكومة تفرض قيودا صارمة على لقاء وتجمعات البريطانيين داخل وخارج المنازل لمواجهة كورونا.

هذا الحفل، الذي أقيم في حديقة مجلس الوزراء، كان القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، وبالتالي فهو ليس السبب الوحيد في الأزمة التي يعيشها “جونسون” اليوم.

فرئيس الوزراء تعثر مرات قبل وبعد أن وصل إلى السلطة، وبعد أن نال حزبه -المحافظين- الأغلبية الساحقة في مجلس العموم عبر انتخابات ديسمبر 2019.

ومنذ تفجر الجائحة لم تتوقف الانتقادات الموجهة لـ”جونسون” ووزرائه في التعامل مع الأزمة، ولكن الحكومة كانت تتذرع بالنصائح الطبية التي تُملي عليها ما يجب فعله.

كما أن إنجاز لقاح كورونا وتوزيعه بشكل كبير وسريع أسهم دائما في احتواء الانتقادات، ناهيك بدعم مالي لافت للشركات والأفراد قدمته الحكومة على مدار عام كامل.

في مايو 2020 وقف دومينيك كامينغز، المستشار السابق لرئيس الوزراء البريطاني، أمام البرلمان ووصف إدارة الحكومة لأزمة كورونا بـ”الكارثية”.

لم يكن للأمر تداعيات كبيرة حينها لأن البعض اعتبر أن اتهامات “كامينغز” تحمل طابعا “انتقاميا” من بوريس جونسون، حيث وصفت صحيفة “التايمز” حينها سلوك المستشار بـ”تصفية حسابات”.

بعد شهر واحد من تصريحات “كامينغز” جاءت أزمة وزير الصحة السابق، مات هانكوك، وعلاقته بمساعدته جينا كولادانجيلو، منتصف يونيو 2021. وهي علاقة أدين فيها الوزير لمخالفته قواعد التباعد الاجتماعي واضطرته للاستقالة في نهاية المطاف.

أما “جونسون” فلم يطله ضرر مباشر من “السلوك الفردي” للوزير. لكن بعد استقالة “هانكوك” لم تتوقف الانتقادات لأداء الحكومة في مواجهة كورونا، ولكنها جاءت من أحزاب البرلمان، وفُسرت في سياق “المناكفة السياسية” بين الحكومة والمعارضة. إضافة إلى أن الحكومة رفعت قيود الإغلاق وسمحت بعودة سوق العمل.

وعندما انتشر متحور “أوميكرون” سارعت الحكومة البريطانية بتقديم الجرعة الثالثة من اللقاح ونشرتها بخطة ذكية.

“حفلة الحكومة” وحفلتان أخريان، أقيمتا خلال أبريل 2021 بينما كان قصر بكنغهام غارقا في الحزن على وفاة الأمير فيليب، زوج الملكة إليزابيث الثانية، تؤكد أن موظفي ووزراء “جونسون” كانوا يخالفون قواعد الإغلاق والتباعد التي تفرضها الحكومة على البريطانيين، ولكنها لا تؤكد بالضرورة فشل الحكومة في التعامل مع الجائحة.

كان أول من فضح أمر “الحفلات” أليجرا ستراتون، السكرتيرة الصحفية السابقة لرئيس الوزراء، وذلك خلال “جلسة مرح” مع زملائها.

وفي بريطانيا لا يوجد منصب يعلو على القانون، ولا مسؤول يكبر على المساءلة البرلمانية أو القانونية، ولكن ماذا يعني “استهتار” جونسون وأعضاء حكومته بقواعد التباعد والعزل؟ هل هو غياب القناعة بالإجراءات المتخذة في مواجهة كورونا؟ أم مبالغة في الثقة بمتانة الحكومة في ظل تمتع الحزب الحاكم بأغلبية مطلقة في البرلمان؟

غياب القناعة بالإجراءات لا يبرر عدم الالتزام بها، والسلوكيات التي صدرت عن موظفي الحكومة ورئيسها تقول إن خلف أبواب 10 “داونينغ ستريت” -مقر الحكومة البريطانية- بعض “التسرع” في التعامل مع القوانين -إن جاز التعبير- وهي صفات لمسها البريطانيون في “جونسون” عبر مواقف شخصية وسياسية عدة قبل وبعد توليه رئاسة الحكومة.

فقبل شهرين فقط اعتذر “جونسون” عن زيارته مستشفى لعلاج كورونا دون ارتدائه كمامة، واعتذر أيضا في يونيو 2019 عن تصريحات مسيئة للمسلمات عندما كان مرشحا لخلافة رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي.

هذه الأمور تحولت بعد أزمة “الحفلات” إلى مقياس لتقييم أداء “جونسون” والحكومة، ليس فقط في التعامل مع أزمة كورونا، وإنما في ملفات عديدة، على رأسها عقدة إيرلندا الشمالية في اتفاق الخروح من الاتحاد الأوروبي، ونقص العمالة وارتفاع كلفة المعيشة، بالإضافة إلى مشكلة المهاجرين الوافدين بتزايد عبر القناة الإنجليزية مع فرنسا.

أزمة “الحفلات” أعادت إلى الواجهة كل ملفات “جونسون”، وصنعت منها مُعلقةً من الأخطاء باتت تتردد على ألسُن البريطانيين في الإعلام وأروقة السياسة، وحتى في الجلسات العائلية ومواقع التواصل الاجتماعي.. فجأة بات كل ما فعله رئيس الوزراء “أخطاء لا تغتفر” ولا بد من محاسبته عليها بـ”طرده” من الحكومة والحياة السياسية.

قبل أيام قليلة نشرت صحيفة “الإندبندنت” تقريرا بشأن غضب مجلس الوزراء من النصائح الخاطئة، التي تلقاها من وكالة الأمن الصحي حول الحالة الوبائية للبلاد بعد انتشار المتحور أوميكرون.

وهذا مثال يوضح أن “جونسون” لا يتحمل وحده مسؤولية الأخطاء، التي وقعت فيها الحكومة خلال التعامل مع أزمة كورونا، وحتى في ملفات أخرى.

المشكلة أن “جونسون” هو ربان السفينة، وأخطاؤه ملحوظة أكثر من غيره، خاصة في بلد مثل بريطانيا.. فقد تعددت “هفوات” رئيس الوزراء، وأصبح البعض يراه “عبئا” على حزبه ومؤيديه.. بعض قادة المحافظين يطالبون باستقالته، ويرون أن استمراره في السلطة “يهدد مستقبل الحزب وفرص حل مشكلات البلاد الداخلية والخارجية”.

على الناحية الأخرى، ففي سِجِلّ “جونسون” إنجازات عديدة تجعل حزبه يتروَّى في اتخاذ قرار سريع بشأنه، ويتمعن في طرح بديل له في هذه الفترة الحرجة.

فهذا الرجل -جونسون- لم يفشل في حياته السياسية رغم كل عثراته، ولكن “حفلة الحكومة” كانت “كبوة” له، فيما تقول المعارضة وتُردد وسائل إعلام محلية بأن الحفلة قد انتهت، و”رحيل جونسون بات مسألة وقت”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى