بعد عام من توليه السلطة: هل يجري إيمانويل ماكرون وراء “دبلوماسية الصورة”؟





منذ انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية في 7 أيار/مايو 2017، جعل إيمانويل ماكرون من الدبلوماسية إحدى ركائز نشاطه لتكون دائما في قلب خطاباته وقراراته. وعلى الرغم من أنه لم يحرز نتائج ملموسة، إلا أنه تمكن من تحسين صورته كما سمعة بلاده عبر العالم.

أثبتت زيارة الدولة التي قام بها إيمانويل ماكرون إلى واشنطن من 24 إلى 26 نيسان/أبريل الماضي أن الرئيس الفرنسي يسعى منذ انتخابه رئيسا للجمهورية في 7 أيار/مايو 2017 إلى ترسيخ فكرة أن ثمة علاقات قوية (مزعومة) تربطه بكبار قادة العالم.

فخلال ثلاثة أيام قضاها في الولايات المتحدة، عانق وصافح نظيره الأمريكي دونالد ترامب مرارا، وكأن الهدف الأساسي من الزيارة هو التركيز على أن الرجلين قريبين جدا على الرغم من فارق العمر بينهما – 40 عاما لماكرون مقابل 71 عاما لترامب.

للمزيد: ماكرون يؤكد عدم وجود “خطة بديلة” للاتفاق النووي ويحذر من سيطرة إيران على سوريا

عاد الرئيس الفرنسي إلى باريس من دون إحراز أي نجاح دبلوماسي، سواء فيما يتعلق بالنووي الإيراني أو قضية المناخ والحرب في سوريا، ولكنه تمكن من تلميع صورته في الولايات المتحدة، إذ تم استقباله في ماونت فيرنون الذي كان مقر إقامة أول رئيس أمريكي (جورج واشنطن) خلال عهدته الرئاسية بين 1789 و1797 كما أنه ألقى خطابا في الكونغرس وتحدث إلى الطلاب في جامعة “واشنطن”، فضلا عن أنه خص شبكة “فوكس نيوز” (المقربة من اليمين الأمريكي المتشدد) بحوار تداولته وسائل الإعلام الدولية صباحا مساء.

وعلى ضوء هذا العرض، يتضح أن الإنجاز الأبرز في العام الأول من ولاية إيمانويل ماكرون هو تحسين صورة بلاده في الخارج. ويؤكد ذلك الأستاذ في معهد العلوم السياسة العريق في باريس كريستيان لوكين، وهو متخصص في سياسة فرنسا الخارجية، إذ يقول: “باتت وسائل الإعلام الدولية تشدد خلال زيارات ماكرون خارج البلاد على أن فرنسا أصبحت تسير إلى الأمام بثبات وبطاقة مجددة بعد أن كانت قبل ذلك في ركود وتراجع”.

ويضيف لوكين أن ماكرون دائما يلفت الانتباه إلى “عودة الحيوية إلى بلادنا” من خلال شخصه، “وهو ما قام به أمام الطلاب الأمريكيين قبل أيام أو أمام طلاب (عاصمة بوركينا فاسو) واغادوغو في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. فرسالته بحسب كريستيان لوكين، هي “فرنسا عائدة وأنا رمز عودتها”.

للمزيد: حصيلة العام الأول من ولاية ماكرون الرئاسية

وتتوجه رسالة الرئيس الفرنسي أساسا إلى رجال الأعمال الأجانب والشركات الكبرى، “فهو يسعى إلى تفصيل إصلاحاته الاقتصادية بهدف إقناع عالم الاقتصاد بالاستثمار في فرنسا”، كما يقول الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس.

“لنجعل كوكبنا عظيما من جديد”: قصة نجاح دبلوماسي كبير…

ويتميز إيمانويل ماكرون عن سابقيه في مجال السياسة الخارجية بقدرته على استغلال الفرص المتاحة في كل لحظة لأجل الدفاع عن مصالح بلاده وسلاسته في ملء الأماكن الشاغرة. فقد أدرك جيدا، كما يلفت كريستيان لوكين، أن الأهم في السياسة الخارجية هو أن تكون موجودا في المكان المناسب في الوقت المناسب”. ويضيف لوكين: “القادة البارزون اليوم يعتمدون على مقاربة تكتيكية قبل أن تكون إستراتيجية، أي أنهم يستغلون أول فرصة وأول ملف دبلوماسي لفرض أنفسهم كطرف أساسي وفعال فيه”.

وعلى سبيل الذكر، فإن إيمانويل ماكرون استغل فرصة وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض (خلفا لباراك أوباما) لتعزيز العلاقات بين واشنطن وباريس على حساب برلين. وتزامنت مناورته الدبلوماسية مع الأزمة السياسية الداخلية التي عصفت بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والتي كانت مقربة من أوباما) منذ أيلول/سبتمبر 2017 جراء فوزها المتواضع في الانتخابات التشريعية وصعوبة تشكيلها حكومة جديدة.

ولم يصوت النواب الألمان على إعادة انتخاب ميركل سوى في شهر آذار/مارس الماضي.

للمزيد: تحفظات ألمانية على خطة ماكرون لإصلاح منطقة اليورو

وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أيضا، لم يتردد ماكرون في لعب دور الوسيط بين السعودية ولبنان على خلفية استقالة سعد الحريري.

ولا شك أن أكبر نجاح دبلوماسي حققه الرئيس الفرنسي هو إطلاقه شعار “لنجعل كوكبنا عظيما من جديد” بعض دقائق فقط بعد إعلان دونالد ترامب انسحاب بلاده من اتفاق باريس حول المناخ في يونيو/حزيران 2017.

وقام ماكرون بتلك المناسبة بنشاط دبلوماسي كثيف، داعيا إلى قمة في باريس بعنوان “قمة الكوكب الواحد” بغرضإيجاد طرق تمويل جديدة لمكافحة الاحتباس الحراري، وحضرها عشرات قادة الدول.

عزلة ماكرون في ملف إصلاح الاتحاد الأوروبي

ولكن مغبة التركيز على الصورة لديها حدود. “فإذا كانت الخطابات لها أهمية كبيرة في السياسة الخارجية، إلا أن فشلها في تحقيق النتائج المرجوة قد تعود على أصحابها بصورة سلبية”، كما يحذر الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس كريستيان لوكين.

للمزيد: ماكرون يصف زوجة رئيس الوزراء الأسترالي بـ”اللذيذة” ويثير السخرية على الإنترنت

وبخصوص إيمانويل ماكرون، فإن نجاحه في تحسين صورة فرنسا في الخارج يصطدم بإخفاقه في تحقيق إنجازات دبلوماسية ملموسة. والدليل أنه لم يقنع ترامب على العودة إلى اتفاق باريس حول المناخ ولا تغيير موقفه من النووي الإيراني، الذي يعتبره مسيئا لمصالح بلاده. ويرى كثيرون أن تصريحات ماكرون في واشنطن في هذا الملف الحساس تشكل تراجعا في موقف باريس بشأن طهران.


والأمر يبدو أكثر تعقيدا بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي بخصوص ملف إصلاح الاتحاد الأوروبي الذي يكتسي أهمية بالغة في فرنسا. فقد طرح في أيلول/سبتمبر الماضي أمام نظرائه الأوروبيين فكرة إنشاء موازنة خاصة بمنطقة اليورو، إلا أن المشروع بات حبرا على الورق.

والسبب أن ماكرون تأثر من صعوبات أنغيلا ميركل في تشكيل حكومتها قبل أن يدرك أن حشد دعم المستشارة الألمانية في هذا الموضوع مهمة شبه مستحيلة. كريستيان لوكين يرى أن مؤسس حركة “الجمهورية إلى الأمام” وقع في فخ الثقة المفرطة عندما اعتقد أن علاقته مع ميركل ستكفي لتحقيق الإصلاح الأوروبي، لكنه “في الحقيقة معزول”.

وهذا قد يؤدي إلى خدش الصورة التي يسعى لرسمها في العالم، عاما بعد توليه السلطة.

 

 

 




Related Articles

Back to top button