تعديل وزاري مرتقب في تونس

المشيشي يستقوي بالإخونجية في مواجهة الرئيس

حديث مُتزايد عن تعديل وزاري وشيك أصبح يتردد بقوة داخل كواليس دوائر صنع القرار التونسية، مباشرة بعد الإعلان عن إقالة وزير الثقافة، وليد الزيدي، وتوجه رئيس الحكومة هشام المشيشي للاستقواء بحركة النهضة الإخونجية وحزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة.

وقد بدأت قواعد اللعبة السياسية في تونس تتغير بسرعة على وقع تبدل موازين القوى التي تحكم العلاقة بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، وسط أجواء تؤشر على أن البلاد مُقدمة على فصل جديد من أزمتها السياسية، قد يكون أسوأ بكثير من أزمتها الاقتصادية الخانقة.

وترسم التطورات التي تسارعت بعد الإعلان عن إقالة وزير الثقافة، وليد الزيدي، المحسوب على الرئيس قيس سعيد، صورة ضبابية للمشهد العام في البلاد، تُبقي الباب مفتوحا على مصراعيه أمام قطيعة تامة بين رأسي السلطة التنفيذية قد تُعمق الخلافات الصامتة بينهما.

وكانت رئاسة الحكومة التونسية قد أعلنت، أن هشام المشيشي “قرر مساء الاثنين، إعفاء وزير الثقافة، وليد الزيدي من مهامه، وتكليف وزير السياحة، حبيب عمار بتسيير شؤون وزارة الثقافة بالنيابة”.

ولم تُوضح في بيانها أسباب هذا الإعفاء، غير أن مراقبين ربطوا ذلك بموقف وزير الثقافة الذي رفض فيه الالتزام بتنفيذ الإجراءات التي أعلنتها الحكومة في وقت سابق للتصدي لانتشار وباء كورونا، وخاصة منها تلك المُتعلقة بمنع التظاهرات والفعاليات الفنية والثقافية.

وجاء هذا القرار بعد ساعات قليلة من تصريحات للوزير المُقال وليد الزيدي أمام عدد من الفنانين والمثقفين الذين نظموا وقفة احتجاجية للتعبير عن رفضهم لقرارات منع التظاهرات الثقافية والفنية لمدة أسبوعين.

وقال الزيدي الذي بدا مُتمردا ومعلقا على قرارات حكومية نصت على حظر الفعاليات الثقافية خلال الأسبوعين القادمين بهدف احتواء الوباء، إن وزارته لم تُعلن عن تعليق الفعاليات الثقافية، و”نحن نُشرف على وزارة الثقافة التي هي ليست وزارة تنفيذ بلاغات الحكومة”.

وكان واضحا أن خيار المشيشي، الذي جسده بتكثيف لافت لاتصالاته ومشاوراته مع تلك الأحزاب، على حساب تعهداته السابقة بأن تكون حكومته مُستقلة تماما عن الأحزاب، ليس معزولا عن حسابات الصراع على الصلاحيات.

ورأى مراقبون أن المشيشي يكون بقراره إعفاء الزيدي قد بعث برسالة واضحة للرئيس سعيد تأخذ بعين الاعتبار حسابات الواقع السياسي المُتغير، وما يلحق بها من توازنات تتداخل فيها الكثير من العوامل السياسية والحزبية، وخاصة أن الزيدي فرضه عليه قيس سعيد فرضا مثله مثل عدد من الوزراء الآخرين.

ويبدو أن تلك الحسابات تدفع بقوة إلى الذهاب نحو إجراء تعديل وزاري واسع أصبح الحديث حول قرب الإعلان عنه يتردد بقوة لإبعاد الوزراء المحسوبين على قيس سعيد، لتتحول الحكومة بذلك إلى حكومة سياسية بحزام حزبي له قاعدة برلمانية تتجاوز الـ120 نائبا سيُوفرها الائتلاف الحزبي الثلاثي.

وتضاربت المواقف إزاء هذا القرار، حيث سارع البعض إلى الترحيب به، فيما حذر البعض الآخر من عواقبه؛ فقد وصف أسامة الخليفي، القيادي في حزب قلب تونس، ورئيس كتلته البرلمانية، إقالة وزير الثقافة وليد الزيدي من مهامه بـ”القرار الصائب”.

واعتبر، في تصريح بثته إذاعة “شمس أف أم” المحلية التونسية، أن رئيس الحكومة هشام المشيشي اتخذ هذا “القرار لحماية الدولة من العبث”، مُبررا ذلك بالقول إن وزير الثقافة المُقال بدا بالتصريح المنسوب إليه “كأنه يتمرد على قرار رئيس الحكومة وهو رئيسه المباشر”.

وفي المقابل لم يتردد وزير التجارة السابق محمد المسيليني، القيادي في حركة الشعب، في التحذير من مخاطر إقالة الوزراء، حيث قال لـ”العرب” إن مثل هذا القرار من شأنه تعقيد الأزمة أكثر فأكثر، وخاصة أنه ترافق مع حديث حول خطة يجري الإعداد لها للاستفراد بالحكومة والدولة.

واعتبر أن هذه الخطة التي تقوم على إجراء تعديل وزاري واسع يتم فيه إبعاد عدد من الوزراء تستهدف بالأساس “افتكاك الحكومة”، و”العمل من أجل عزل الرئيس سعيد”، الأمر الذي يفرض على القوى التي وصفها بـ”الوطنية” التحرك السريع من أجل التصدي لهذه “الخطة الخطيرة”.

ويأتي هذا التضارب في الآراء والمواقف الذي يبدو مألوفا في تونس خاصة بين الفريقين المُتخالفين، أي الفريق الداعم للرئيس سعيد، والذي يضم إلى جانب حركة الشعب حزب التيار الديمقراطي، والفريق الآخر الذي لا يخفي خلافاته مع رئيس الجمهورية، والذي يضم الأحزاب الثلاثة المذكورة التي احتمى بها المشيشي، فيما لا يتوقف الحديث منذ نحو أسبوعين عن استعدادات جارية للإعلان عن تعديل وزاري واسع.

وكشفت مصادر قريبة من تلك الاستعدادات، أن سلسلة الاتصالات التي جرت بعيدا عن الأضواء بين المشيشي وحركة النهضة الإخونجية وقلب تونس وائتلاف الكرامة، خلصت إلى اتفاق على صيغة التعديل الوزاري المُرتقب وفقا لمعادلة تستهدف بالأساس عزل الرئيس سعيد.

وبحسب آخر صيغ هذا الاتفاق التي يتم حاليا تداولها، فإن التعديل سيشمل خمسة وزراء محسوبين على الرئيس سعيد، الذي يتهمه الائتلاف الحزبي الثلاثي بمحاولة “الاستئثار بالسلطة التنفيذية”، أبرزهم وزير الداخلية توفيق شرف الدين، ما يعني أن المشيشي “خضع لرغبة هذا الائتلاف الذي استطاع تغيير خارطة موازين القوى الحزبية والسياسية”.

 

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى