تكريس الانقسام الفلسطيني عبر الانتخابات

مناورات جديدة لفتح وحماس

تبادلت قيادة حركتي وفتح وحماس الرسائل الإيجابية خلال اليومين الماضيين، وقدمت حماس موافقتها العلنية على إجراء الانتخابات، وبشكل متتابع، أي المجلس التشريعي أولا ثم رئاسة السلطة الفلسطينية، وأخيرا الانتخابات للمجلس الوطني.

كشفت مصادر مطلعة أن حركتي فتح وحماس تعتزمان تقنين التقسيم الحالي للضفة الغربية وقطاع غزة بينهما عن طريق الانتخابات، ووافقتا على هذه الخطوة بالتراضي للتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية، التي لم تعد تتقبل التعامل مع حالة الانقسام الراهنة.

وأشارت المصادر إلى أن الحركتين جمعتا ما يشبه الضمانات من أضداد في المنطقة هي مصر وقطر وتركيا بالإضافة إلى راع دولي بوزن روسيا، للإيحاء بأن هذه القوى التي تتهم برعاية الانقسام، هي نفسها الآن تسعى للتقريب بين فتح وحماس.

وقال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في رسالة وجهها إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن)، إن موافقة الحركة “مشروطة بإجراء الانتخابات بالتوالي والترابط خلال ستة أشهر من تاريخ إصدار المرسوم الرئاسي الذي يحدد تواريخ إجراء الانتخابات”.

واشترطت حماس سابقا إجراء جولات الانتخابات الثلاث بشكل متزامن، وهو ما تسبب في عرقلة مباحثات المصالحة الفلسطينية وتعميق الانقسام، ثم عادت وقبلت بما طلبته حركة فتح بشأن الصيغة التي أعلنت حماس تفاصيلها في رسالة هنية.

وبدا لافتا توجيه الشكر من قبل هنية إلى أربع جهات تكاد تكون متنافرة في مواقفها من القضية الفلسطينية وتطوراتها مؤخرا، وهي مصر وقطر وتركيا وروسيا، واعتبر رئيس المكتب السياسي لحماس أنها “قدمت ضمانات لإنجاز الاتفاق واستكمال هذا المسار”.

 كما وجّه عباس شكره إلى الدول نفسها مع إضافة الأردن إليها، وقال إنها “أسهمت بجهودها الخيّرة في تقريب وجهات النظر”، في إشارة توحي بأن الجانبين قبلا الانتخابات واستئناف المصالحة رضوخا لنصائح وضغوط من جهات خارجية.

وأكدت مصادر فلسطينية، أن القصد من الإشارة إلى الجهات الأربع أو الخمس، هو التوافق على دعم خطوة الانتخابات وليس التنسيق معا مباشرة.

ونوهت إلى أن هذه الدول قامت بتحركات منفردة لتشجيع حماس على القبول بالمصالحة مع فتح، وأرادت الحركتان “إرضاء خواطر هذه الدول التي تحتفظ معها حماس وفتح بعلاقات جيدة، وتقدم لهما أنواعا مختلفة من الدعم المعنوي والسياسي”.

وحاولت الحركتان الاحتماء بشبكة أمان إقليمية ودولية لإقناع العالم بجدية الخطوات التي سيتم اتخاذها قريبا، باعتبارها تحركات مختلفة عما سبق، ولا تحتمل المراوغة أو التسويف، وبالتالي وضع كل حركة في مواجهة مسؤوليتها السياسية.

وقد استقبلت هذه الدول وفودا من حركتي فتح وحماس خلال الفترة الماضية، ونصح المسؤولون فيها كل طرف بضرورة إجراء انتخابات لتوفير شرعية سياسية للقيادات الفلسطينية التي تحكم الآن دون سند شعبي واضح لها، بعد انقضاء أجل الانتخابات السابقة التي أجريت على المستويين الرئاسي والتشريعي.

واعتبر مروان كنفاني، المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أن صراع الشرعيات لم يعد محليا فقط، لأن العيون مصوّبة نحو طريقة تعامل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع القضية الفلسطينية، وسيكون المأزق أن قيادة السلطة الوطنية “فاقدة للشرعية الانتخابية حاليا، ومن الضروري تجديدها”.

وأفادت مصادر سياسية أن دوائر إقليمية ودولية شددت على الحركتين بقولها إن إدارة بايدن الديمقراطية من الصعب أن تتعامل مع قطاعات فلسطينية غير منتخبة وغير ديمقراطية يمكن أن تسد أي أفق أمام استئناف المفاوضات.

وبدأت السلطة الفلسطينية تليين مواقفها السياسية منذ فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية، في محاولة لضبط الدفة التي اختلت خلال عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي تبنى مشروع صفقة القرن، وتلاه بتشجيع التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، ما خلق مأزقا أمام أبومازن.

وقال كنفاني، إن الطريقة التي جرى التوافق حولها لإجراء الانتخابات غير مطمئنة، لأنها سوف تعيد إنتاج الوضع الحالي، أو بمعنى أدق تقنينه، والتظاهر بإضفاء شرعية ظاهرة عليه من خلال الانتخابات، على أمل أن يتماشى ذلك مع تطلعات إدارة بايدن، وبعض الجهات التي رأت أن مسألة تجديد الشرعيات واجبة.

وشكك المستشار السياسي للرئيس الراحل عرفات في جدوى هذه الخطوة، قائلا “طالما لا توجد حكومة محايدة تقوم بالإشراف على الانتخابات، وتتولى توفير الضمانات الكافية للحياد والنزاهة والشفافية، فإنّ النتيجة أنّ حركة فتح سوف تظل مسيطرة على نفوذها في الضفة الغربية، وهيمنة حماس على قطاع غزة سوف تستمر، باستثناء عدد محدود من المقاعد قد يذهب بعيدا عنهما، ذرا للرماد في العيون”.

ورحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمضمون الرسالة التي تسلّمها من هنية، حول إنهاء الانقسام، وبناء الشراكة، وتحقيق الوحدة الوطنية من خلال انتخاباتٍ ديمقراطية بالتمثيل النسبي الكامل، وانتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بالتتالي والترابط.

ويوحي ترحيب أبومازن، بأن الصيغة الجديدة مريحة بالنسبة إليه، حيث توفر له ضمان استمرار وجوده على رأس السلطة، وتمنحه شرعية أكبر من شرعية الأمر الواقع أو الرجل الضرورة، ما ينهي إشكالية دفعته دوما إلى التردد في إجراء الانتخابات.

وقال طاهر النونو المستشار الإعلامي لرئيس حماس، الأحد، إن عباس أكد في رده على هنية أنه سيعمل على توفير البيئة والمناخ الإيجابي لاستمرار تجسيد كل التفاهمات، بما فيها مخرجات لقاء الأمناء العامين وتفاهمات إسطنبول.

وأشار النونو إلى أن هنية أعطى توجيهاته باستكمال الحوار عبر القناة المعتمدة، ممثلة بنائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري، للتواصل مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية كافة من أجل تطبيق التفاهمات الوطنية وتجسيد الوحدة الفلسطينية.

وتخشى دوائر فلسطينية أن تفضي تحركات فتح وحماس على مسار الانتخابات إلى تفريغها من مضمونها الحقيقي الذي يريده الشعب، حيث يتطلع إلى التجديد في الجسم السياسي الفلسطيني بما يتماشى مع طبيعة التحديات، ولا يريد مصالحة مؤقتة يمكن أن تنفض عند أول خلاف علني بين الحركتين.

وحذرت دوائر أخرى من لعبة تقسيم الأدوار التي تقوم بها حركتا فتح وحماس، لأنها يمكن أن تخرج عن سياق المطلوب عند حدوث طارئ من نوعية غياب الرئيس أبومازن، أو حدوث تحرش عسكري من قبل حماس بإسرائيل أو العكس بما يؤدي إلى تسخين الجبهة العسكرية، فتنهار معها المصالحة المنتظرة.

 

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى