تكلفة الحرب على الإرهاب في مصر

منير أديب

دفعت مصر ضريبة كبيرة في الحرب على الإرهاب.. واجهته نيابة عن العالم بعد 2013، إذ تركزت جهودها على مواجهة جماعة الإخوان الإرهابية التي وفرت ملاذًا آمنًا لكل جماعات التطرف إبان حكم الجماعة.

بذلت مصر جهودًا كبيرة في هذه الحرب على المستوى البشري والمادي معًا، وما زالت هذه الحرب تمثل إحدى أولوياتها، خاصة وهي تُدرك أنه لا تنمية قبل القضاء على الإرهاب والفوضى والعنف المُخلّق.

قدمت مصر أكثر من 3300 شهيد، وفق ما أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في إفطار الأسرة المصرية السنوي عام 2022، حيث أشار إلى أن تنظيم الإخوان الإرهابي سعى لهدم الدولة، كما هدد المواطنين بشكل مباشر، ما دفع الشعب للثورة عليهم، وتدخلت القوات المسلحة لحماية البلاد.

فاتورة الحرب على الإرهاب، وفق ما أشار رئيس الجمهورية، في الاحتفال بيوم الشهيد، 9 مارس الجاري، وصلت إلى 90 مليار جنيه، 3 مليارات دولار، بمعدل مليار جنيه كل شهر على مدار 90 شهرًا، سبع سنوات ونصف سنة، ما أنهك البلاد طوال السنوات الماضية.

وما زالت الدولة تدفع فاتورة الخراب الذي خلقه الإخوان على مدار عام واحد في الحكم، انعكس على حجم الشهداء الذين ما زالوا يتساقطون، فضلًا عن التكلفة المادية التي لا تقل عن فواتير الحروب الخارجية الكبيرة.

وبالتالي، فإن تكلفة الحرب على الإرهاب في مصر كانت مادية وبشرية معًا، والقيادة في مصر أصرت على مواجهة الخطر حتى لو كان المقابل كبيرًا، ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي للقول: “وثائقي هذه الحرب لو شاهده المصريون فلن يناموا”!

مواجهة خطر الإرهاب من أولويات الدولة المصرية التي حظرت الجماعة الإرهابية عام 2013 على خلفية الهجوم الذي استهدف مديرية أمن الدقهلية، فتم تجميد حسابات الجماعة المالية وفق أحكام قضائية ووضع أعضائها على قوائم الإرهاب، كما باتت الجماعة منبوذة من المجتمع المصري والعربي معًا.

هنا ارتأت سلطات الدولة المصرية أن يكون لها دور أكبر في مواجهة التنظيم الإرهابي حتى خارج حدودها، فلم تبخل مع شركائها في تقديم هذا الدعم على المستويات كافة، حتى وجدنا دولا في المحيط الدولي تضع الجماعة على القوائم السوداء للإرهاب، سواء في أمريكا الجنوبية مثل باراجواي، أو أفريقيا مثل جزر القُمر، والبقية تأتي.

ما زالت الفاتورة التي دفعتها مصر في مواجهة الإرهاب مفتوحة، وما زال شهداء مصر يقفون حائلًا بين قادة الدم وبين ما يريدون أن تكون عليه البلاد، وهو ما استحق دعم الشعب المصري لوطنهم في مشروعه للقضاء على تنظيمات الإسلام السياسي المتاجرة بالدين.

نشأت جماعة الإخوان الإرهابية في مصر، وكُسرت شوكتها أيضًا في مصر، مرة على مستوى الشعبي عندما لفظها الشعب المصري فثار عليها في 30 يونيو 2013، ومرة على مستوى الدولة التي ما زالت تواجه بقايا التنظيم على المستويات الثلاثة، أمنيًّا وعسكريًّا وفكريًّا.

خرجت مصر بعد 30 يونيو وهي جريحة بسبب ما أحدثه الإرهاب قبل وبعد هذا التاريخ، وقد أدركت القيادة السياسية في مصر أنه لا تنمية في ظل وجود الإرهاب الذي يُهدد المواطنين، من هنا كانت أولوية الحرب والبناء معًا، رفعت القيادة يدها اليمنى لمواجهة الخطر بينما كانت تبني باليد الأخرى.

لقد دفعت مصر ضريبة عدم الاستقرار لسنوات في ظل حالة التشكيك التي قامت وتقوم بها تنظيم الإخوان الإرهابي عبر منابر إعلامية بمثابة معاول هدم، فحجم الشائعات التي أثارتها جماعة الإخوان الإرهابية زاد في عام 2022 عنه في الأعوام السابقة بنسبة 20.5%، حسب تقرير مجلس الوزراء المصري مؤخرا.

جماعة الإخوان الإرهابية تُهدد الأمن الفكري والعسكري والقومي لأي مجتمع توجد فيه، ويتعدى هذا التهديد حدود الوطن إلى أبعد نقطة يمكن أن يصل إليها التنظيم، وهنا لا بد أن يكون هناك تكاتف عربي للمواجهة بعيدًا عن المصالح السياسية أو الأهداف الضيقة، وألا تقتصر هذه المواجهة على الدول العربية، بل لا بد دفع المجتمع الدولي، خاصة بعض دول أوروبا التي يتخذها التنظيم ملاذًا آمنًا، لتفكيك التنظيم وخلاياه.

مواجهة الإرهاب وتنظيمات الإسلام السياسي عمومًا، والإخوان على وجه الخصوص، تستلزم الاهتمام بمشروع المواجهة الفكرية، فالإنفاق على هذه المساحة من المواجهة سيكون له أثر كبير في تفكيك أفكار التنظيم وبخاصة الأفكار المؤسسة.

معركة الدولة مع الإرهاب باقية، ولكن ما نجحت فيه خلال السنوات القليلة الماضية ربما زاد من وعي وحس المواطنين، فباتت مهمة الدولة سهلة وباتت مهمة الجماعة الإرهابية أصعب في تحقيق طموحها بنشر الفوضى، ولذلك سوف تظل مصر تتغنى بحربها على الإرهاب، والتي لا تقل في بسالتها وعظمتها عن كل الحروب التي خاضتها ضد أعداء الوطن.

مصر لم تضع سلاحها ولن تضعه، بل هي تقوم بتطوير سلاح الوعي لدى المجتمع، بحيث يكون عاصمًا أمام أي محاولات اختراق من قبل هذه الجماعات التي تشهد مذبحة لأفكارها التكفيرية بعد أن فُضحت في مبادئها وأدرك النّاس خطورتها وتعارضها مع الدين السمح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى