تونس: الفخفاخ يتحرك لمواجهة تفشي كورونا والنهضة تعرقل

قال رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ في كلمة توجّه بها إلى الشعب التونسي عبر القناة التلفزيونية الرسمية بثتها في ساعة متأخرة من ليل السبت: “تعيش بلادنا على وقع تطور وباء كورونا، وهي وضعية استثنائية بكل المقاييس، وحتى نستطيع قيادة العملية بكل نجاعة سنطلب من المجلس التشريعي تمكين الحكومة من إصدار مراسيم لاتخاذ التدابير المستعجلة حسب مقتضيات الفصل الـ70 من الدستور”.

وأضاف في كلمته التي أعلن فيها عن حزمة إجراءات اقتصادية واجتماعية لتخفيف تبعات وطأة الحجر الصحي الشامل الذي بدأ العمل به الأحد في تونس، أنه “في المعركة لا مجال للعبث ولا مجال للاستهتار”.

وبعد أن طالب رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ بتمكينه من صلاحيات دستورية استثنائية للتفرّغ لمواجهة فيروس كورونا المُستجدّ الذي بدأ يتفشّى تدريجيا في البلاد، عادت إلى واجهة الصراع على الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث “رئاسة الجمهورية، ورئاسة البرلمان، ورئاسة الحكومة”.

ويُرجّح احتدام الصراع خلال الأيام القادمة، بعد أن تحوّل إلى صراع مكشوف تؤكده سطوة رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وسط أجواء تشابكت فيها الحسابات السياسية والحزبية، حتى باتت تُكبّل عمل السلطة التنفيذية.

ويتفاعل الصراع بوتيرة سريعة وسط إشارات مُتتالية الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ إلى رمى الكرة في ملعب البرلمان وذلك من خلال مُطالبته بتمكين حكومته من إصدار مراسيم عاجلة لمواجهة الوضعية الاستثنائية الحالية في البلاد.

وينص الفصل الـ70 من الدستور التونسي في فقرته الثانية على “يمكن لمجلس نواب الشعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون لمدة محدودة لا تتجاوز الشهرين ولغرض معيّن إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تُعرض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس. ويُستثنى النظام الانتخابي من مجال المراسيم”.

واعتبرت مصادر قانونية تونسية أن رئيس الحكومة التونسية يكون بهذه الدعوة قد التقط اللحظة المناسبة لكسر سطوة راشد الغنوشي على البرلمان، التي أربكت عمل السلطات التنفيذية، من خلال تدخله المكشوف في عملها، والذي أدخل البلاد في حالة من التردد والارتباك على مختلف الأصعدة.

وعلمت “الأوبزرفر العربي” أن البرلمان التونسي سيعقد غدا الثلاثاء جلسة عامة لبحث الأوضاع العامة في البلاد، وقرارات لجنة الطوارئ في أعقاب اجتماعها الذي عقدته الاثنين، حيث لم تستبعد مصادر برلمانية أن تتم خلال هذه الجلسة مناقشة طلب رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي يُنتظر أن يُثير زوبعة سياسية جديدة، بالنظر إلى تباين الآراء والمواقف حوله.

ولا تُخفي الأوساط السياسية التونسية خشيتها من أن يتسبب هذا الطلب في استفحال التنازع على الصلاحيات في هذه الفترة الحرجة، حيث قال القيادي في حزب تحيا تونس،  مصطفى بن أحمد إن “اللحظة السياسية التي تمر بها البلاد دقيقة، وهي تستدعي الابتعاد عن التجاذبات، والتنازع حول الصلاحيات، والتوجه نحو تحصين الوحدة الوطنية، والتكامل بين السلطات”. واعتبر بن أحمد،  أن “المصلحة الوطنية تستوجب التعالي عن الحسابات الحزبية والشخصية”.

وسارع المسؤول في حركة النهضة الإخونجية، النائب الصحبي عتيق، إلى رفض ما طلبه رئيس الحكومة من صلاحيات استثنائية نص عليها الدستور، حيث كتب في تدوينة له “بعيدا عن المُضاربات السياسية، أرفض التفويض لرئاسة الحكومة بإصدار المراسيم”.

ولم يُفاجئ هذا الموقف الذي برره بـ”الحفاظ على النظام السياسي الذي ضبطه الدستور” المتابعين للشأن التونسي باعتبار أن حركة النهضة الإخونجية ورئيسها راشد الغنوشي يتحمّلان أكثر من غيرهما مسؤولية تواصل الارتباك الذي يتسم به عمل السلطة التنفيذية منذ منح حكومة الفخفاخ ثقة البرلمان بأغلبية ضعيفة في نهاية شهر فبراير الماضي.

وتطور هذا الارتباك بأشكال مُتعددة، حتى بدا واضحا ليل السبت – الأحد، عندما تأجل بث كلمة رئيس الحكومة لأكثر من الساعة ونصف الساعة، الأمر الذي ساهم في انتشار الإشاعات حول تفاقم الخلافات والانقسامات في أركان الحكومة ومؤسسات السلطة التنفيذية، حيث عجّت بها صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي التي تحدثت عن استقالات لافتة لعدد من المسؤولين منهم الجنرال محمد صالح الحامدي، المستشار العسكري للرئيس قيس سعيّد، وآمر الحرس الوطني (الدرك)، العميد محمد علي بن خالد.

وسارعت رشيدة النيفر، المستشارة المكلفة بالإعلام بالرئاسة التونسية، في تدوينة نشرتها على صفحتها الشخصية على فيسبوك إلى تكذيب تلك الاشاعات التي قالت إنها “تريد إدخال البلبلة في الشارع التونسي في لحظة نحن فيها بأمسّ الحاجة لتوحيد الصفوف لمقاومة وباء كورونا”.

من جهته، نفى العقيد حسام الدين الجبابلي، الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني (الدرك)، استقالة آمر الحرس من منصبه، قائلا إن “رجال الحرس الوطني لا يستقيلون”، ومع ذلك تتالت الإشاعات، والمؤشرات الدالة على هشاشة العلاقة بين الحكومة والبرلمان برئاسة.

وترى أوساط سياسية داخل البرلمان التونسي أن النزاع على الصلاحيات بين السلطة التنفيذية ورئيس البرلمان، بدأ يخرج من دائرة التقاذف بالرسائل المُشفرة ليقترب من مربع الصراع المكشوف، متوقعة أن تكون له في الأيام القادمة تأثيرات مباشرة على الاستقرار السياسي في البلاد.

 

 

 

تونس- الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى