حراك إخونجي ليبي تونسي على وقع المعارك في ليبيا

رغم سيطرة الميليشيات الموالية لحكومة السراج على عدد من المدن والبلدات في الشريط الساحلي الغربي المحاذي لتونس، فإن تواتر الأنباء عن تزايد الحشود العسكرية للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، للدفاع عن قاعدة الوطية العسكرية، واستعدادا لشن هجوم معاكس لاستعادة تلك المدن والبلدات التي خسرها خلال الأيام القليلة الماضية، أقلق إخونجية ليبيا الذين يسيطرون على حكومة السراج، وجعلهم يستشعرون خطرا داهما.

وفرضت التطورات العسكرية المتتالية في عدة مناطق ليبية على طول الشريط الساحلي الغربي، إيقاعها على الوضع الأمني في تونس، وسط حراك سياسي مُتسارع تضاربت فيه التصريحات والبيانات التي كشفت عن بداية لتغير السياسة الخارجية التونسية تجاه جملة من الملفات الشائكة، جعلت إخونجية ليبيا يستنفرون حلفاءهم لمنع أي تغيير في المواقف قد يؤثر على التوازنات الجيوسياسية التي تحيط بالملف الليبي.

وزادت حدة التوتر لدى إخونجية ليبيا أكثر فأكثر، ليتحول إلى خشية متصاعدة من تبدل الموقف التونسي تجاه معادلة الصراع في ليبيا، خاصة بعد تصريحات لوزير الدفاع التونسي، عماد الحزقي، وصف فيها القوات الموالية لحكومة السراج بأنها “ميليشيات”.

واعتبر الباحث السياسي التونسي المختص في الشأن الليبي، رافع الطبيب، في تصريح لـ”الأوبزرفر العربي”، أن توصيف وزير الدفاع التونسي للفصائل المُسلحة المتواجدة في بعض مناطق الغرب الليبي المحاذي للحدود مع تونس، يتماهى مع الموقف الدولي الذي اعتبر أفعال الميليشيات المرتبطة ببعض دوائر الحكم في طرابلس وشبكات الجريمة والإرهاب من قبيل التعديات الخطيرة على القانون الإنساني، خاصة بعد الإعدامات المشهدية التي نفذتها مجموعات من القاعدة ولواء السلطان مراد من المرتزقة السوريين في صبراتة.

ومع ذلك، دفعت الخشية التي تنتاب إخونجية ليبيا إلى استنجادهم بحليفهم في تونس، راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإخونجية، الذي يرأس حاليا البرلمان التونسي، حيث تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس المجلس الأعلى الاستشاري للدولة الليبية، القيادي الإخونجي خالد المشري، تطرق فيه إلى التصريحات المذكورة لوزير الدفاع التونسي، وأثرها على العلاقة بين البلدين.

وقال المجلس الأعلى الاستشاري الليبي، في بيان له، إن المشري أبدى في هذا الاتصال الهاتفي “استغرابه من تصريحات وزير الدفاع التونسي التي ساوى فيها بين ما وصفه بـ’الحكومة الشرعية في ليبيا’ و’الميليشيات المعتدية’ على العاصمة، في إشارة إلى قوات الجيش الليبي”، وأن الغنوشي “أوضح أهمية الاستيضاح حول التصريحات المُشار إليها، ومعالجتها بما يتناغم مع الموقف الثابت للدولة التونسية شعبا وبرلمانا وحكومة، والداعم للمؤسسات الشرعية في ليبيا المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي”.

ولم يستغرب الناشط السياسي الليبي، كمال المرعاش، استنجاد خالد المشري براشد الغنوشي، ورأى في اتصال هاتفي مع “الأوبزرفر العربي” أن “الأمر طبيعي، باعتبار أن الاثنين يتبعان تنظيم الإخوان المسلمين المدعوم ماليا من قطر وعسكريا وأمنيا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”.

وحذر من أن “مراهنة السلطات التونسية على الميليشيات ومستقبلها في ليبيا، خاطئة، لأن ليبيا لن تكون تحت حكم الميليشيات ولن يكون للإخوان المسلمين مستقبل فيها”، مؤكدا في هذا السياق أن “تآمر الغنوشي مع تركيا على ليبيا وطعنها في الظهر سيبقيان ماثلَيْنِ في ذاكرة الشعب الليبي… وللأسف ستكون لذلك تداعيات سلبية على مستقبل العلاقة بين البلدين”.

ومع ذلك، بدا واضحا أن استنجاد إخونجية ليبيا بالغنوشي اتخذ أشكالا مُتعددة؛ ذلك أن الرئاسة التونسية، وفي ساعة متأخرة من مساء الأربعاء، أعلنت أن الرئيس قيس سعيد أجرى اتصالا هاتفيا مع فايز السراج، أكد له فيه أن موقف تونس من الوضع في ليبيا لم يتغير، وأن “تونس تتمسك وستبقى متمسكة بالشرعية، فالقانون هو المرجع وهو الأساس”.

وأشارت في بيانها إلى أن الرئيس قيس سعيد أكد أيضا أن “التصريحات التي قد تصدر غير متسقة مع هذا الموقف إما أنها قد تمت إساءة فهمها أو تم الترويج لها بهدف الإيحاء بتغير الموقف الرسمي التونسي”، وذلك في إشارة واضحة إلى تصريحات وزير الدفاع التي لم يتوقف الجدل حولها.

وخلا بيان الرئاسة التونسية من أي إشارة أو وصف لحكومة السراج بأنها حكومة شرعية، ومع ذلك قال المكتب الإعلامي لحكومة السراج، في بيان له إن الرئيس التونسي جدد في اتصاله الهاتفي مع السراج “التأكيد على دعم بلاده لحكومته.

وتباينت الآراء حول ما جاء في بيان الرئاسة التونسية، حيث ذهب البعض من المراقبين إلى القول إن قيس سعيد تنصل من تصريحات وزير الدفاع، فيما رأى البعض الآخر عكس ذلك، منهم رافع الطبيب الذي أكد في تصريحه لـ”الأوبزرفر العربي” أن الاتصال الهاتفي الذي أجراه قيس سعيد مع السراج “جاء ليُوضح له أن المواضيع المتصلة بالأمن القومي والدفاع هي من الصلاحيات الحصرية لرئاسة الجمهورية ولا دخل للبرلمان التونسي ولا لمجلس الدولة الليبي في الحديث بشأنها”.

واعتبر أن “التدخل العسكري التركي المباشر في المعارك الدائرة في طرابلس وغربها يمثل عاملا أساسيا في إعادة ترتيب موازين القوى على الأرض، وقد سعت حكومة السراج وحلفاؤها إلى استصدار موقف رسمي تونسي يسهّل عمليات التدخل التركي، إلا أن موقف الرئيس قيس سعيد كان قاطعا في رفض أي نوع من أنواع التعدي على السيادة أو الانخراط في الأحلاف الإقليمية”.

وبين هذا الرأي وذاك، يتضح جليا حجم المأزق الذي بدأ يُحيط بإخونجية ليبيا، وكذلك أيضا الدور المشبوه لراشد الغنوشي، الأمر الذي دفع كمال المرعاش إلى التحذير من أن الغنوشي “يقود تونس الدولة والشعب إلى منزلق خطير، وهو مستنقع الفوضى الليبي، حيث يقف مع ميليشيات الإرهاب والدمار، وأخشى أن تصل هذه الفوضى إلى داخل تونس، إذا لم يتحرك التيار الوطني المدني، للحجر على الغنوشي وحركته وتحالفاته المشبوهة مع تركيا”.

طرابلس- الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى