خطاب أردوغان الإصلاحى يتهاوى أمام القبضة الأمنية بحق المعارضة التركية

أجهزة الأمن تدهم البيوت في 42 إقليم وتعتقل المئات من النشطاء والمحاميين والمعلمين

بعد أيام من صدور أحكام قضائية بالسجن المؤبد بحق نحو 500 شخص، بزعم المشاركة في الإنقلاب عام 2016، شنت أجهزة الأمن التابعة للنظام التركي، اليوم السبت، حملة اعتقالات واسعة طالت نحو 641 شخصا من المعارضة التركية وحزب العمال الكردستاني.

وتعرضت منازل في 42 إقليماً ومدينة لمداهمات أمنية حيث صادرت وثائق ومواد رقمية مزعومة لحزب العمال الكردستاني.

وكثفت أنقرة مؤخرًا من عملياتها الأمنية ضد ما يزعم بأنهم أنصار لحزب العمال الكردستاني . وتم احتجاز حوالي 100 من المشتبه بهم ، بينهم محامون ومعلمون ، بشكل منفصل في نوفمبر الجارى .

والشهر الماضي، اعتقلت سلطات النظام التركية مئات الأشخاص، بحثا عن 167 شخصا غالبيتهم جنود في الخدمة تزعم أنهم على صلة بفتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة انقلاب قبل أربع سنوات.

وقالت وسائل إعلام رسمية إن سلطات النظام التركي أطلقت حملة من إقليم أزمير الساحلي للبحث عن 110 مشتبهين بهم منهم 16 من الطيارين والضباط برتب كولونيل ولفتنانت كولونيل في 26 إقليما. وأضافت أن 89 منهم تم القبض عليهم.

وفي عملية منفصلة استهدفت أتباع غولن قالت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء إن الشرطة سعت لاعتقال 57 آخرين في 15 إقليما وأضافت أن 32 منهم اعتقلوا بالفعل.

والاعتقالات هي الأحدث في إطار حملة مستمرة منذ 2016 تستهدف معارضين بزعم صلتهم بغولن المقيم في الولايات المتحدة.

وينفي غولن أي دور له في الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 والذي سقط فيه 250 قتيلا.

ومنذ محاولة الانقلاب احتجزت السلطات 80 ألفا انتظارا لمحاكمتهم وعزلت أو أوقفت عن العمل 150 ألفا من العاملين بالدولة وأفراد الجيش وسرحت أكثر من 20 ألفا من الجيش.

وانتقدت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وحلفاء تركيا الغربيون نطاق الحملة قائلين إن الحكومة تستغلها لسحق المعارضة.

وفي سبتمبر الماضي، اعتقلت السلطات التركية 115 شخصاً معظمهم جنود في الخدمة الفعلية، لصلاتهم المزعومة بأحد مدبري محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.

وذكرت وكالة الأنباء الألمانية أنه تم اعتقال 94 شخصاً في إسطنبول من أصل 131 خلال مداهمات للشرطة التركية، في حين تم القبض على 21 شخصاً في إقليم إزمير المطل على بحر إيجه.

ونفذت الشرطة التركية مداهمات في 34 إقليماً، بعد إصدار أوامر اعتقال بحق 132 مشتبهاً به وهم 82 جندياً في الخدمة و50 آخرون، إما من العسكريين المتقاعدين أو من الذين تم طردهم من الخدمة بالقوات المسلحة، وأوقف 131 شخصاً، في حين لا يزال أحد المشتبه بهم هارباً.

واستمرارا لحملتها في ملاحقة المشتبه بهم خارج الحدود، قامت فرق قسم الشرطة الدولية-الأوروبية في مديرية الأمن التركية، بعملية اسفرت عن القبض على محمد شافيش أوغلو الذي تتهمه السلطات الامنية التركية بأنه عضو في منظمة بي كا كا، في العراق، وجلبته إلى تركيا.

وتتهم أنقرة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، وتقول إنه يقود حركة للتغلغل في أجهزة الدولة والجيش، وتصنف حركته منظمة إرهابية.

وفي المقابل، ينفي غولن، الحليف السابق لأردوغان، هذه الاتهامات.

ومنذ الانقلاب الفاشل، جرى اعتقال أو طرد عشرات الآلاف من العسكريين وموظفي الخدمة العامة من أعمالهم.

وفي ضوء هذه الهجمة على المعارضة التركية، يرى محللون أن حديث الإصلاح القضائي والاقتصادي، والدعوة لرفع سقف الحقوق والحريات التي تحدث عنها أردوغان في خطاب له يوم 18 نوفمبر، هي مجرد مناورة ومحاولة للالتفاف على مناقشة فرض عقوبات على تركيا من جانب الاتحاد الأوروبي في الاجتماع المزمع في 10 ديسمبر، وأن الأمر لا يعدو كونه وعودا زائفة.

وشككت رئيسة حزب “الخير” المعارض، ميرال أكشنار، بقدرة رئيس النظام التركي على تنفيذ إصلاحات تطال الاقتصاد والقضاء، مبررة شكوكها بأنها تجد أن أردوغان “يفتقر إلى الإرادة لإجراء الإصلاحات”.

وقالت في تصريح أمام كتلة حزبها بالبرلمان: “إنه لا يمتلك الإرادة لإجراء الإصلاحات التي يتحدث عنها، ولا يتمتع تشكيله الوزاري بالكفاءة لتنفيذ هذه الإصلاحات.. سيد أردوغان توقف عن تسويق حرصك على الحفاظ على منصبك لهذا الشعب تحت مظلة الإصلاحات”.

كما أوضح نائب رئيس الكتلة البرلمانية لـحزب الشعب الجمهوري، إنجين أوزكوتش، في مؤتمر صحفي، أن حكومة حزب العدالة والتنمية “قضت على نظام العدالة في تركيا”.

وأضاف: “في الجزء الثاني من توصيات أردوغان، قال سنعزز حكم القانون في الأشهر المقبلة، ووزير العدل عبد الحميد غول يتحدث عن الإصلاح القضائي، وكأنهم لم يخرقوا نظام العدالة بأنفسهم.. لقد انخفضت الثقة في القضاء إلى أدنى نقطة”.

وتابع أوزكوتش: “حكومات حزب العدالة والتنمية مسؤولة عن ذلك، لا يمكنك إنقاذ الموقف بالخروج الآن والمناداة بالإصلاح، كيف ستؤسسون دولة القانون التي لم تتمكنوا من إقامتها منذ 18 عاما في غضون أشهر قليلة؟ لا أحد سيصدق هذا. إلى جانب ذلك، هل يمكن الحديث عن أن هناك قانونا في بلد لا يتم فيه تنفيذ قرارات المحكمة الدستورية؟”.

أما أرغون أوزبودون، القيادي في حزب “المستقبل” المعارض، وهو خبير في القانون الدستوري التركي، فقد قال في تصريحات صحفية، إنه “لا يؤمن بصدق الحكومة في خطط الإصلاح القضائي”، ويعتقد أنه لن يكون هناك سوى إطلاق سراح “رمزي” لعدد قليل من الأشخاص.

واستطرد موضحا: “لست مقتنعا بأن حزب العدالة والتنمية سيسن إصلاحا قضائيا جادا، لأن الإصلاح الشامل سيعني التراجع الكامل عن سياسات الحكومة التي ترجع لسنوات. لا أعتقد أنه يعتزم ذلك بجدية”.

وتابع: “لكن، ما دام هذا النظام قائما، وطالما أن القضاء يعتمد على الحكومة، فستستمر هذه القضايا”.

وقال المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في تصريحات صحافية، إن استقالة بولنت أرينج، الذي شغل منصب مستشار الرئيس، “رسالة لحليف أردوغان، دولت بهجلي، الذي يمثل الجناح القومي المتطرف، ويساند حزب العدالة والتنمية بعد تغيير النظام إلى نظام رئاسي”.

وأضاف: “هذا الحزب لديه سياسات معينة وتوجهات محددة في استمرار النظام التركي بشكله الحالي، وممارسة سياسات القمع للأكراد، وأيضا الصحفيين الذين كانوا يعملون في مؤسسات فتح الله غولن، وسيمنع إحداث أي تحولات في المشهد السياسي التركي”.

واستطرد جوناي حديثه، قائلا: “دعوة الانفتاح على الاتحاد الأوروبي أو توسيع دائرة الحقوق وحريات التعبير، رسالة موجهة للاتحاد الأوروبي الذي سيجتمع في العاشر من ديسمبر المقبل، لمناقشة فرض عقوبات على تركيا. أعتقد أن هذه الدعوة كان هدفها الأساسي، إيصال رسالة للأوروبيين أن الحكومة ماضية قدما في إصلاحات، ربما توسع من سقف حريات التعبير وحقوق الإنسان”.

كما اعتبر المحلل السياسي أن هناك أيضا رسالة للإدارة الأميركية الجديدة، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن “كان لديها رسائل مباشرة للرئيس التركي، حذرت فيها من انتهاك حقوق الإنسان”.

من جانبه، قال المحلل السياسي التركي نوزاد صواش إن انتخاب بايدن “هز أدروغان”، مضيفا: “شعر الأخير بضرورة العودة للديمقراطية وحقوق الإنسان، لأن بايدن والاتحاد الأوروبي سيهتمون بذلك، ولو خالف هذه الأمور ستكون هناك عقوبات على نظامه، قد تضرب الاقتصاد التركي في مقتل، لذا بدأ التبشير بوجود إصلاحات في القانون والاقتصاد وغيرها”.

وتابع صواش: “تصريحات أردوغان عن الإصلاح، لم يستوعب بولنت أرينج أنها مجرد مناورة وليست نية صافية، فخرج على وسائل الإعلام يبشر بوجود إصلاح في القضاء والاقتصاد، ومعاقبة من ظلموا الناس، والعودة مرة أخرى لدولة القانون، لكن أردوغان بعدها هاجم حديث أرينج ولم يذكر حتى اسمه، كما قام شريكه في الحكم دولت بهجلي بتوجيه إهانات صريحة لأرينج وصفه فيها بالحمق والغباء”.

وأضاف: “هذا دليل على أن من المستحيل أن يعود أردوغان إلى الديمقراطية أو سيادة القانون، فهو مستمر في طريقه ولا يمكن لأحد أن يسلم من مقصلة أردوغان، فالقريب والبعيد سيذوقونها. أردوغان يخذل الجميع ولا مستقبل لتركيا في ظل حكمه.. لقد اتضح أن وعود أردوغان مجرد زيف وسراب”.

كما شكك الكاتب التركي إمره كونجار، في مقال له بصحيفة “جمهورييت” التركية، في التنفيذ الفعلي لما أعلنه الرئيس من إصلاحات في القانون والاقتصاد، واصفا تصريحات أردوغان بأنه “مجرد فقاعة هواء”.

وأوضح كونجار أن ما يثبت ذلك هو استقالة بولنت أرينتش، مستشار الرئيس وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، بعد أن دعا للإفراج عن صلاح الدين دميرتاش وعثمان كافالا، وهي التصريحات التي أزعجت الرئيس كثيرا.

ويرى المحلل السياسي التركي حسن سيفري، أن تصريحات أردوغان بشأن إصلاحات جديدة في القضاء والحقوق والتوجه نحو الاتحاد الأوروبي في ظل المشكلات الاقتصادية وتدهور الليرة، جاءت لأنه “يرى أن الوضع لن يستمر هكذا مستقبلا، خاصة في ظل نجاح بايدن بانتخابات أميركا”.

وتابع سيفري، أن “ردة فعل حليف العدالة والتنمية كانت باستخدام كلمات شديدة تجاه أرينج، لكن لم نر أي ردة فعل من حزب العدالة والتنمية دفاعا عن أرينج، مما يثبت أن استقالته تمت بضغط من حزب الحركة القومية، رغم وجود إشارات من داخل العدالة والتنمية تتحدث عن إصلاحات لدعم الاقتصاد التركي”.

واختتم حديثه بالقول: “نرى أن حزب الحركة القومية لا يريد وجود أي إصلاحات في القضاء والحقوق، ويضغط على أردوغان للبقاء على نفس الخط القومي المتشدد، الذي يمنع أي صوت معارض أو الذهاب نحو أي إصلاحات”.

 

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى