رئيسة وزراء إيطاليا تقع في شرك مواقفها من الإبادة في غزة

غضب عالمي على اعتراض إسرائيل لـ"أسطول الصمود"

عقب موجة احتجاجات واسعة تشهدها إيطاليا وانتقادات كثيرة تتعرض لها الحكومة، تواجه رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ضغوطاً متزايدة لاعتماد موقف أكثر صرامة حيال جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة، وذلك عقب اعتقال أكثر من 20 ناشطاً إيطالياً على يد قوات الكوماندوز الإسرائيلية.

واندلعت احتجاجات في مختلف أنحاء إيطاليا، الأربعاء، بعد أن اعترضت البحرية الإسرائيلية “أسطول الصمود العالمي”، المؤلف من 41 سفينة حاولت إيصال مساعدات إنسانية إلى غزة.

وشهدت البلاد في الأسابيع الأخيرة مظاهرات حاشدة وإضرابات واعتصامات لعمال الموانئ، ما كشف عن عمق مشاعر الرأي العام الإيطالي ضد حرب إسرائيل على غزة، في وقت أظهرت فيه استطلاعات الرأي تأييداً واسعاً للناشطين المشاركين في الأسطول، بحسب مجلة “بوليتيكو” الأميركية.

ووضع ذلك رئيسة الوزراء المتطرفة في مأزق حرج على الرغم من أنها تتمتع بأعلى درجات الاستقرار السياسي والنفوذ التي شهدها أي زعيم إيطالي منذ سنوات.

شروط ميلوني

وبينما اتجهت دول غربية وأوروبية أخرى نحو الاعتراف بدولة فلسطين، تصر ميلوني على أن إيطاليا لن تقوم بذلك إلا في حال الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وخروج حركة “حماس” من السلطة، في محاولة منها للحفاظ على علاقاتها مع إدارة دونالد ترمب المحافظة في الولايات المتحدة.

لكن الضغوط الداخلية المتصاعدة بشأن غزة، بما في ذلك موجة الإضرابات الكبرى، قد تدفعها إلى تعديل موقفها، الأمر الذي ستكون له تداعيات على المستوى الأوروبي أيضاً.

ومن المقرر أن يبحث قادة الاتحاد الأوروبي قريباً مقترحاً للمفوضية الأوروبية بفرض رسوم جمركية على إسرائيل؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، لكن تطبيق هذه الإجراءات يتطلب موافقة أغلبية مؤهلة من العواصم الأوروبية، وحتى الآن لم يتحقق هذا الشرط بسبب معارضة دول قوية بينها ألمانيا وإيطاليا.

غير أن تغيير روما لموقفها قد يفتح الباب أمام تمرير العقوبات التجارية.

ونقلت “بوليتيكو” عن مسؤول أوروبي رفيع، اشترط عدم الكشف عن هويته لمناقشة الحساسيات السياسية، إن “الضغوط الداخلية التي تواجهها ميلوني قد تدفعها لتأييد الإجراءات رسمياً خلال اجتماع القادة في أكتوبر”.

احتجاجات متصاعدة

ووفر احتجاز الأسطول، الذي كان على متنه 4 نواب معارضين من البرلمان الإيطالي، فرصة جديدة لخصوم ميلوني في الداخل للضغط عليها، خصوصاً قبيل الانتخابات المحلية في 6 مناطق إيطالية خلال الشهرين المقبلين، حيث تعهد مرشحون يساريون بجعل قضية فلسطين جزءاً من حملاتهم الانتخابية.

وتشهد المدن الإيطالية احتجاجات متصاعدة أيضاً، ففي نابولي، قامت مجموعات مؤيدة لفلسطين بإغلاق محطة القطار، بينما تظاهر نحو 10 آلاف شخص في روما متجهين نحو مقر رئاسة الوزراء قبل أن توقفهم الشرطة.

كما دُعي إلى مزيد من التظاهرات يومي الخميس والجمعة، فيما أعلن أكبر اتحاد نقابي في البلاد CGIL عن إضراب عام الجمعة فور الإعلان عن احتجاز الأسطول، في حين أغلق عمال الموانئ في جنوة بوابات الدخول إلى الميناء.

وفي البرلمان، وجّه قادة المعارضة انتقادات للحكومة، الخميس، متهمين إياها بالفشل في الدفاع عن إيطاليا أمام ما وصفوه بـ”هجوم غير قانوني” من إسرائيل.

وتساءلت إيلي شلاين، زعيمة الحزب الديمقراطي اليساري، عن سبب عدم وصف ميلوني لما حدث بأنه “عمل من أعمال القرصنة في المياه الدولية”.

موقف ميلوني من الاعتراف بالدولة الفلسطينية

وأضافت أن “موقف ميلوني بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يسخر من الإيطاليين، قائلة: “إما أن يتم الاعتراف بدولة فلسطين أو لا، ولا وجود لاعتراف مشروط”.

وشددت ميلوني، الخميس، على أن المعارضة تستغل قضية الأسطول سياسياً، معتبرة أن الإضرابات “لن تساعد الفلسطينيين، بل ستؤذي الإيطاليين”.

وفي فيديو نشرته على “فيسبوك”، قالت إن “المواطنين الإيطاليين سيواجهون في الأيام المقبلة، على ما أخشى، مختلف أشكال الإزعاج؛ بسبب قضية تبدو لي أقل ارتباطاً بالمسألة الفلسطينية وأكثر صلة بالشأن الإيطالي الداخلي”.

وكانت ميلوني قد صرّحت في وقت سابق بأن الأسطول تصرف “بشكل غير مسؤول”؛ لأنه قد يعرقل اتفاق السلام المقترح بين إسرائيل وغزة من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

إسبانيا تدرج مهاجمة أسطول الصمود ضمن تحقيق جار ضد إسرائيل

بدورها، أدرجت النيابة العامة في إسبانيا، هجوم إسرائيل على أسطول الصمود العالمي ضمن التحقيق الذي فتحته في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، بشأن الجرائم الدولية التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة.

وقالت النيابة العامة الإسبانية في بيان نشرته الخميس، إن الهدف من التحقيق هو تحديد نطاق الأحداث والظروف التي وقعت فيها.

وأضافت أنها أدرجت احتجاز السفن التي كانت ضمن أسطول الصمود العالمي المتجه إلى غزة ضمن التحقيق الذي بدأ في 18 سبتمبر/أيلول بخصوص الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان الدولية من قبل الجيش الإسرائيلي في غزة، وبغرض حماية مصادر الأدلة والتعاون مع المحاكم الدولية في عمليات التقاضي.

وطلبت النيابة العامة، في هذا الصدد، معلومات حول أعلام السفن المتضررة، والإحداثيات البحرية التي جرت فيها التدخلات، وجنسيات الأشخاص الذين كانوا على متنها، وطبيعة الشحنات وحمولتها، وكذلك المساعدات القنصلية المقدمة للمواطنين الإسبان.

وفي 18 سبتمبر/أيلول الماضي، بدأت النيابة العامة، تحقيقا لتحديد ما إذا كانت ممارسات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة تشكّل جرائم بموجب قانون العقوبات، وتشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي.

من جهة أخرى، دعا وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، ووزيرة الدفاع مارغريتا روبليس، في تصريحات لهما، الخميس، إلى الإفراج الفوري عن الناشطين في أسطول الصمود العالمي، الذين احتجزهم الجنود الإسرائيليون.

غضب عالمي على اعتراض إسرائيل لـ”أسطول الصمود”

وقد عمّ الغضب والتظاهرات عدداً من الدول حول العالم، وامتدت الاحتجاجات إلى عدد من المتاجر والمطاعم، إثر قرصنة إسرائيل أسطول الصمود، الذي كان متجها إلى قطاع غزة لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض عليه.

وتضمن ذلك مطالبات بإطلاق سراح الناشطين المحتجزين ومحاسبة إسرائيل على جرائمها وانتهاك القانون الدولي.

وواجهت إسرائيل استنكاراً دولياً بعد أن صعد جنود إسرائيليون مسلحون على متن نحو 40 قارباً كانوا يحاولون كسر الحصار لإيصال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني، واعتقلوا أكثر من 400 ناشط أجنبي من بينهم الناشطة السويدية في مجال المناخ جريتا ثونبرج.

وفي برشلونة، حطم المتظاهرون واجهات متاجر ومطاعم أو كتبوا عليها بالطلاء شعارات معادية لإسرائيل، ومنها (ستاربكس ومطاعم برجر كينج ومتاجر كارفور)، متهمين إياها بالتواطؤ في الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقالت إكرام أزاهوماراس، التي كانت من بين المشاركين في المظاهرات: “هذه الاحتجاجات هي الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به”، لكنها قالت إن تخريب المتاجر يؤدي إلى نتائج عكسية.

وأضافت: “لكن القيام بذلك على هذا النحو، لا أعتقد أنه أمر صائب… نحن بحاجة إلى القيام بذلك سلمياً، بكلماتنا وليس بالأفعال”.

وفي إيطاليا، أظهرت لقطات مصورة سيطرة طلاب على جامعات، منها ستاتالي في ميلانو ولا سابينزا في روما، ومنعهم الوصول إلى جامعة بولونيا باستخدام إطارات السيارات.

وأفادت تقارير لوكالات أنباء بأن المئات أوقفوا حركة المرور على الطريق الدائري في مدينة تورينو.

وقال منظمون إنه من المقرر أن يشارك أطباء وممرضون وصيادلة وغيرهم في مظاهرة بروما تضاء فيها المصابيح اليدوية والهواتف المحمولة وتقرأ فيها أسماء 1677 من العاملين في مجال الصحة الذين قتلتهم إسرائيل في قطاع غزة.

شرطة جنيف تستخدم الغاز المسيل للدموع ضد مظاهرة داعمة لغزة

وقال شهود لوكالة رويترز إن الشرطة السويسرية استخدمت الغاز المسيل للدموع ضد متظاهرين في جنيف نظموا مسيرة دعما لأسطول الصمود العالمي الخميس، وهو ما أكدته الشرطة.

وأفاد شاهد من المكان “كنا نتراجع وفجأة تعرضنا لغازات كثيفة”، ووصف إحساسا بحرقة في أعينهم وصعوبة في التنفس.

كما أفاد شاهد آخر لـ”رويترز” برؤية سيارة بيضاء كبيرة ترش الماء على الخط الأمامي للمتظاهرين، وهو ما أظهره أيضا مقطع فيديو بثته هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية.

وقال ألكسندر براييه المتحدث باسم شرطة جنيف إن نحو ثلاثة آلاف شخص، معظمهم من البالغين والشبان، شاركوا في الاحتجاج.

إضراب عام في إيطاليا

ودعت نقابات في إيطاليا إلى إضراب عام دعماً لأسطول المساعدات إلى غزة، ومن المتوقع أن تنظم أكثر من 100 مسيرة أو تجمع في أنحاء البلاد.

وكتب على منصة “إكس”: “هل يعتقد أحدهم حقاً أن إغلاق محطة أو مطار أو طريق رئيسي أو تدمير متجر في إيطاليا سيجلب الإغاثة للشعب الفلسطيني؟”.

تظاهرات في ألمانيا ضد إسرائيل

كما شهدت العاصمة الألمانية برلين مظاهرات داعمة لـ”أسطول الصمود العالمي” الذي انطلق بهدف كسر الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، واحتجاجاً على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدفه.
وتجمع مئات المتظاهرين في “ميدان ألكسندر” وسط برلين، وأمام مقر وزارة الخارجية الألمانية، معبرين عن غضبهم تجاه إسرائيل.

ورفع المتظاهرون، الأعلام الفلسطينية ولافتات وشعارات داعمة لفلسطين. وفي سياق متصل، قام 4 ناشطين برش جدران مدخل وزارة الخارجية الألمانية بالصبغ الأحمر، في إشارة إلى الدماء، احتجاجاً على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، والدعم الذي تقدمه الحكومة الألمانية لإسرائيل.

وخرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في دبلن وباريس وبرلين وجنيف للتنديد باعتراض إسرائيل أسطول الصمود، وخرجت كذلك مسيرات في بوينس آيرس ومكسيكو سيتي وكراتشي.

وسبق أن مارست إسرائيل أعمال قرصنة ضد سفن متجهة نحو غزة، إذ استولت عليها ورحّلت الناشطين الذين كانوا على متنها.

وتُعد هذه المرة الأولى التي تُبحر فيها عشرات السفن مجتمعة نحو غزة، التي يقطنها نحو 2.4 مليون فلسطيني، في محاولة جماعية لكسر الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 18 سنة.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى