سوريا والمشروع العربي

عبد الحميد توفيق

تقاطعت عندها الخيوط، وتشابكت حولها في غمرة دوامة الأحداث التي مرت عليها، وها هي الخيوط تتشابك وتتقاطع عندها وحولها تلمّساً لمسار مغاير لسابقه.

سوريا على موعد مع غد جديد رسمت ملامحه تحولات ومعطيات أحداث إقليمية ودولية بعضها مرتبط بوضعها الراهن والمقبل، وبعضها الآخر يؤثر فيها وتؤثر به كونها جزءا من المعمورة التي تأثرت بمجريات أحداثها.

في سلامها وفي اضطرابها؛ ظلت سوريا عنوانا للاهتمام، ومسرحا للاستقطاب، وسبيلا لبناء تحالفات سياسية مؤقتة أو ذات ديمومة. ثمة أقدارٌ تفرض الطبيعةُ سطوتها، وثمة أفكارٌ يبدعها الفكر الإنساني بكامل وعيه وإرادته.

ترجمت الإمارات مواقفها تجاه سوريا بعودة عمل سفارتها بدمشق قبل حوالي خمسة أعوام،  وسّعت دائرة الاهتمام بكل ما هو مرتبط بالوضع السوري ثنائيا وعربيا وإقليميا ودوليا.

أسهمت أفعال الطبيعة في كسر حواجز نفسية وسياسية وجغرافية بين السوريين وأشقائهم، وكذلك مع الكثير من دول العالم وشعوبه. تحول الاهتمام الإنساني وخطواته إلى منابر علنية التقى عندها الجميع على العمل من أجل طي صفحة الليل السوري الطويل بعد أن تأكد لهم وجوب الصحوة من هذا الكابوس الذي يضر بمصالح الجميع.

بدا أن الوقت يعمل لصالح سوريا وشعبها، تحركت مصالح الجوار وفرضت حضورها فاستكشفت أنها بحاجة للتلاقي مع مصالح الجارة السورية. انتهت صلاحياتٌ وأجنداتٌ عديدة بسبب فوات الأوان، فأيقن رعاتها أنه لا مناص من تحديث تصوراتهم وتطويع رغائبهم بما لا يتعارض مع مسلمات الدولة السورية حتى وإن طال المكوث بين المتاعب.

حين دقت ساعة الحقيقة وتقدمت لغة المصالح على ما عداها من رهانات، أدرك السوريون محورية الدور الذي منحتهم الطبيعة إياه بشقيه كميزة في كثير من الحسابات من جانب، وعبءٍ في بعض المنعطفات من جانب آخر، وأيقنوا أن التجارب القاسية تعلّم الإنسان أن جني الأرباح علم وفن ومهارة، وأن الخسارة يمكن أيضا أن تكون مقبولة حين يتعلم المرء كيف ومتى وأين يخسر.

التوجه التركي للتقارب والمصالحة مع الجارة سوريا محفوف بالسلاسة والانسياب مثلما هو محكوم بالتعقيدات والصعوبات بسبب التراكمات الثقيلة من الإرث الناتج عن سنوات الأحداث.

الملفات المشتركة المتناقضة بين الجارين حالياً كانت ذات يوم عوامل تلاقٍ وتفاهم، اليوم باتت عبئا على كليهما وتحتاج لقاءهما لحلها. القاسم المشترك بين أنقرة ودمشق لم يعد اليوم رهنَ تشابك المصالح وتعارضها في الآن معا، ولم يعد حكرا على قوى إقليمية ودولية مؤثرة وفاعلة في الاتجاهين فحسب، إنه الدور العربي الفاعل والفعال الذي وسّع مروحة حضوره على الساحة السورية أولاً، ومنها صوب الساحات المعنية بسلامة سوريا ووحدتها وسيادتها واستقلالها تمهيدا وتأسيسا لمخاطبة العالم الآخر بلسان عربي موحد الموقف والمنهج والهدف.

في العقد الأخير من الزمن تعرض العمل العربي المشترك لصعوبات كبيرة أنتجتها التحديات الداخلية التي واجهت عددا من الدول العربية إضافة إلى التدخلات الخارجية السلبية في عدد منها، لكن إرهاصات المشهد العربي اليوم أقرب ما تكون إلى التقاطع في الرؤى والوحدة في المقاربات المتعلقة بقضاياهم عموما وسوريا على قائمة أولوياتها بشكل خاص.

شكّل الوضع السوري عامل تحدٍ مزدوجاً للدبلوماسية العربية، في جانب منه بدا مصدرَ إقلاق وتوجس نظرا لتداخلاته وتعقيداته الداخلية والخارجية، وفي بعده الآخر أعطاها هامشا واسعا كي تنسج خيوط التوافق والتفاهم لعمل مشترك يعزز حضورها ودورها في معالجة قضايا البيت العربي بمعزل عن القوى الخارجية.. أيهما أكثر فائدة لسوريا؛ أن تخوض لوحدها صراع التفاوض والمصالحة مع الجارة تركيا برعاية دولة صديقة كروسيا، أم ستكون العوائد أكثر حين يكون العرب رافعةً لها ولمواقفها ولحقوقها إلى جانب روسيا؟.

ليس غريباً أن تعمل موسكو بدافع مصالحها القريبة والبعيدة على تحقيق إنجاز سياسي في المسألة السورية وتستثمر من خلال مساعيها عمقَ العلاقات التي تربطها مع كل دولة، ولذلك فإن مصلحتها أيضاً تتطلب دورا عربيا يمارس ثقله ويوظف علاقاته الإيجابية مع أنقرة دعما لمصالح الأطراف جميعا.

البساط العربي أمام سوريا بات ممدوداً، عودة سوريا إلى الجامعة العربية معيار أخلاقي أخوي أولاً، وسياسي معنوي ثانيا.

التماهي بين سوريا والعرب لا مفر منه. الإرهاصات على المسرح الدولي تشي بتحولات غير مسبوقة في استراتيجيات القوى الكبرى. التأسيس لمشروع عربي أصبح يمتلك جميع مقومات وجوده ومشروعيته بعد أن تحولت الرغبات إلى دوافع ؛ وقد وَعَتْ ذاتَها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى