ضابط كبير في مخابرات السلطة الفلسطينية يكشف تفاصيل اغتيال نزار بنات

عائلة الضحية ترفض لجنة التحقيق الحكومية وتطالب بتشكيل لجنة دولية

ما زالت قضية اغتيال الناشط الفلسطيني نزار بنات، الذي قتل على أيدي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تلقي بظلالها على مجمل الحياة السياسية الفلسطينية.

وقد كشف ضابط كبير في جهاز المخابرات العامة في الضفة الغربية، تفاصيل حصرية ومثيرة لما قبل وأثناء وبعد عملية اغتيال الناشط الوطني نزار بنات في الخليل قبل أيام على يد عناصر أمنية تتبع للسلطة.

الضابط الذي اعتاد نشر تسريبات حول جهاز المخابرات العامة خلال العامين الماضيين، قال إن عملية الاغتيال لم يكن مخطط لها بهذا الشكل، لولا شطط اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة، والانزعاج الكبير من نزار بنات عقب الفيديو الذي علّق فيه على فضيحة صفقة اللقاحات”.

وأضاف الضابط الكبير، أن نزار بنات الذي شكّل ازعاجا للسلطة ولأجهزتها الأمنية منذ سنوات، كان التوقيت هذه المرة ضده، ورغم تلقيه تهديدات كثيرة عبر عدة أطراف خلال الفترة الماضية، إلا أن الاغتيال لم يكن مطروحا على الطاولة وكانت كل التهديدات التي تلقاها نزار سواء من أجهزة الأمن أو أفراد في التنظيم للتخويف والردع فقط، ولكن فكرة القتل لم تكن حاضرة في أية لحظة حسب معلوماتنا”، وفق قوله.

فضيحة صفقة اللقاحات

ويطرح الضابط سؤال، “لكن ما الذي تغيّر الآن؟”، ويجيب، “أن تفجر فضيحة اللقاحات التي عقدها بصفقة فاسدة حسين الشيخ هي التي دحرجت الأحداث وصولا إلى التصفية الجسدية لنزار بنات”.

وأكد الضابط ، أن حسين الشيخ هو من أبرم صفقة تبادل اللقاحات مع الجانب الإسرائيلي بطلب الإسرائيليين أنفسهم وقد وقع اتفاقا معهم، وعندما تفجرت فضيحة قرب انتهاء مدة الصلاحية توجهت أصابع الاتهام لحسين الشيخ شخصيا، لا سيما وأن الجميع يعرف أنه يسيطر على وزارة الصحة بالكامل ويعتبرها بئر نفط يغرف منها اللي بده إياه ووقت ما بده، في ظل ضعف وجبن الوزيرة مي كيلة”، يقول الضابط في جهاز المخابرات العامة.

وأوضح أن ردود الفعل الشعبية والفصائلية والوطنية كانت حادة في نقد السلطة وحسين الشيخ حول اللقاحات، مستدركا “لكن الرد الموجع جاء كالعادة من الراحل نزار بنات وهو ما استفز الجميع خصوصا وأنه تطرق لقضايا حساسة في الفيديو الذي نشره تعقيبا على اللقاحات، وقد وصل الفيديو لماجد فرج الذي كان في زيارة للولايات المتحدة عن طريق العميد ناصر العدوي مدير العلاقات الدولية في جهاز المخابرات الذي كان يرافقه في الرحلة، وقد أرسل حسين الشيخ ذات الفيديو لماجد فرج”.

زيارة فاشلة لواشنطن

وفي تطرق بسيط لزيارة ماجد فرج للولايات المتحدة، كشف الضابط في المخابرات، أن فرج سافر وزوجته وعدد من أفراد عائلته ومعه العميد ناصر عدوي عبر طائرة خاصة للولايات المتحدة، واصفا الزيارة بـ “الفاشلة”، وأسباب الفشل وفق الضابط “لأن الأمريكان وبخوا ماجد فرج وطلبوا منه الاهتمام فقط في الأمن وعدم الحديث في السياسة، ولذا كانت معنوياتهم خلال تواجدهم في واشنطن محبطة، علما أن الإسرائيليين هم الذين طلبوا من الأمريكان استقبال ماجد فرج في هذا الوقت، وهو ذهب كي يحرضهم على عدة أطراف وأولها حركة حماس والجهاد الإسلامي”، على حد تعبيره.

وحول علاقة ناصر عدوي بماجد فرج، أوضح الضابط أن الجميع يعرف طموح عدوي لتولي منصب نائب رئيس جهاز المخابرات بعد المؤامرة المحبوكة على اللواء عزام زكارنة الذي رفض ماجد فرج إعادته لوظيفته خلافا لقرار الحكومة بعودة كل من ترشحوا للانتخابات التشريعية، بل قام اللواء ماجد فرج بنقل كل الأفراد الذي كانوا يعملون في مكتب نائب رئيس الجهاز عزام زكارنة وتوزيعهم على الإدارات الأخرى كي يقطع عليه أي أمل بالعودة للجهاز ولإرضاء العدوي”.

وأشار الضابط إلى أن ” ناصر العدوي انتكس نفسيا عدة أشهر عند تعيين زكارنة بمنصب نائب رئيس الجهاز بمرسوم رئاسي، وحرد من ماجد فرج، قبل أن يستعيد عافيته بعد خروج زكارنة وتعزز طموحه حاليا لشغل المنصب رغم اعتراض معظم ضباط المخابرات على ذلك”.

التوبيخ الأمريكي

وأوضح الضابط الكبير أنه “وفي ظل هذه الأجواء المحبطة تلقى اللواء ماجد فرج وهو في أمريكا ردود الأفعال الغاضبة في الضفة الغربية على فساد صفقة اللقاحات ووصله فيديو نزار بنات من الجهاز نفسه ومن حسين الشيخ الذي كان مضغوطا جدا، ليس من حجم الهجمة الشعبية عليه ولكن من خوفه بالإخلال بالاتفاق الذي وقعه مع الإسرائيليين” كما يؤكد المصدر.

أوضح الضابط الكبير في جهاز المخابرات العامة بالضفة أنه وتحت وقع الضغط النفسي من التوبيخ الأمريكي لماجد فرج، كانت ردة الفعل الانفعالية موجهة نحو نزار بنات.

وكشف الضابط، أن “مدير العلاقات الدولية في الجهاز العميد ناصر عدوي قام بالاتصال عدة مرات بعدد من الزملاء في المقر بأمر من اللواء ماجد فرج لإيقاف نزار بنات عند حده وقد وصفه بالمرتزق وقال جملته المشهورة (اللي بدو يعري السلطة بنعريه احنا)”، كما نقل الضابط.

ويسترسل “في الوضع الطبيعي ناصر عدوي غير مخول أو مكلف بإصدار تعليمات للإدارات الأخرى في الجهاز خاصة في أمور الضبط والتنفيذ ولكن وجوده بجوار اللواء ماجد ومرافقته في السفر وضعته في موقف الناقل للأمر فأصدر التعليمات نقلا عن لسان اللواء ماجد فرج الذي وعد حسين الشيخ بمعالجة الموضوع وقال له إنه سيكون بعد يومين في رام الله والظاهر أن ناصر عدوي كان ينقل تعليمات صارمة واستعراضية ونهائية وهذه طبيعته ولم يخترعها حديثا خصوصا في الاستعراض ونحن نعرف ذلك بحكم عملنا معه”.

المكلف بمتابعة التنفيذ

وعن تفاصيل جريمة القتل، كشف الضابط الكبير أن العميد العدوي كان يتابع أمور التحري عن مكان نزار بنات في اليوم السابق للاغتيال ويُبلغ اللواء ماجد بالتطورات، وقال إنه “يجب على الجميع معرفة أن جهاز المخابرات ما كان ينوي قتل نزار بنات ولكن اللواء ماجد طلب خلال رحلة عودته من أمريكا أن تكون العملية مشتركة مع جهاز الأمن الوقائي، وقد زود جهاز المخابرات، الأمن الوقائي بالمعلومات عن مكان البيت الذي يتواجد فيه نزار”، وفق قوله.

وفجّر الضابط الكبير في جهاز المخابرات العامة مفاجأة صادمة بقوله “لم يكن هناك أمر بالتصفية ولكن التحريض على نزار كان كبيرا جدا وجرى اختيار الشباب الذين نفذوا عملية الاقتحام والاعتقال بعناية من رام الله والخليل وهو ما يفسر عملية العنف في الاعتقال، وحسب معلوماتنا كان نزار متماسك رغم شدة الضرب في البداية حتى حمله في الدورية، ولكن الذي حصل هو أن نزار مات بعد هيجان الشباب خلال عملية الضرب وهم يصوروه في فيديو كي يرسلوا المقطع للواء ماجد فرج وللأسف كانوا يصوروه وهو عاري الجسد لأنهم فهموا كلام اللواء ماجد فرج الذي نقله المدعو ناصر عدوي حرفيا”.

وتحدى الضابط في جهاز المخابرات العامة أن ينكر اللواء ماجد فرج وجود فيديو لعملية القتل خصوصا وأن “نزار فاضت روحه وهو تحت التصوير والضرب تحديدا من عناصر المخابرات علما أن نزار تلقى أول الضربات في منزل عمه من أفراد الأمن الوقائي ولكن عملية التعذيب والهمجية في القتل وتجريده من الملابس كانت لأجل الفيديو للواء ماجد فرج على يد عناصر المخابرات، وكله لعيون حسين الشيخ”.

توفي في أقل من ساعتين

وقال المصدر الكبير في جهاز المخابرات العامة “أن نزار توفي بعد أقل من ساعة وأربعين دقيقة من عملية الاعتقال ويا ريت يتم نشر تقرير الطب الشرعي كاملا “.

وأضاف “أن شباب القوة قد انصدموا من وفاته خصوصا بعد أن هدأوا وتلعثموا في كيفية التصرف وجرى إخبار المحافظ جبرين البكري فجرا كي يعلن الخبر وبتنسيق بين الجهاز والأمن الوقائي وهذه مصيدة وسخة من اللواء ماجد فرج لها علاقة بالصراعات الداخلية”.

ويفسر الضابط الكبير قوله “إن أكبر خطأ ارتكبه محافظ الخليل هو أنه وافق على طلبهم وتولى عملية الإعلان عن وفاة نزار بنات وهذا يعود لأنه ارتبك، وكان الأفضل له أن يعتذر عن الإعلان ويجعل الأجهزة التي نفذت تعلن عن الوفاة ولكن اللواء ماجد فرج أراد أن لا يتحمل المسئولية وحده وأراد جر الفريق جبريل الرجوب للمربع، خصوصا وأنه من مدينة دورا  أي نفس مدينة نزار بنات وأن الأمن الوقائي والمحافظ جبرين البكري محسوبين عليه، وهذه لعبة حقيرة ومكشوفة خصوصا وأن من يروج الآن اسم ماهر أبو الحلاوة نائب رئيس الأمن الوقائي في الخليل كمتهم أول هم أفراد محسوبين على جهاز المخابرات لأنهم يريدوا أن يتحمل الأمن الوقائي المسؤولية بالدرجة الأولى”.

ارتباك في جهاز المخابرات

وقال المصدر “إن هناك حالة ارتباك كبيرة في الجهاز وقد شارك اللواء ماجد فرج في اجتماع أمني يوم الجمعة في المقاطعة لقادة الأجهزة الأمنية الذي حضره حسين الشيخ أيضا، وهناك مراهنة على الوقت من أجل نسيان القضية واسترضاء عائلة بنات للتخفيف من الاحتقان الداخلي ومحاولة ربط ردة الفعل في الضفة الغربية بحركة حماس لحرف مسار الحراك الشعبي، ولكن التوتر الحقيقي في الجهاز يأتي من خطورة استمرار ردود الأفعال الشعبية والدولية وهناك كابوس كبير يطارد الجميع الآن وهو الخوف من رفع القضية للمؤسسات الدولية وتدخل بعض الدول للضغط لأنه حينها سيكون هناك ثمن حقيقي”.

التنسيق مع إسرائيل

وأضاف المصدر “أن اللواء ماجد فرج تحدث مع الإسرائيليين مرتين حول هذا الأمر خصوصا وأن الجهاز هو من تولى عملية التنسيق لدخول القوة الأمنية لبيت عم نزار الذي يوجد في مناطق سي، ولكن الناس يجب أن تعرف أننا أمام فرصة نادرة للتصعيد السلمي للتخلص من ماجد فرج وحسين الشيخ وهو ما جعلنا نظهر للتحدث من جديد فالأمل موجود لخلاص حركة فتح من الخونة الذين أساءوا لها”.

وتابع حتى “إياد ريان وماهر أبو الحلاوة ليسوا بحجم الجريمة وهناك محاولة لتصدير أسمائهم كي يدفعوا الثمن وحدهم وهذا ما نلمسه في النقاشات المغلقة بالجهاز لو اشتدت حملة الضغط الشعبي ورافقها حملة ضغط دولي”.

وتوقع الضابط في جهاز المخابرات العامة “أن تتم تصفيه ماهر أبو الحلاوة وتحميله المسؤولية بعد موته عن اغتيال نزار بنات وهي أقل الخسائر بدلا من أن يتحمل المسئولية اللواء ماجد فرج أو حسين الشيخ أو حتى اللواء زياد هب الريح الذي نؤكد على أنه تفاجأ من عملية الاغتيال ولم يكن يعلم أن المخطط بهذا الشكل، رغم انزعاجه من نزار بنات الله يرحمه”، وفق قوله

وتوعد الضابط في جهاز المخابرات باستمرار التسريبات للتناغم مع حراك الشارع الفلسطيني قائلا “إن فتح لا تتحمل المسئولية عن هذه الجرائم وحركة فتح مثل الراحل نزار بنات ضحية مجرمين تسلطوا عليها وعلى كل الوطن”.

وأكد أن “الخيانات موجودة في التنظيمات الكبيرة والمؤثرة وفتح ليست استثناء وعلينا عدم الانجرار لاستفزاز القواعد الفتحاوية لأنها قواعد وطنية وتدفع ثمن تسلط حسين وماجد وأشكالهم عليها ويجب حصر المشكلة بالقيادات الفاسدة”.

عائلة بنات

وعقدت عائلة بنات مؤتمر صحفي مساء يوم الاثنين، طالبت خلاله السلطة الاعتراف بأن جريمة حدثت، وتحديد أطراف هذه الجريمة ومرتكبيها، مشددةً على أن ما حدث لنزار جريمة قتل متكاملة الأركان وهو شهيد الكلمة.

وقالت العائلة، إن “رئيس السلطة محمود عباس لم يتصل بنا ولم يكترث بالجريمة”.

وأكّدت أن ما وقع جريمة يجب تحديد أطرافها من لجنة حيادية موثوقة تتكون عناصرها من عناصر، ومكونات ذات طابع حيادي أخلاقي أمام الملأ وتُعلن أسماء أعضاءها.

وشددت على أن بعد وقوع الجريمة يجب البدء بعملية الاعتقال، داعيًة إلى يجب تحديد الجهات الرسمية التي تدير ملف الأمن تخطيطًا وتنفيذًا ومراجعة وتقييمًا وإيقاعًا للعقوبات.

وأشارت العائلة، إلى أن نزار كان يستخدم الكلمات الحرة من أجل الإصلاح، وهو حق مشروع في المحافل الدولية.

 وتابعت أن ” لا يمكن أن يكون الخصم حكمًا لا نقبل لجنة تحقيق منقوصة عرجاء معظم أعضائها يمثلون السلطة”.

ونوهت إلى أن معظم اهتمام الجهات الرسمية عند وقوع الجريمة، كان منصباً على تهريب الجثة.

لن أعترف بلجنة التحقيق

وحثت العائلة، بأنّه يجب اعتقال العناصر التي نفذت قتل نزار تحت جنح الظلام، وتقديمهم للمحاكمة بصورة علنية.

وأعربت عن رفضها لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة؛ لأن كل أطرافها من السلطة الفلسطينية وهذه شريعة الغاب.

وأكملت بالقول: إن “نزار ابن الشعب الفلسطيني والعربي، ولم ولن نمنح الرئاسة برام الله صورة أو مكالمة، ونرفض لجنة التحقيق الحكومية”.

ونوهت العائلة، إلى أن نزار كان يصارع الموت منذ اللحظات الأولى لاعتقاله، ومحافظ الخليل جبرين البكري كان يغطّي على الجريمة عندما أعلن عن وفاة نزار بسكتة قلبية.

وأكدت أنّ “لا يوجد مذكرة اعتقال بحق نزار بنات، وأتحدى النائب العام بأن يثبت عكس ذلك”.

بدورها، ذكرت زوجة نزار بنات، أن “لن أعترف بلجنة التحقيق التي شكلتها السلطة لأنهم هم من نفذ الجريمة.

99 منظمة حقوقية وأهلية تدين الجريمة

وأعلنت أكثر من 99 منظمة حقوقية وأهلية فلسطينية إدانتها لجريمة الاغتيال واعتبرتها انتكاسة خطيرة لحرية الرأي والتعبير في فلسطين.

وقالت المنظمات في بيان لها، الاثنين، “نحن المؤسسات والائتلافات الحقوقية والأهلية نعلن إدانتنا للتصفية الجسدية (الاغتيال) للناشط الحقوقي والمعارض السياسي المرشح لانتخابات المجلس التشريعي نزار بنات، التي قامت بها الأجهزة الامنية للسلطة فجر الخميس (24/6/2021) في محافظة الخليل.

واعتبر الموقعون على البيان “هذه الجريمة انتكاسة لحرية الرأي والتعبير في فلسطين المحتلة، ناهيك عن كونها إساءة كبيرة للشعب الفلسطيني ووصمة عار إضافية في جبين حكومة السلطة الفلسطينية في الضفة الفلسطينية يندى لها جبين كل فلسطيني وفلسطينية وكل حر في العالم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى