ضرورات كورونا تخضع النهضة الإخونجية لمطلب رئيس الحكومة في تونس

لم يكن تصويت حركة النهضة الإخونجية على منح رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ التفويض الذي طلبه بريئاً، ولا معزولا عن سياق الترتيبات الجارية لما بعد الحرب على جائحة كورونا، وما قد تخلفه من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية بالنظر إلى توقيته الذي حمل رسائل قابلة للتأويل في اتجاهات مُتعددة.

وقد صادق مجلس النواب (البرلمان) التونسي، على مشروع قانون يتعلق بالتفويض لرئيس الحكومة بإصدار مراسيم، بهدف مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا المُستجد، وسط غموض حول حقيقة موقف حركة النهضة الإخونجية برئاسة راشد الغنوشي، والدوافع التي جعلتها تُصوت لصالح هذا التفويض الذي رفضته في بادئ الأمر وسعت إلى إجهاضه.

ولم تُبدد التصريحات الصادرة عن مسؤولي هذه الحركة، هذا الغموض رغم كثرة ما تضمنته من مفردات “الوحدة الوطنية”، و”المصلحة الوطنية العليا” لتبرير التصويت على مشروع قانون التفويض المذكور الذي أثار جدلا سياسيا واسعا قبل المصادقة عليه عكس عمق انعدام الثقة بين الرئاسات الثلاث الذي عمّقه الصراع المكشوف على الصلاحيات.

وصوت لصالح التفويض المذكور الذي استند على ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور، 178 نائبا من أصل 217، بينما رفضه 17 نائبا، وتحفظ عليه نائبان اثنان، وذلك خلال جلسة عامة حضرها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي أكد أن وقف العمل بهذا التفويض “سيتم حالما ينتفي السبب الرئيسي باستعماله”.

وسيُمكن هذا التفويض، الذي طالب به الفخفاخ في الثاني والعشرين من مارس الماضي، الحكومة من إصدار المراسيم دون الرجوع إلى البرلمان، الأمر الذي سيمنحها الكثير من المرونة في اتخاذ القرارات، وخاصة منها المُتعلقة بتعبئة الموارد المالية للدولة من الداخل والخارج التي كانت سابقا تتطلب موافقة البرلمان.

واستند الفخفاخ في هذا الطلب على ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور التي تنص على أنه “يمكن لمجلس نواب الشعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون لمدة محدودة لا تتجاوز الشهرين ولغرض مُعين إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تُعرض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس. يُستثنى النظام الانتخابي من مجال المراسيم”.

وقابلت حركة النهضة الإخونجية هذا الطلب في حينه برفض واضح، حيث جاءت بياناتها، ومواقف مسؤوليها، مشحونة في مجملها بالتشكيك والتوتر، وحتى الاتهامات التي لم تخل من لغة المؤامرة، الأمر الذي تسبب في ارتفاع منسوب التوتر السياسي الذي تحول إلى نزاع واضح ومكشوف حول الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبالتحديد بين راشد الغنوشي بصفته رئيس البرلمان، وإلياس الفخفاخ، والرئيس قيس سعيد.

وأربك ذلك السير العادي لمؤسسات الدولة، وساهم في تزايد التكهنات حول الأبعاد والخفايا التي دفعت حركة النهضة الاسلامية إلى إثارة هذا النزاع في توقيت يبدو مقصودا بحد ذاته، خصوصا مع التداعيات التي رسمها في علاقة بالحرب المفتوحة على فايروس كورونا، والطريقة التي اعتمدتها هذه الحركة التي جاءت خارج سياق اهتمامها بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية في مثل هذه المرحلة.

وبدا واضحا خلال الأسبوعين الماضيين، أن موقف حركة النهضة الإخونجية كان مُحددا بأهداف وغايات ليست بعيدة عن مُخططات ومناورات تؤشر على أن الغاية من ذلك هي إضافة جزء من معادلة الصراع في الأجندات داخل منظومة الحكم وخارجها، بما يُمكنها من الحفاظ على موقعها كعنصر فاعل في اتخاذ القرار السياسي العام في البلاد.

ودفع هذا الموقف الذي فاجأ غالبية الأوساط السياسية، إلى بروز سلسلة من التقديرات التي لا تستثني حسابات الواقع الراهن للمشهد السياسي، وما يلحق به من توازنات في علاقة بموقع حركة النهضة، حتى أن محمد كريم كريفة، النائب عن الحزب الدستوري الحر، لم يتردد في القول لـ”الأوبزرفر العربي” إن موقف حركة النهضة “يُخفي مناورة جديدة رغم أن واقع الأمور فرض عليها مثل هذا الموقف”.

واعتبر أن كل الدلائل تُشير إلى أن “مناورات هذه الحركة لن تتوقف، وستتواصل للدفاع عن مصالحها الخاصة، حتى وإن غلفت مواقفها بغطاء الوحدة الوطنية، ذلك أنه من الجنون السياسي الثقة في هذه الحركة التي تريد الهيمنة على المشهد وتغيير النمط المجتمعي للبلاد بما يتماشى مع البرنامج الذي حلم به حسن البنا”.

ويجد هذا الرأي صدى له لدى عدد كبير من المراقبين والمتابعين للشأن التونسي، باعتبار أن التجارب السابقة أثبتت أن مواقف هذه الحركة تتبدل وتتغير وفقا لحسابات مصالحها الآنية والقادمة، وليس على قاعدة المصلحة الوطنية، وهو ما أكده منجي الحرباوي، القيادي في حركة نداء تونس الذي وصف موقف حركة النهضة بـ”المُخاتل”، و”المُخادع”.

وقال لـ”الأوبزرفر العربي” “إن هذا الموقف لا يخلو من الرسائل السياسية التي تؤكد للمرة الألف ازدواجية الخطاب لدى هذه الحركة، حتى وإن كانت إكراهات الواقع في علاقة بالحرب على فايروس كورونا المستجد هي التي أملته، ذلك أن تركيزها على محاولة تأويل نص التفويض يعكس في واقع الأمر أنها لا تثق في الحكومة الحالية رغم أنها مشاركة فيها”.

وتكشف هذه القراءات أن حركة النهضة تُحاول من خلال موقفها المُلتبس تقليص مساحة تخوفاتها، والتخفيف من وطأة التطورات المرتقبة، وخاصة أنها تُدرك قبل غيرها أن رصيدها الشعبي بدأ يتآكل بعد أن فقدت الكثير من الأوراق التي تظنها فاعلة لفرض تصوراتها.

 

الأوبزرفر العربي- تونس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى