عشر حقائق مصرية حول الأزمة الليبية

محمد أبو الفضل

أثار الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وسط عدد من القيادات العسكرية، بحضور بعض مشايخ القبائل الليبية، الكثير من التساؤلات والتفسيرات حول موقف القاهرة من الأزمة الليبية.

وبصرف النظر عمن اطمأنوا وارتاحوا لمحتواه ورسائله، ومن قلقوا وغضبوا من إشاراته، فهو وضع الكثير من النقاط على الحروف حيال التدخل العسكري، لأن الزمان والمكان كانت لهما دلالات لدى من يهمهم الأمر.

كنت ضيفا على قناة العربية- الحدث، مساء السبت، وسألني المذيع محمود الورواري، عما كتبته بشأن ترجيحي عدم تدخل مصر عسكريا في ليبيا بجريدة “العرب” من قبل، على ضوء تصريحات السيسي. لم أنكر ما كتبته منذ أشهر، ولا زلت اعتز به، لأنه في الوقت الذي كان كثيرون يشيرون فيه إلى اقتراب القاهرة من الخيار العسكري، استبعدته بناء على معطيات مختلفة.

تمحورت إجابتي حول نقطتين، الأولى أن الكتابة الصحافية مرتبطة بالأحداث اليومية والأجواء السياسية التي تحيط بها، والتحليل يأتي من رحمها، أو من قدرة الصحافي الحصول على معلومات تثبت أو تنفي، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك نية فعلا للتدخل مباشرة، إلا إذا كان هناك اعتداء على الأمن القومي المصري، وهنا تسقط الممانعات والكثير من الحسابات، وهذا لم يحدث طوال الأشهر الماضية.

النقطة الثانية، أن كلام السيسي، عندما أشار إلى التدخل العسكري، ربطه بمجموعة من الضوابط، الغرض منها توضيح أن هذا الخيار لم يأت من منطلق الرفاهية، وبات أقرب من أي وقت مضى، في ظل تمادي تركيا في انتهاكاتها ورغبتها في التمدد شرقا نحو سرت وجنوبا نحو الجفرة، وتغيير معالم الجغرافيا والتاريخ والأمن والاقتصاد والسياسة.

لتكون الرؤية أكثر وضوحا، يمكن تلخيص الموقف المصري من ليبيا في عشر محددات، لأن حديث السيسي، يوم السبت، فتح الباب لشجون وترحيب ومباركة، ولهموم وشغب وتراشق وتطاول، أكثر مما هو معتاد. حيث أراد أنصار الفريق الأول التعبير عن غبطتهم، واعتبروا الكلمات الحادة رسالة لتخليص الليبيين من مشكلة المرتزقة والميليشيات الذين تحتضنهم تركيا، وحاول مؤيدو الفريق الآخر التقليل من أهمية الخطاب كنوع من الخيبة والقلق أيضا.

المحدد الأول: منح عملية تسوية الأزمة سياسيا أولوية قصوى، في إطار مخرجات مؤتمر برلين، ورعاية الأمم المتحدة، ما أكد عليه إعلان القاهرة في 6 يونيو الجاري، ولا يزال هذا الطريق مفتوحا، كطوق النجاة للشعب الليبي، ودونه سوف يظل المتطرفون يمرحون في طرابلس، لذلك يعمل هؤلاء ومن يقفون خلفهم في الداخل والخارج على عرقلة أي مبادرة، واصطناع الأسباب التي تؤدي لتفشيلها.

المحدد الثاني: العمل العسكري موضوع على الطاولة، في حالة تعرض الأمن المصري لضرر يفرض التدخل، وهناك جاهزية عالية للتعامل مع المفاجآت. ولعل مشاهد الطائرات والمجنزرات والوحدات الخاصة، بالقرب من الحدود الغربية، تعزز هذا الاتجاه. كل ذلك في إطار من احترام الشرعية الدولية، وعدم استباحة أراضي الدول الأخرى لتحقيق أطماع معينة، أو رسم خرائط جديدة.

المحدد الثالث: قوة مصر رشيدة، ولا ترضى القيام بغزوات على غرار ما تقوم به تركيا في كل من سوريا والعراق وليبيا، والرشد حكمة وقوة، وليست ضعفا أو ترددا، فمهما بلغ الجيش المصري من تقدم في تصنيفه العالمي لن يستثمر في قهر آخرين، أو يخضع لاستفزازات من هنا وهناك، فالضوابط التي يعتمد عليها تجعله جيشا مصريا وعربيا في المقام الأول، هدفه الدفاع والردع، والهجوم عند اللزوم.

المحدد الرابع: التدخل باستدعاء ليبي في المقام الأول، ومن خلال البرلمان، وهو الجسم المنتخب الوحيد من الشعب على الساحة الليبية، في حين التشدق التركي بأن التدخل جاء باستدعاء من حكومة الوفاق في طرابلس تنقصه الشرعية القانونية، فاتفاق الصخيرات انبثقت عنه الحكومة الحالية ومجلسها الرئاسي وهما يفتقدان للشرعية، لأن مدتهما انتهت رسميا، ولم يحصلا على موافقة البرلمان حتى الآن، على الرغم من مضي نحو خمس سنوات عليهما.

المحدد الخامس: سرت والجفرة خط أحمر، فأي تقدم من قبل عناصر الوفاق المدعومة من المرتزقة والمتطرفين والعصابات المسلحة، سيواجه بردع مصري مبكر. وهذه أول رسالة رسمية لتركيا، التي ردد عدد من المسؤولين فيها كلاما يفيد بالتقدم نحو سرت وما بعدها والسيطرة على ثرواتها، فمصر وليست روسيا كما راج مؤخرا، ستتصدى لمن تسول لهم أنفسهم التقدم نحو شرق ليبيا، وخط وقف إطلاق النار منذ إعلان القاهرة، هو الذي يرسم خط الهدنة الضمني.

المحدد السادس: تكاتف القبائل الليبية الممتدة مع مصر خطوة مهمة لتحرير ليبيا، في إشارة واضحة بأن أنقرة تحتمي بمرتزقة وتدعم إرهابيين، بينما تتقدم القاهرة وهي مؤيدة من فئة وطنية مهمة في المعادلة السياسية والأمنية والمجتمعية، وهذا التكاتف كفيل بأن يكشف حجم نفوذ مصر وتركيا في ليبيا. وإذا كان البعض تحدث عن بضعة آلاف لهم جذور تركية في مصراتة أو غيرها، فالروابط الاجتماعية بين المصريين والليبيين وروافدهما باقية في البلدين حتى الآن، وتعد بالملايين.

المحدد السابع: وحدة أراضي ليبيا والحفاظ على استقرارها عملية رئيسية في التحركات المصرية عبر التاريخ، ومن يريدون وضع قواعد عسكرية ونشر المتطرفين، وتعبيد الطريق لتدفق المرتزقة يعملون على تفتيت وحدة الدولة التي تهدد مصالحهم، وهذا منطق قطاع الطرق والجماعات الإرهابية والطامعين في الثروة والسلطة، حيث لا تستقيم الوحدة والأمن والاستقرار مع أهداف هؤلاء، والتي تتغذى على الفوضى والانفلات.

المحدد الثامن: ثروة ليبيا يجب أن تكون ملكا لشعبها، ولا يحق لتركيا أو غيرها السطو عليها ونهبها، أو صرف جزء كبير منها على جلب المرتزقة وتمويل الإرهابيين، وتؤكد تجربة المصرف المركزي الليبي عدم التوزيع العادل للمداخيل المالية بين الشرق والغرب والجنوب، والإنفاق ببذخ على عمليات غير قانونية، ووضع ميزانيات باهظة تحت تصرف بعض الأشخاص.

المحدد التاسع: القضاء على فكرة تمركز الإرهابيين وتوابعهم، لأن وجود بؤر لهؤلاء يجعل الأمن بعيدا عن التحقق في ليبيا، ودول الجوار، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، ومن الضروري العمل على استئصال شأفتهم قبل أن يتحولوا إلى بركان غاضب قابل للانفجار، ويخلط الأوراق، بما يفضي لمزيد من الصراعات.

المحدد العاشر: التعامل مع جميع الفرقاء الليبيين بلا تصنيفات أيديولوجية. نعم كان هناك انحياز مصري للجيش الوطني المتمركز في الشرق، لكنه جاء ضمن رغبة في توحيد المؤسسة العسكرية النظامية، وسط جيوش الميليشيات والإرهابيين، وهذا لم يمنع الحوار الجاد مع الكثير من القوى الوطنية في الغرب والشرق.

 

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى