عودة العلاقات لا تمنع الحذر بين مصر وقطر

محمد أبو الفضل

عادت العلاقات السياسية بين مصر وقطر مؤخرا، لكنها لم تمنع الحذر في الرهان على حدوث نقلة نوعية في هياكلها الرئيسية، فلا تزال اللجنة القانونية تعمل ولجنة المتابعة المشتركة تواصل مهمتها، وكلتاهما تعقدان اجتماعات شبه دورية، وستعقد لجنة المتابعة جلسة جديدة بعد أيام لمناقشة بعض القضايا التي لا تزال عالقة، وهو دليل إضافي على أن هناك ملفات لم تتم تصفيتها بعد.

أوحت التصريحات الفضفاضة التي أدلى بها السفير القطري الجديد في القاهرة الاثنين بأن عملية التصحيح بحاجة للمزيد من الوقت، حيث أشار إلى تعاون وتنسيق ودعم من دون أن يذكر مجالا معينا أو رقما محددا.

ربما استشعر الرجل بحكم منصبه أن لغطا إقليميا يدور حاليا فأراد تبديده، لأن علاقات الدوحة مع القاهرة وقفت عند مرحلة أقل مما كان متوقعا ولم تتجاوزها. مرحلة تبدو فيها قطر تحرص على التفرقة في التعامل بين دول المقاطعة العربية، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وهو ما يستدعي الحذر، فقمة العلا الخليجية كانت واضحة في مبدأ المصالحة وتركت التطبيق والتكييف حسب كل دولة.

في الوقت الذي قطعت فيه قطر شوطا إيجابيا مع كل من السعودية والإمارات، بدأت ملامح التوتر تتصاعد مع البحرين عقب فتح قناة الجزيرة ملفات مثيرة في المنامة يعبر التطرق إليها عن استهداف سياسي وعدم رغبة في تطوير العلاقات معها.

كما أن الهدوء الحاصل مع القاهرة لا يعكس تخطي العقبات السابقة كلها، فبعض الأصوات المعارضة لم تتوقف عن الظهور على شاشة الجزيرة، وطريقة التعامل مع الشأن المصري لا توحي بالبراءة السياسية تماما، بما يزيد من منسوب الحذر.

الهدوء الحاصل مع القاهرة لا يعكس تخطي العقبات السابقة كلها، فبعض الأصوات المعارضة لم تتوقف عن الظهور على شاشة الجزيرة، وطريقة التعامل مع الشأن المصري لا توحي بالبراءة السياسية تماما، بما يزيد من منسوب الحذر

عادت الروابط الدبلوماسية بين القاهرة والدوحة في ظل أجواء إقليمية فرضت عليهما انحناءة سياسية، ولم تعد العلاقات السياسية إلى ما كانت عليه، فالملفات التي عكرت صفو العلاقات لم تشهد تبدلا، خاصة تلك المتعلقة برعاية قطر لجماعة الإخوان والقوى الإسلامية المتطرفة، وكل ما جرى هو حدوث تغير في التوظيف القطري لهذه الورقة يتواءم مع بعض التحولات الدولية أكثر منه استجابة لمطالب مصرية.

ما يثير الشكوك أن العلاقات بين البلدين عادت من دون تجاوب الدوحة بشكل واضح مع شروط دول المقاطعة العربية، ما منحها مساحة للمراوغة، لأن القاهرة قبلت بهذه الصيغة أملا في أن تتخلى الدوحة تدريجيا عن منغصات عدة تسببت في التوتر بينهما.

بعد مضي بضعة أشهر على التحسن الملحوظ في العلاقات لم تتغير النظرة القطرية العملية على مستوى جماعات الإسلام السياسي في المنطقة التي تهتم بها مصر كثيرا، أو في طريقة التدخل القطري في قطاع غزة وأغراض توظيف الأموال، وهما من أكثر الموضوعات التي قادت إلى التوتر بين القاهرة والدوحة.

زادت الهواجس مع تراجع الرهان في الحصول على دعم اقتصادي وعودة الدوحة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في السوق المصرية، حيث عولت القاهرة على هذا البعد مع تنامي المشروعات التنموية في البلاد والحاجة إلى المزيد من رأس المال في شكل استثمارات أو مساعدات أو قروض ميسرة.

جاء رد الفعل القطري بعيدا عن طموح القاهرة التي اعتقدت أن عودة العلاقات ستكون مصحوبة بزخم اقتصادي يمكن من خلاله تعويض انخفاض الدعم الخليجي العام في الآونة الأخيرة، من هنا زادت مخاوف الحكومة المصرية ورأت أن الممانعة أو التحفظ لا يخلوان من رسالة توحي بالفصل بين المسارات.

قرأت دوائر مصرية تعامل الدوحة مع دول المقاطعة العربية المصحوبة بالتمييز بين كل دولة وأخرى، على أنها تحمل مضمونا سياسيا عميقا يقوم على محاولة تفكيك هذا التكتل الذي لعب دورا مهما في مضايقتها، فتقترب من هذه الدولة وتبتعد عن تلك، وتريد صياغة منظومة تحقق مصالحها ووجدت في الفتور بين دول الرباعي ملاذا.

قامت قطر بتغيير تكتيكها مع دول المقاطعة ولم تغير ثوابتها، فعندما زادت حرارة العلاقات مع الرياض والقاهرة كانت باردة وأحيانا سلبية مع كل من أبوظبي والمنامة، وبدأت تقوم بعملية تبديل وتوفيق بين الدول الأربع بنسب تنسجم مع أهدافها، وظلت البحرين الدولة الوحيدة التي احتفظت معها قطر بدرجة متدنية في العلاقات، ظهرت ملامحها في المشاكسات التي تبثها قناة الجزيرة من وقت إلى آخر.

الاستثمار المتبادل للهدوء يحجّم فرصة إجراء تغيير حقيقي في الخطاب السياسي لكل من مصر وقطر، ويمنع العودة إلى التدهور، وجرى تقويض لعبة عض الأصابع التي أجادتها الدوحة السنوات الماضية

كما أن الدفء الظاهر في العلاقة مع القاهرة لم يصطحب معه خطوات تؤكد جدية الدوحة في عدم العودة إلى مرحلة التوتر السابقة، بل على العكس وقف التطور عند مستوى قد يضاعف من الهواجس المصرية حيال النوايا القطرية، وأن استمرار الاحتفاظ بالورقة الإسلامية يعني عدم استبعاد توظيفها لاحقا.

لدى جهات أمنية تقدير بأن قطر لن تجري تحولا حقيقيا في موقفها من جماعات الإسلام السياسي بأطيافها المختلفة، وقوى دولية كثيرة بحاجة إلى هذا الدور الذي ظهرت معالمه في الأزمة الأفغانية، حيث كانت قطر ولا تزال العراب أو الوسيط بين حركة طالبان والولايات المتحدة، وتحولت الدوحة إلى مقر رئيسي لقيادات الحركة، ومن يريد الحوار معهم يطرق بابها ويذهب إليها.

تكفي هذه الصيغة لخفض مستوى التطور الذي يمكن أن تصل إليه العلاقات بين مصر وقطر، وهي العقدة التي منعت القاهرة من التجاوب مع كثير من الإشارات التركية، لأن المشروعين (القطري والتركي) يقومان على رافعة سياسية واحدة في المنطقة، هي تيار الإسلام السياسي الذي بات العدو الرئيسي للنظام المصري، ومهما حصل من تطور مع كل من الدوحة وأنقرة سيظل هذا البعد كابحا لتوقع المزيد.

يمكن القول إن علاقات القاهرة مع الدوحة وصلت إلى درجة يصعب الحديث عن زيادتها في المستقبل القريب، فالهدوء أصبح حلا وسطا للجانبين أو صيغة مرضية في الوقت الراهن، فمصر تخلصت من المناكفات الحادة التي تقوم بها قطر في بعض القضايا الثنائية والإقليمية وأزعجتها فعلا، والدوحة استغلت الهدوء مع القاهرة لتوحي بأن هناك تغيرا في توجهاتها التي حصرتها في نطاق دعم المتطرفين.

يحجّم الاستثمار المتبادل للهدوء فرصة إجراء تغيير حقيقي في الخطاب السياسي لكل من مصر وقطر، ويمنع العودة إلى التدهور، وجرى تقويض لعبة عض الأصابع التي أجادتها الدوحة السنوات الماضية، فعقب الانتكاسات التي تعرض لها الإسلاميون في المنطقة من مصلحتها الحفاظ على هدوئها، ومع عملية إعادة التموضع في المنطقة لا تريد الدوحة أن تكون صوتا شاذا فيها، لذلك لن تغامر بالعودة إلى التوتر مع القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى