غزة تموت جوعاً… الفلسطينيون يواجهون أحلك فصول الكوارث الإنسانية

يواجه الفلسطينيون أحلك فصول الكوارث الإنسانية، بأجساد هزيلة، وعيون غائرة لأطفال لا يجدون ما يسد رمقهم في قطاع غزة، الذي يتعرض لحصار قاتل متزامن مع حرب إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023.
وأخبار المجاعة والحصار لم تعد حكراً على تقارير المنظمات الدولية، بل باتت حاضرة في كل زاوية من منصات التواصل، تحت وسم: “غزة تموت جوعاً”. وفيه لكل صورةٍ حكاية عائلة تبحث عن وجبة غذائية واحدة.
وتتجاوز أزمة الجوع في القطاع حدود الأزمات الإنسانية العابرة، لتتحول إلى إجراءات سياسية وحربية تدخل المدنيين في إطار الحسابات السياسية، بحسب وكالة “الأونروا” التي تقول إن المجاعة في غزة ليست كارثة طبيعية، بل خطة بقرار سياسي إسرائيلي محض.
وفي مقابلة أجرتها وسائل الإعلام مع جوناثان فاولر، مدير الاتصال لدى “الأونروا” برزت ملامح المشهد الإنساني القاتم في غزة، والذي وصفه فاولر بأنه “أشبه بأهوال يوم القيامة”.
غزة دخلت فعلياً المراحل الأولى من المجاعة
ومنذ مطلع مارس/آذار 2025، أغلقت إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، بما فيها معبر كرم أبو سالم وإيريز وزيكيم، ما أدى إلى وقف تام لدخول المساعدات الغذائية والطبية والوقود.
ويرى فاور أن القرار لم يكن استجابة لأوضاع أمنية،، بل ممارسة متعمدة لتجويع السكان وتحويل الغذاء إلى أداة ضغط في الحرب حسب قوله
ومع استمرار الحصار لما يزيد عن 60 يومًا، تؤكد “الأونروا” أن قطاع غزة دخل فعلياً المراحل الأولى من المجاعة، في ظل نفاد كامل للمخزونات الغذائية.
بدوره، أعلن برنامج الأغذية العالمي رسميًا أنه لم يعد يملك أي مواد قابلة للتوزيع داخل القطاع، بعدما استنفدت مخزونات الطحين قبل أيام، تاركًا السكان بلا غذاء ولا أمل، بينما ينتشر سوء التغذية الحاد بشكل ينذر بكارثة، خاصة بين الأطفال.
فاولر لا يرى في هذه المجاعة نتيجة حتمية للحرب، بل قرارًا سياسيًا إسرائيليًا خالصًا، مشددًا على أن المعونات جاهزة وتنتظر فقط إذنا بالدخول، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع.
“فضيحة حقيقية”
ووصف المسؤول في “الأونروا” الحصار القائم على قطاع غزة بأنه “فضيحة حقيقية”. فرغم النداءات المتكررة من الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية، لم يُسجل أي تحرك ملموس لفرض إدخال المساعدات. “ليس الوضع معقدًا، بل واضح جدًا”، قال فاولر. “الناس لا يجدون شيئًا ليأكلوه لأن إسرائيل تمنع الطعام عنهم عمدًا”.
ومن وجهة نظره، فإن ما يحدث في غزة اليوم يهدد حياة الملايين، ويُقوّض أسس القانون الدولي الإنساني، ويبعث برسالة خطيرة مفادها أن استخدام المجاعة كسلاح عقابي بات أمرًا مقبولًا في ظل إفلات كامل من العقاب
حملة إسرائيلية ضد “الأونروا”
وإلى جانب الحصار الغذائي، تشنّ إسرائيل حملة منظمة لتفكيك وجود “الأونروا” في المناطق الفلسطينية، وخاصة في القدس الشرقية، عبر حظرها من العمل في المناطق التي تعتبرها إسرائيل “أراضيها السيادية”.
كما شمل الحظر قطع جميع القنوات الرسمية للتواصل بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي والمنظمة الأممية، ما يعقّد أي تنسيق إنساني، ويفتح الباب لمزيد من العراقيل أمام العمل الميداني.
مؤسسات الأونروا في القدس
وتدير “الأونروا” في القدس الشرقية مؤسسات تعليمية وصحية يستفيد منها عشرات الآلاف، فيما يؤكد فاولر أن هذه الخدمات مهددة بالتوقف الكامل، في ظل انعدام قنوات التواصل والتضييق المتصاعد على موظفي الوكالة.
وبالعودة إلى غزة، فبرغم انسحاب الطواقم الدولية نتيجة المخاطر الأمنية، ما زالت “الأونروا” تنشط ميدانيًا عبر 12 ألف موظف فلسطيني، يقدمون خدمات يومية صحية لنحو 15 ألف شخص، ويؤمّنون تعليمًا بديلًا لنحو 12 ألف طفل، ويعملون حتى على ترميم آبار المياه بقطع غيار مصنّعة من الخردة.
لكن هذه الجهود تقف على حافة الانهيار، بعدما صنّفت إسرائيل ثلثي القطاع كمناطق عسكرية مغلقة، ومنعت حركة فرق الإغاثة، وهو ما وصفه فاولر بأنه سابقة قانونية خطيرة تهدّد بإعادة تعريف علاقة الدول مع الوكالات الإنسانية الأممية.
وقف التمويل
من جانبها، أوقفت الولايات المتحدة إلى جانب عدد من الدول الأوروبية، تمويلها للأونروا، استنادًا إلى مزاعم إسرائيلية تتهم عددا من موظفي الوكالة بالتورّط في عمليات نفذتها حركة حماس يوم 7 أكتوبر 2023. لكن “الأونروا” نفت تلك المزاعم بشكلٍ قاطع، وناشدت الممولين إعادة النظر بقراراتهم التي تمس أرواح المدنيين في غزة.
وكانت واشنطن تقدم للأونروا نحو 350 مليون دولار سنويًا، ما يمثل أكثر من ربع الميزانية السنوية للوكالة البالغة 1.2 مليار دولار، لكن الانسحاب الأمريكي فتح فجوة مالية ضخمة، تحاول الأونروا سدّها عبر دعم من دول أخرى، غير أن حجم التحديات يفوق ما يمكن لأي دولة بمفردها تحمله.
فاولر اختصر المعادلة بوضوح بقوله إن “استهداف الأونروا يهدد بتكرار هذا النموذج مع وكالات أخرى مستقبلاً، وهو تقويض لمنظومة الأمم المتحدة ذاتها”.
وفي خضم ذلك كله، تتواصل الدعوات الدولية لتمكين المنظمات الإنسانية من العمل في قطاع غزة لغوث المدنيين وضمان حماية البنية الأساسية والخدمات الحيوية في القطاع.