فاينانشيال تايمز: مظاهر وحدة الغرب في مواجهة روسيا “خادعة” وتخفي انقسامات عميقة

مثلت القمة السنوية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في مدريد، واجتماع مجموعة السبع في ألمانيا علامة فارقة جديدة للوحدة الغربية ضد روسيا رداً على الحرب في أوكرانيا، ونقطة الذروة في تحالف يجدده الصراع حول حدوده، بحسب ما نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.

وقالت “فاينانشيال تايمز”، إنه على الرغم من مظاهر الوحدة التي أبدتها الحكومات الغربية في مواجهة روسيا، إلا أن هذه المظاهر خادعة وتخفي انقسامات عميقة بسبب التكلفة الاقتصادية المرتفعة للحرب في أوكرانيا.

هذه الوحدة كانت “تاريخية” بالنسبة للرئيس الأميركي جو بايدن، أما نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد أشاد بها بوصفها “غير مسبوقة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية”.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: “الاستنتاج الأهم الذي يحتاج (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين إلى استخلاصه مما حدث خلال الأيام القليلة الماضية هنا في الناتو، وقبل ذلك في مجموعة السبع هو أننا متحدون بالكامل”.

جونسون الذي غالباً ما كان مصدراً لإثارة حنق الاتحاد الأوروبي بسبب مناصرته لـ”بريكست”، بات يتفاخر الآن بالوحدة القارية. وماكرون الذي شكا قبل أقل من ثلاث سنوات فقط من “الموت الدماغي” للناتو صار يعتبره “ضرورياً”. أما النقاش عن انعزال الولايات المتحدة عن أوروبا، والخلافات حول الأولوية بين الناتو والاتحاد الأوروبي في الدفاع عن القارة، والتي كانت سائدة قبل 6 أشهر فقط، فقد تم إخمادها.

وفي ختام قمة الناتو، الخميس الماضي، قال بايدن: “في كل خطوة من هذه الرحلة، نضع مؤشراً للوحدة والعزم والقدرات العميقة للدول الديمقراطية في العالم للقيام بما يجب فعله”، مضيفاً “لقد ظن بوتين أنه قادر على تفكيك التحالف عبر الأطلسي. لقد حاول إضعافنا. وتوقع أن يهون عزمنا، لكنه حصل بالضبط على خلاف ما أراده”.

خطاب الحرب الباردة

“فاينانشيال تايمز” اعتبرت أنَّ هذه العودة لخطاب الحرب الباردة، وتحالف القيم المناهض لموسكو -وبكين- في عالم يمزقه التنافس الاستراتيجي، يخفي الخلافات المتزايدة حول كيفية تحمل الأثمان الاقتصادية المرتفعة للحرب في أوكرانيا.

وأشارت إلى أن هذا النوع من الخلافات سيختبر العزم الغربي في ظل تعكير تداعيات الحرب المالية والاجتماعية والجيوسياسية للسياسات العالمية.

وفي مؤشر على هذه الخلافات، قالت الصحيفة، إنَّ قادة مجموعة السبع فشلوا خلال اجتماعهم في بافاريا بألمانيا في التوصل إلى اتفاق بشأن آلية عقوبات جديدة لضرب عائدات النفط الروسية، وذلك بسبب خلافهم حول كيفية معالجة التضخم المتصاعد.

كما أنَّ الانقسامات السياسية المتزايدة في الولايات المتحدة واحتمالية ترشح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في انتخابات 2024، تهدد هذه الوحدة في ظل الاعتماد الكبير للناتو كتحالف عسكري على واشنطن.

وبالنسبة للرئيسين الفرنسي والبريطاني، قدمت القمتان المتعاقبتان بعض الراحة من الصداع السياسي في بلديهما، والذي من المحتمل أن يتفاقم بسبب المشكلات الاقتصادية.

وفي إشارة إلى التوترات الكامنة وراء خطاب الوحدة الغربي، استخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المؤتمر الصحفي الأخير لقمة الناتو لإعادة تأكيد حق النقض المحتمل على انضمام السويد إلى الحلف، مما مثل تراجعاً جزئياً عن قراره السابق بالتخلي عن معارضة عضويتها.

وقال فرانسوا هايسبورج، المستشار الخاص في مؤسسة البحث الاستراتيجية الفرنسية: “إذا تحدثت عن الأمور من منظور اللحظة، فنجن جميعاً متفقون على نحو مذهل، فنظام العقوبات مستمر، ويتم تعزيزه وكانت مجموعة السبع مهمة في هذا الصدد. وبالطبع كانت (قمة) الناتو عاطفية، لكن هذا لا يحكم مسبقاً على المستقبل”.

الصين

الناتو الذي وصف قمة مدريد بأنها “تحولية”، يرى أنه يرد على الهجوم الروسي على أوكرانيا من خلال إصلاح كيفية عمل الحلف.

وفي هذا الإطار وافق الحلف على إعادة النظر في موقفه الدفاعي، وأزاح الغطاء عن خطة لزيادة عدد قوات التأهب القصوى الجاهزة لصد هجوم روسي بأكثر من سبعة أضعاف لتصل إلى أكثر من 300 ألف. وتعد هذه القوات جزءاً من عقيدة أمنية جديدة للعقد القادم لتعزيز الدفاع عن القارة الأوروبية بعد الحرب الخلافية في أفغانستان.

ووصف الحلف، الصين، أيضاً للمرة الأولى بأنها “تحدٍ” لـ”مصالح وأمن” الناتو، كما اتفق القادة على لغة تنتقد بكين لوقوفها إلى جانب بوتين ضد الإدانة الغربية للحرب، على حد ما ذكرته “فاينانشيال تايمز”.

وأشارت الصحيفة إلى أن السياسيين الغربيين باتوا يعترفون صراحة بأصداء الحرب الباردة في الوضع الجديد.

وقالت وزيرة الدفاع الهولندية كاجسا أولونجرين: “عليك أن تفكر في سبب نشوء الناتو. لقد كان الأمر متعلقاً بالتهديد من الاتحاد السوفيتي، وبهذا المعنى، فإنَّ هناك شيئاً ما من الأيام الخوالي، الغرب ضد السوفيت، لكنها الآن روسيا”.

هاجس واشنطن

لكن الحديث عن القيم المشتركة لا يمكن أن يخفي، بحسب الصحيفة، التوترات المتزايدة بين أعضاء مجموعة السبع، حيث أصبحت الخسائر الاقتصادية للحرب في أوكرانيا أكثر وضوحاً وإلحاحاً. ووراء الكواليس، واجه المسؤولون صعوبات في الحفاظ على موقف مشترك حول موضوع عقوبات الطاقة على وجه الخصوص.

وكانت الولايات المتحدة حثت بشكل خاص الاتحاد الأوروبي على النظر في طرق لفرض سقف على سعر النفط الروسي، كبديل للحظر الجزئي الذي قرره الاتحاد في نهاية مايو ضمن حزمة العقوبات السادسة.

ويتمثل الهاجس الرئيسي لواشنطن في تجنب زيادة أسعار النفط بشكل أكبر، بالنظر إلى أن تضخم أسعار المستهلكين على أساس سنوي يصل الآن إلى أكثر من 8% في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. كما أن إدارة بايدن أصبحت تخشى بشكل متزايد من الهزيمة في الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل.

وظهر قلق القادة بشأن ارتفاع أسعار النفط خلال القمة عندما تم تصوير ماكرون أمام الكاميرا وهو يناقش مع بايدن كمية الطاقة الإنتاجية الفائضة المتاحة لأعضاء أوبك الرئيسيين.

وكشفت الصحيفة أنه خلال الفترة التي سبقت قمة مجموعة السبع، عملت الولايات المتحدة بشكل مكثف مع المفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة على نسخة جديدة من سقف السعر تتمثل في هيكل حوافز يجعل وصول المستوردين إلى الخدمات المالية الغربية مشروطاً بوضع سقف سعر على شحنات النفط الروسية.

لكن قادة مجموعة السبع وافقوا على “استكشاف” الفكرة فقط. وكانت ألمانيا، التي تتولى رئاسة المجموعة حذرة بشكل خاص بشأن فكرة تحديد سقف للأسعار، وقال المستشار الألماني أولاف شولتز، إنَّ الفكرة كانت “طموحة للغاية” وأن الكثير يجب أن يتم وضعه في مكانه قبل دخولها حيز التنفيذ.

وخلال اجتماعات القمة أربك ماكرون نظراءه بطرح فكرة وضع حد أقصى لأسعار النفط العالمية، وليس فقط أسعار النفط الخام الروسي، وهو ما لم يتضح للقادة الآخرين كيفية تنفيذه.

مظهر الوحدة خادع

ووفقاً لمسؤول رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي، فإن أصعب مهمة هنا ليست تقنية، بل سياسية، مشيراً إلى أنه “علينا القيام بواجبنا، ثم إقناع عدد كافٍ من الدول بالانضمام”.

وقال مسؤول ثانٍ في الاتحاد الأوروبي: بالنظر إلى حزمة العقوبات الأخيرة (السادسة) التي فرضها الاتحاد الأوروبي والتي استغرقت أسابيع من الجدل والتسوية للحصول على دعم بالإجماع، فإن الحزمة السابعة “غير مرجحة في أي وقت من هذا الصيف”.

ومع انتهاء قمة الناتو مساء الخميس، عاد ما يقرب من 40 من رؤساء الوزراء والرؤساء من مدريد إلى بلدانهم حيث أدَّت الصورة الاقتصادية القاتمة بشكل متزايد إلى إزاحة الحرب في أوكرانيا من الصفحات الأولى للصحف.

ووفقاً للصحيفة، أشار الوزراء وكبار المسؤولين في جلساتهم الخاصة على هامش القمة إلى الانقسام المتزايد بين دول أوروبا الشرقية، حيث يشعر السكان بمخاوف ملموسة من غزو روسي، وبين دول أوروبا الغربية، حيث ينظر إلى ارتفاع فواتير تكلفة الغذاء أو التدفئة على أنها المشكلة.

وقالت تيريزا فالون، مديرة مركز دراسات روسيا وأوروبا وآسيا في بروكسل، إن خطاب الوحدة “هو مظهر خادع. هناك انقسامات كبيرة. الجميع يركضون في اتجاهات مختلفة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى