فلاديمير بوتين.. من شوارع لينينغراد إلى “قيصر” روسيا





فاز فلاديمير بوتين بولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية الروسية بنسبة تتجاوز 70% من الأصوات حسب التقديرات الأولية. ويحكم بوتين روسيا منذ أكثر من 18 عاما، سواء كرئيس حكومة أو كرئيس للبلاد، فمن هو هذا الرجل الكتوم الذي نشأ في بيئة متواضعة ثم تسلق هرم السلطة إلى أعلاه والذي يجسد في عيون العديد طموح “روسيا العظمى” ؟

حسب التقديرات الأولية، فاز فلاديمير بوتين، الضابط السابق في جهاز “الكي جي بي”، بولاية رئاسية رابعة بنسبة تتجاوز 70% بعدما حكم روسيا لأكثر من 18 عاما.

يجسد بوتين طموح “روسيا عظمى” استعادت نفوذها ومكانتها. فخلال عرضه أسلحة جديدة “لا تقهر”حذر بوتين الغربيين في خطابه الأخير أمام البرلمان في بدايةآذار/مارس قائلا “لم يكن أحد يريد التحدث إلينا، لم يكن أحد يريد الاستماع إلينا. استمعوا إلينا الآن!”

وإن كان الكثير من الروس يشيدون برئيسهم البالغ من العمر 65  عاما، فذلك لأنه حين وصل عام 2000  إلى الرئاسة، كانت سلطة البلاد غير مستقرة واقتصادها متدهور. فكان للعديد بمثابة رجل الاستقرار والازدهار المستعاد، بفضل عائدات نفطية وفيرة على مدى سنوات.

لكن منتقديه يشيرون إلى أن هذا الازدهار كان ثمنه تراجع حقوق الإنسان وتقييد الحريات.

ترميم هيبة روسيا

على الساحة الدولية، عمل بوتين الذي وصف تفكك الاتحاد السوفياتي بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، على ترميم هيبة روسيا في العالم بعدما تدهورت مع سقوط الاتحاد السوفياتي وسنوات الفوضى في عهد بوريس يلتسين.

ولتحقيق ذلك، يتبع الرئيس المواظب على ممارسة الرياضة وخصوصا الجودو، نهجا قوامه الصراع الدؤوب والمتعنت والبحث عن مؤشرات الضعف لدى خصمه، وفقى ما أوضح بنفسه عام 2013  ردا على روسي طلب منه بذل كل ما بوسعه من أجل “اللحاق (بأميركا) وتخطيها”، وفق شعار قديم يعود إلى الحقبة السوفياتية.

وهو نهج طبقه بنجاح في سوريا حيث تمكن التدخل العسكري الروسي منذ 2015  دعما لنظام دمشق من تبديل مجرى الحرب وسمح للرئيس بشار الأسد بالبقاء في السلطة رغم إرادة الغربيين الذين فقدوا المبادرة إلى حد ما إذ تخطتهم الأحداث.

وفي السنة السابقة، قدم بوتين نفسه على أنه الزعيم الذي سيرمم “روسيا العظمى” بضمه شبه جزيرة القرم الأوكرانية بعدما احتلتها القوات الروسية، وقد نظم فيها استفتاء نددت به الأسرة الدولية معتبرة أنه غير شرعي.

وإن كانت هذه العملية قد زادت من نفوذه ومقامه داخليا، إلا أنها أثارت أسوأ أزمة منذ نهاية الحرب الباردة بين روسيا والغرب، الذي يتهم موسكو أيضا بتقديم دعم عسكري لحركة التمرد الانفصالي في شرق أوكرانيا، وهو ما ينفيه الكرملين.

سعى أيضا الرئيس الروسي، لفرض بلاده كقوة في مجال الرياضة، وهو مولع بها، مثيرا هنا أيضا أزمة دولية.

فقد نظمت روسيا سنة 2014  الألعاب الأولمبية الأعلى كلفة في التاريخ في منتجع سوتشي الساحلي، وستستضيف في صيف 2018  كأس العالم لكرة القدم، الحدث الرياضي الأكثر شعبية في العالم. لكن  تزعج أحلام الكرملين اتهامات موجهة إليها بممارسة “التنشيط الممنهج” منذ صدور تقرير ماكلارن بهذا الصدد عام 2016.

رغم نفي موسكو على الدوام وبشدة هذه المزاعم، فهي أدت إلى إقصاء رياضييها من الألعاب الأولمبية عام 2016  في ريو دي جانيرو وتعليق مشاركة روسيا هذه السنة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ بكوريا الجنوبية.

من شوارع لينينغراد إلى رئاسة الوزراء

لم تكن خلفيات بوتين الاجتماعية تمهد لوصوله إلى أمجاد الكرملين، فهو ولد في 7 تشرين الأول/أكتوبر 1952  في عائلة عاملة تعيش في غرفة واحدة من أحد المساكن المشتركة في لينينغراد (سان بطرسبورغ سابقا).

اعترف بوتين على موقع إلكتروني مخصص لسيرته “إنني آت من عائلة متواضعة، وعشت هذه الحياة لفترة طويلة جدا “.   ومن شبابه في شوارع لينينغراد، أكد عام 2015  إنه تعلم درسا “إن كان لا بد من المعركة، فعليك أن تسدد الضربة الأولى”.

درس القانون وانتسب إلى جهاز الاستخبارات السوفياتي “كي جي بي” حيث أصبح عميل استخبارات خارجية. أرسل إلى دريسدن في ألمانيا الشرقية حيث عمل في منصب متواضع بين 1985 و1990.

وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، انتقل من “الكي جي بي” للعمل مستشارا في العلاقات الخارجية لرئيس البلدية الجديد الليبرالي في سان بطرسبورغ، وبعدها حقق صعودا خاطفا.

ففي 1996 استدعي إلى موسكو للعمل في الكرملين. وفي 1998، عين على رأس جهاز “إف إس بي” الذي حل محل الكي جي بي، قبل أن يعينه الرئيس بوريس يلتسين بعد سنة رئيسا للوزراء، بحثا عن خلف قادر على ضمان أمنه بعد انسحابه من الحياة السياسية.

“هرم سلطة عمودي”

أعحب يلتسين وأوساطه بتكتم وفاعلية هذا الرجل الحاد النظرة، وظن بعض المقربين من الرئيس أنه سيكون من السهل عليهم التحكم به، غير أن فلاديمير بوتين باشر إعادة بناء سلطة الدولة، فنظم “هرم سلطة عموديا” يأتمر به حصرا.

وحرصا منه على تصوير نفسه في موقع المسؤول الصلب المواقف، باشر في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1999 حرب الشيشان الثانية بعد موجة اعتداءات، فخاضت البلاد نزاعا داميا تخللته تجاوزات ارتكبها الجنود الروس وقصفا عشوائيا لغروزني.

وشكلت تلك الحرب ركيزة لشعبيته وأرست صورته كرجل شديد  القبضة لا يخشى اتخاذ قرارات صعبة.

وحين استقال يلتسين في نهاية 1999  وعين رئيس وزرائه خلفا له، كان بوتين فرض نفسه كرجل البلاد القوي الجديد.

انتخب بوتين عام 2000  محققا فوزا سهلا، فسرع عملية الإمساك بالسلطة مستندا إلى الأجهزة السرية والشرطة والجيش من جهة، وإلى المقربين منه من سان بطرسبورغ منجهة أخرى.

احتجاجات غير مسبوقة وتشديد القمع

تحرك بوتين بصورة سريعة لضبط رجال الأعمال الذين حققوا ثروات طائلة في ظل عمليات الخصخصة المشبوهة التي جرت في التسعينات، فأقصاهم من اللعبة السياسية وسجن من قاومه منهم، مثل رئيس مجموعة “يوكوس” النفطية ميخائيل خودوركوفسكي الذي أطلق سراحه سنة 2013  بعدما أمضى عشر سنوات خلف القضبان.

كذلك عمل الكرملين على ضبط الشبكات التلفزيونية التي كانت تتمتع بحرية تعبير موروثة من التسعينات، لم تكن لترضي بوتين، فباتت الشاشة الصغيرة في خدمته.

وفي 2008، عهد بوتين بالكرملين إلى رئيس وزرائه دميتري ميدفيديف لأربع سنوات، عملا بالدستور الذي لم يكن يسمح له سوى بولايتين رئاسيتين متتاليتين، وتولى بدوره رئاسة الحكومة.

ومع الإعلان في نهاية 2011  عن نيته في العودة إلى الرئاسة لولاية جديدة تم تمديدها في هذه الأثناء إلى ست سنوات، شهدت البلاد موجة احتجاج غير مسبوقة

غير أن التعبئة تراجعت بعد فوزه السهل بالرئاسة في ربيع 2012، وتلت ذلك حملة قمع جديدة للمجتمع الروسي مع إقرار قوانين وصفتها المعارضة بأنها تقضي على الحريات، وتشديد القمع على أي شكل من الاحتجاجات.

ويلزم بوتين الأب لابنتين والمطلق منذ 2013، التكتم الشديد حول حياته الخاصة، ويحرص على صورته كرجل بسيط الأذواق يعيش “حياة عادية”  ويهوى “الروايات التاريخية والموسيقى الكلاسيكية”، كما وصف نفسه خلال لقاء مع شبان روس.

لكنه يهوى تطوير “عبادة” الشخصية من حوله ويعتني بصورته فيظهر وهو يمارس الجودو أو عاري الصدر يمتطي حصانا، أويقود طائرة قاذفة للمياه لإخماد حريق.


Related Articles

Back to top button