فيما يخص لقاءات انهاء الانقسام في الجزائر

ماجد كيالي

مرة جديدة ينتظر الشعب الفلسطيني جولة جديدة من الحوار بين الفصائل الفلسطينية، وبخاصة بين حركتي “فتح” و”حماس” الفصيلين الأكبرين والمهيمنين على النظام، أو الحقل، السياسي الفلسطيني، وهما السلطتان في الضفة وفي غزة، وذلك في اللقاءات التي تستضيفها الجزائر في الأيام القادمة، برعاية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بهدف التوصل إلى ورقة فلسطينية موحدة تطرح في القمة العربية المقبلة.

ومعلوم أن الجزائر بذلت جهودا كبيرة للتمهيد لتلك اللقاءات منذ عام تقريبا، يأتي ضمنها نجاح الرئيس الجزائري في الجمع بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، (يوليو الماضي)، على هامش احتفالات الجزائر بعيد الاستقلال، وعقد محادثات ثنائية برعاية جزائرية بين وفدي الفصيلين المعنيين، برئاسة محمود العالول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وخليل الحية رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في حركة حماس (سبتمبر الماضي).

ما يفترض التذكير به هنا ان اجتماع الجزائر يأتي بعد عامين على بدء مصالحة وطنية فلسطينية، لإنهاء الانقسام الفلسطينية، بدأت في اجتماع (فيديو كونفرانس) عقده وقتها القياديان جبريل الرجوب (عن فتح) وصالح العاروري عن حماس (يوليو 2020)، والذي أثمر عن توافق أدى إلى انضمام جميع الفصائل إليه، في اجتماع خصص لهذا الغرض رام الله وبيروت (وفق تقنية فيديو كونفرنس، يوم 3 سبتمبر 2020). وفي الواقع فقد كانت تلك محاولة أخرى فاشلة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، أضيفت إلى المحاولات السابقة، التي أخفقت، في مكة وصنعاء والدوحة والقاهرة وغزة، طوال 15 عاما، من دون أن تصل إلى نتيجة؛ إذ ما لبث الرئيس الفلسطيني أشهرا معدودات حتى أطاح بكل التوافقات التي تم التوصل إليها بتأجيله، أو الغائه، الانتخابات (مطلع 2021)، الأمر الذي أعاد الخلافات والتنافسات الفلسطينية إلى النقطة ذاتها.

ثمة أسباب كثيرة يمكن بها تفسير عجز الفلسطينيين وإخفاقهم في انهاء الانقسام، أهمها: أولا، تحول حركتا فتح وحماس إلى سلطة كل في إقليمه، حيث فتح في الضفة وحماس في غزة، ولذا فمن غير المعقول، سيما بسبب واقع انعدام الثقة، أن تقوم فتح بالتنازل عن سلطتها أو أن تقوم حماس بالتنازل عن سلطتها. ثانيا، أن الطرفين غير متفقين على الخطوة التالية، فمن جهة حماس تعتقد أن الهدف يجب أن يتركز على تنظيم انتخابات لكل الشعب الفلسطيني، فإن فتح تركز على مجرد تنظيم انتخابات للمجلس التشريعي. ثالثا، ما حصل هو أحد تجليات الأزمة المستعصية في العمل الوطني الفلسطيني، بمعنى أنه تعبير عن أزمة في الخطابات والكيانات وأشكال العمل والعلاقات. رابعا، بينما تركز فتح على المصالحة في نطاق السلطة الفلسطينية، بمعنى استعادة غزة إلى جسم السلطة، ولو مع قبول بإمكان توسيع ذلك إلى المنظمة، فإن حماس تركز على ما يحفظ بقاء سلطتها في غزة، مع تركيزها على الشراكة مع فتح في قيادة النظام السياسي الفلسطيني (المنظمة والسلطة)، بما يعني المشاركة في السلطة والموارد.

الجدير ذكره هنا أن كل تلك المحاولات للمصالحة وانهاء الانقسام، والتي يتمنى كل فلسطيني أن تنجح، تأتي من فوق، وأيضا كنتيجة لضغوط خارجية، وهي تأتي من دون قناعة سياسية بضرورتها من المعنيين أي من الطبقة السياسية السائدة عند الطرفين، كما أنها تأتي من دون تهيئة سياسية، لا لمنتسبي الفصيلين الكبيرين، ولا للشعب الفلسطيني، لذلك فهي حتى لو فشلت لا تترك اثرا، ولا يكاد أحد ما يلحظ ذلك، لأن الوضع يبقى على حالة.

وباختصار، فإن علاقات الاختلاف والانقسام والتنافس والتنازع أضحت بمثابة سمات مستدامة في الحركة الوطنية الفلسطينية، أو في النظام السياسي الفلسطيني، مع الأسف، بخاصة بسبب تحولها من حركة تحرر وطني إلى سلطة تحت الاحتلال مباشرة أو بشكل غير مباشر، حيث حركة فتح أضحت تشتغل وفقا لاعتبارها سلطة في الضفة الغربية، وحركة حماس أضحت تشتغل باعتبارها سلطة في قطاع غزة، منذ الانقسام، الذي صاحبه اشتباكات عنيفة بين منتسبي الحركتين، في صيف العام 2007؛ ومعلوم أن اعتبارات السلطة غير اعتبارات حركات التحرر الوطني.

للأسف مازالت الفصائل لا تريد أن تقرأ الواقع، ولا تريد أن تصارح شعبها بعجزها، وأفول خياراتها، وإنها أضحت مجرد سلطة في الضفة وغزة، وما زالت مصرة على تعويم نفسها مع انه لم يعد لديها ما تضيفه، وإدراك ذلك هو الشرط الأساسي للخروج من الأزمة الوطنية الفلسطينية الراهنة، التي تتطلب أساسا إعادة بناء البيت الفلسطيني.

على ذلك، فإن إنهاء الانقسام، والمصالحة، وإعادة وحدة الكيان الفلسطيني، مسائل مطلوبة وضرورية، لكنها غير كافية، وهي مجرد ستعيد إنتاج الأزمة الوطنية، ناهيك عن الثغرات الكثيرة التي تعتورها، لأن إخراج الساحة الفلسطينية من أزمتها يتطلب أكثر من ذلك أي أنه يتطلب إعادة بناء منظمة التحرير على أساس رؤية وطنية جامعة، تطابق بين الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية، وعلى أسس تمثيلية وديمقراطية وانتخابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى