في جدلية التناقض الرئيسي والثانوي

تتصاعد نبرة الانتقاد تجاه قيادة السلطة بالضفة، وكذلك تجاه قيادة حماس من قبل المواطنين، سواء من الضفة أو من القطاع .
وإذا كانت هناك أسباب موضوعية وراء الانتقاد المشروع، إلا أن الخطورة تكمن في تقديم التناقض الثانوي، وهو بهذه الحالة كل من السلطة وحماس على التناقض الرئيسي الذي يكمن بالاحتلال بكل إفرازاته، من استيطان وتميز عنصري وتطهير عرقي .
في قوانين حركات التحرر الوطني فإن التناقض الرئيسي يتجسد بالصراع مع الاحتلال لأنه يستهدف الجميع.
في الحالة الفلسطينية، فإن الاحتلال لا يخرج أحدًا من دائرة الاستهداف، فهو يستهدف الفصائل الفلسطينية كافة، ويستهدف المواطنين ويدفع باتجاه التهجير والتطهير العرقي في قطاع غزة، ويحاول سحب هذا النموذج على الضفة الغربية، كما يخطط لتقويض السلطة ماليا وتفتيتها سلطويا عبر إقامة بلديات تدير كنتونات ومعازل .
يعتقد قسم من المواطنين أن الكارثة التي حلت في قطاع غزة سببها حماس عبر عملية السابع من أكتوبر للعام 2023، كما يعتقد قسم من المواطنين أن اتفاق أوسلو وأداء السلطة أدى إلى ضياع الضفة والقضية الفلسطينية.
وفي حقيقة الأمر فإن دولة الاحتلال تتذرع بالمبررات لاستكمال تنفيذ مشروعها الاستعماري والإحلالي والعنصري على حساب الشعب الفلسطيني، وهي تستخدم الانقسام لفصل القطاع عن الضفة وتقويض فكرة الدولة المستقلة، والذي شرعته بالكنيست الصهيوني عبر اعتماد قانون يعتبر الدولة الفلسطينية تشكل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال.
إن إدراك الشعب الفلسطيني للتناقص الرئيسي وتقديمه عن التناقض الثانوي دفعه للمطالبة المستمرة، بل أحيانا عبر الضغط الشعبي بالعمل على إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية بوصفها قانون الانتصار .
قلة محدودة تحاول القيام بالفرز السياسي مع السلطة بالضفة ومع حماس في غزة، وهذه القلة بالرغم من أنها لا تشكل أغلبية إلا أن مطالبها وشعاراتها لها أبعاد خطيرة قد تؤدي إلى إحداث احتراب داخلي عبر تأجيج الصراع الثانوي ليصبح هو الرئيسي، بما يثلج من صدر الاحتلال ويعزز مقولته بأن الشعب الفلسطيني غير جدير بإدارة نفسه وتحقيق حقه في تقرير المصير .
إن المدخل الوطني والعقلاني يكمن بالعمل على تحقيق الوحدة بالمؤسسة التمثيلية الفلسطينية، وإجراء انتخابات عامة لتعزيز التشاركية بالنظام السياسي الفلسطيني.
إن أي دعوة خارج إطار الحوار الوطني الشامل لترجمة إعلان بكين بخصوص الوحدة الوطنية، بما يشمل إجراء الانتخابات بعد وقف المجزرة على غزة، تفتقر إلى المصداقية وتعمل على تأجيج التناقض الثانوي بدلا من التناقض الرئيسي، بما يساهم بحرف البوصلة عن أهدافها، حيث أن الجميع في دائرة الاستهداف أمام حكومة يمينية فاشية وعنصرية تؤمن بالتهجير والتطهير العرقي كبرنامج لها .