قضية الصحراء تثير سجال ساخن بين الجزائر وأوروبا

العلاقات الجزائرية  الإسبانية مفتوحة على كل الاحتمالات

تمرّ العلاقات الجزائرية الأوروبية بمنعطف صعب التنبؤ بنتائجه عقب قرار الجزائر إلغاء معاهدة الصداقة والتعاون مع إسبانيا وحظرها كل أشكال التجارة معها عدا الغاز، الأمر الذي أثار ردوداً أوروبية متسرعة بحسب وجهة النظر الجزائرية.

فقد استنكرت بعثة الجزائر لدى الاتحاد الأوروبي، الجمعة، “التسرع” الذي ردت به المفوضية الأوروبية على قرار تعليق الجزائر معاهدة الصداقة الثنائية مع إسبانيا “دون استشارة مسبقة أو أي تحقق مع الحكومة الجزائرية”، بعدما حذر الاتحاد الأوروبي من مغبة القيود التجارية التي فرضتها الجزائر على إسبانيا.

وقالت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، إنه فيما يتعلق بتسليم الغاز إلى إسبانيا، فإن الجزائر أعلنت أنها ستستمر في الوفاء بجميع التزاماتها التي تعهدت بها في هذا السياق، مضيفة أن “الأمر متروك للشركات التجارية المعنية لتحمل جميع التزاماتها التعاقدية”.

وشددت وزارة الخارجية الجزائرية على أن هذا الإجراء (إلغاء المعاهدة) لن يؤثر على التزاماتها مع الاتحاد الأوروبي “بشكل مباشر أو غير مباشر”.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قال في وقت سابق إنه لن يفسخ عقود إمدادات الغاز بسبب الخلاف.

ويأتي الخلاف بشأن موقف مدريد من منطقة الصحراء المتنازع عليها، مع تزايد أهمية إمدادات الغاز من شمال أفريقيا إلى أوروبا هذا العام بعد العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا.

وبينما يستمر الغاز في التدفق بشكل طبيعي، فإن أي تعطيل من شأنه أن يربك أسواق الطاقة المرهقة بالفعل، إذ ارتفعت أسعار الجملة.

وكانت الجزائر قد حذرت إسبانيا في أبريل من أنها قد توقف الإمدادات إذا باعت مدريد أي غاز جزائري إلى دول أخرى حسبما ذكرت وكالة “رويترز”.

معاهدة الصداقة

وعلقت الجزائر، الأربعاء، “معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” التي أبرمتها عام 2002 مع إسبانيا، بعد تغيير مدريد موقفها بشأن الصحراء.

كما أمرت رابطة المصارف الجزائرية بوقف المدفوعات من إسبانيا وإليها، الأمر الذي يؤثر على كل جوانب التجارة عدا إمدادات الغاز، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادر جزائرية.

وعدّلت إسبانيا في 18 مارس بشكل جذري موقفها من قضية الصحراء الحساسة لتدعم علناً مقترح الحكم الذاتي المغربي، مثيرة بذلك غضب الجزائر، الداعم الرئيسي لجبهة  “البوليساريو”.

واعتبرت الجزائر أن السلطات الإسبانية تبنت موقفها في “انتهاك لالتزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية”.

وتعهّدت إسبانيا الخميس، “الدفاع عن مصالحها” رداً على القرار، وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، في تصريح للصحافيين: “ننظر في نطاق هذا التدبير وتداعياته العملية على المستويين الوطني والأوروبي”، مشيراً إلى أن “هدف مدريد يكمن في الرد بطريقة هادئة وبناءة.. وإنما حازمة في الدفاع عن مصالح إسبانيا وشركاتها”.

ورقة الغاز

وتخضع عقود إمدادات الغاز بين الجزائر وإسبانيا حالياً لمراجعة الأسعار، وفق ما كشفته جهات إسبانية رسمية، ما يفتح باب التساؤلات بشأن ما إذا كانت الجزائر ستستخدمها كورقة ضغط بالرغم من تأكيد التزامها بعقود الغاز مع إسبانيا.

وقال سيد أحمد تمامري، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب رئيس اللجنة المشتركة الجزائر- البرلمان الأوروبي، بشأن احتمال زيادة أسعار الغاز المصدر إلى إسبانيا، إن العلاقات الجزائرية  الإسبانية مفتوحة على كل الاحتمالات ومرهونة بمراجعة إسبانيا لموقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء.

وبعد قرار الجزائر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار عبرت إسبانيا،  على لسان وزيرة الطاقة تيريزا ريبيرا، عن ثقتها في احترام الجزائر لعقودها التجارية لتوريد الغاز رغم الخلاف.

وقالت في تصريح لمحطة الإذاعة الإسبانية أوندا سيرو إن الخلاف يأتي في توقيت دقيق إذ تخضع عقود إمدادات الغاز حالياً لمراجعة الأسعار.

وفي شهر إبريل الماضي، لم تستبعد الشركة الجزائرية للمحروقات سوناطراك مراجعة أسعار الغاز المصدر إلى إسبانيا في وقت  تشهد فيه أسعار الطاقة ارتفاعاً كبيراً نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية على خلفية دعم مدريد للطرح المغربي في قضية الصحراء الغربية.

كما هددت وزارة الطاقة الجزائرية، في وقت سابق، بفسخ العقد الذي يربط سوناطراك بعملائها في إسبانيا في حال توجيه أية كمية من الغاز الجزائري المصدر إلى جهة غير منصوص عليها في العقود، على اعتبار أنه يخل بالالتزامات التعاقدية بين الجزائر وإسبانيا.

واعتبر توفيق بوقعدة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر، أن بلاده “تضغط على إسبانيا لتغيير موقفها الأخير من الصحراء، من خلال تلويحها  بمراجعة لأسعار الغاز، الذي كانت تستورده إسبانيا بأسعار تفضيلية، ومن خلال رفضها الاستجابة للطلبات الإسبانية بكميات إضافية من الغاز، وهو ما يعتبر خسارة اقتصادية كبيرة لإسبانيا، إضافة إلى أنه يزيد من حجم الضغوط السياسية الداخلية على حكومة مدريد”.

خسائر إسبانيا

وقررت الجزائر تجميد عمليات التصدير والاستيراد مع إسبانيا بوقف عمليات التوطين البنكي ابتداء من  الخميس، وذلك بعد ساعات من إعلان تجميد معاهدة الصداقة مع مدريد.

واعتبرت  صحيفة “الباييس” الإسبانية أن الأزمة  الدبلوماسية مع الجزائر تهدد بالتأثير على الاقتصاد الإسباني، وتكبيدها خسائر بنحو 3 مليارات يورو من الصادرات الإسبانية إلى الجزائر.

وقال الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي، إن اسبانيا هي الخاسر الأكبر من القرارات الجزائرية الأخيرة على اعتبار أن المواد المستوردة من إسبانيا من آلات ومشتقات الحديد والأصباغ الجاهزة يمكن للجزائر تعويضها بتغيير وجهة الاستيراد، في حين لا يمكن لإسبانيا التخلي عن الواردات الجزائرية، التي تتشكل أساساً من المحروقات.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر وإسبانيا قرابة 7 مليارات دولار في 2019، من بينها 3 مليارات صادرات جزائرية تتشكل أساساً من المحروقات، وفق وكالة الأنباء الجزائرية.

وتأتي إسبانيا في المرتبة الخامسة بقائمة الموردين للجزائر في عام 2020، بعد الصين وفرنسا وإيطاليا وألمانيا. وفي الوقت نفسه، تعد إسبانيا ثالث عميل للجزائر في نفس العام بعد إيطاليا وفرنسا.

إجراءات أوروبية

وحذر الاتحاد الأوروبي الجزائر، الجمعة، من تداعيات القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا، مهدداً بإجراءات رد إذا لم تتم تسوية الخلاف.

وفي بيان مشترك، اعتبر مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونائب رئيسة المفوضية المسؤول عن التجارة فالديس دومبروفسكيس أن هذا القرار “مقلق للغاية”.

وأضاف البيان: “نقيّم تداعيات الإجراءات الجزائرية ولا سيما التعليمات الصادرة للمؤسسات المالية “لوقف المعاملات بين البلدين والتي يبدو أنها تنتهك اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، خصوصاً في مجال التجارة والاستثمار”.

وأكد المسؤولان الأوروبيان بعد اجتماع في بروكسل مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، أن “هذا من شأنه أن يؤدي إلى معاملة تمييزية لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي ويضر بممارسة حقوق الاتحاد بموجب الاتفاقية”.

الإجراءات القسرية

ولوّح بوريل بأن الاتحاد الأوروبي “مستعد لمعارضة أي نوع من الإجراءات القسرية المطبقة على دولة عضو”، مشيرين إلى أن مؤسسات الاتحاد هي المسؤولة حصراً عن مسائل التجارة.

من جهته قال الوزير الإسباني: “سندافع بقوة عن شركاتنا ومصالح إسبانيا التي هي أيضاً شركات أوروبية” والتي تحمل “مصالح الاتحاد الأوروبي”.

وأضاف ألباريس أنه في حين أن حلّ الخلاف “بيد المفوضية” فإن “رغبة إسبانيا هي أن يتم حله في أقرب وقت ممكن عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية العادية”.

وبعد أن دعت بروكسل السلطات الجزائرية الخميس، إلى “إعادة النظر في قرارها”، عادت وقالت الجمعة، إنها “تمد اليد للسلطات الجزائرية لتوضيح الموقف بسرعة”، مؤكدة أنها “لا تزال تفضل الحوار لحل الخلافات”.

وختم بوريل ودومبروفسكيس بأن “الجزائر شريك مهم للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط وفاعل رئيسي في الاستقرار الإقليمي. ونأمل أن يتم باسم شراكتنا القوية والطويلة الأمد، إيجاد حل سريع لاستعادة العلاقات التجارية والاستثمار بشكل كامل”.

اعتماد إسبانيا على الغاز الجزائري

وتعتبر الجزائر أحد المصادر الرئيسية، التي تعتمد عليها إسبانيا في الغاز، وتقدر التزاماتها التعاقدية مع الطرف الإسباني بمقدار 10.5 مليار متر مكعب.

وكان الغاز الجزائري يمثل 43% من الغاز المرسل إلى إسبانيا في عام 2021، في حين كانت الولايات المتحدة الأميركية ونيجيريا من المورّدين الرئيسيين الآخرين، بحصة 14% و11% على التوالي، بحسب “بلومبرغ”.

وزودت الجزائر إسبانيا بربع وارداتها من الغاز في الفترة من يناير إلى أبريل من العام الحالي 2022، على الرغم من أنها كانت منخفضة مقارنة معها قبل نحو نصف عام بعدما توقفت الجزائر عن استخدام خط أنابيب يعبر المغرب في أكتوبر الماضي، بحسب “رويترز”

ويتدفق الغاز عبر خط أنابيب ميدغاز البحري الذي تمتلك فيه سوناطراك الجزائرية المملوكة للدولة 51% ومجموعة ناتورجي الإسبانية للغاز 49%. كما يصل عن طريق السفن على شكل غاز طبيعي مسال.

وكانت الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز لإسبانيا في الأشهر الأربعة الأولى من العام، متقدمة على الجزائر ونيجيريا.

وترتبط ناتورجي بعقود توريد طويلة الأجل مع سوناطراك. عندما تم تجديدها في عام 2018، غطت تلك العقود 30% من استهلاك إسبانيا.

واتفق البلدان على تعديل العقود في 2020 بعد أن دمرت جائحة كوفيد-19 الطلب عالمياً، لكن لم يفصحا عن الشروط الجديدة.

وتملك ريبسول الإسبانية أيضا حصصاً في 4 مشاريع للنفط والغاز في الجزائر. وتقوم مع سوناطراك وفينترشال بتشغيل حقول غاز رقان/شمال، التي تبلغ طاقتها الكاملة 8 ملايين متر مكعب في اليوم.

وتمتلك سيبسا، وهي شركة تكرير إسبانية يسيطر عليها صندوق الثروة السيادية في أبوظبي، مشاريع تطوير في 3 حقول نفط جزائرية وحقل غاز واحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى