قطر بين إمكانية المصالحة معها واستحالة عودة الثقة فيها

الحبيب الأسود

بات من المؤكد أن القمة الخليجية التي ستنعقد خلال أيام بالمنامة، ستشهد حلحلة لأزمة قطر في مواجهة الرباعي العربي الذي بادر بمقاطعتها منذ يونيو 2017، وهو ما أعلنه الوسيط الكويتي، والداعم الأميركي للمصالحة، وبات محل اهتمام وسائل الإعلام في المنطقة والعالم، غير أن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بتفاصيل الحل، ولا كيف سيتم تجاوز الأزمة، ولا حقيقة النوايا القطرية التي لا يمكن فصلها عن أجندات حليفيها الإيراني والتركي ولا عن مشروع الإسلام السياسي الذي تتبناه منذ فترة طويلة وحولته من خلال دعمها المتواصل لرموزه وجماعاته، إلى مقصلة لاغتيال أمن واستقرار الدول والشعوب.

وفي انتظار لقاء القمة سيبقى أهم سؤال يطرح هو هل أن قطر ستستجيب فعلا لشروط الرباعي العربي، أم أنها ستحاول كالعادة لملمة الموضوع بوعود غير ملزمة وكلمات فضفاضة في خطاب سياسي استهلاكي لفتح الطريق أمام المصالحة، سرعان ما تنقلب عليه كعادتها، لتعود بعد أيام أو أسابيع، أو أشهر على أقصى تقدير، لممارسة هوايتها “التاريخية المتوارثة” في إثارة النعرات وإشعال الفتن، وخاصة ضد جيرانها، وهنا مربط الفرس.

أي اتجاه لنظام الدوحة إلى المصالحة دون قطعه مع أسباب الخلاف وتخليه نهائيا عن دوره التخريبي في كامل المنطقة العربية، لا يعني إلا التمترس من جديد وراء سياسة الخداع

كواليس السياسة الخليجية تشير بوضوح الى أن دول المقاطعة لن تستطيع نسيان ولا تجاوز ولا حتى تجاهل ما تعرضت له من مؤامرات قطرية بغيضة وحملات عدوانية ممنهجة خلال السنوات الثلاث الماضية، ولا من محاولات الاستهداف المباشر لأمنها القومي ولرموزها السيادية، حيث لم يعدم نظام الدوحة أية وسيلة ممكنة إلا واستعملها للإضرار بالسعودية والإمارات والبحرين ومصر، سواء من خلال التحالف المعلن مع إيران وتركيا ودعم الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة في المنطقة وتهديد مصالح تلك الدول إقليميا وعالميا، أو من خلال إدارة الحملات الإعلامية الممنهجة وعلى نطاق واسع للتحريض ضدها، وصرف الأموال الطائلة للاحتفاء بكل ما يسيء لسمعة الإمارات والبحرين، ولدور السعودية في العالمين العربي والإسلامي، ولأمن واستقرار مصر.

إن أي قرار برفع المقاطعة، لن يعيد الأمور إلى نصابها، بعد أن أثخنت قطر جراح الدول الأربع، ومارست أعتى أشكال الفجور في الإساءة إليها، لذلك سيبقى نظام الدوحة محل ريبة وشك، وسيكون عليه أن يثبت على المدى البعيد أنه تغيّر، وأنه قرر أن ينقلب على نفسه، وأن يصلح من عقيدته في التعامل مع جيرانه، وهو الذي ذهب إلى أقصى درجات العدوانية في ممارساته، عندما أوغل في دماء جيرانه وخاصة في اليمن، وعندما كان يدفع لبث الفوضى في البحرين، ولتدمير مقومات الدولة في مصر.

قد تتحقق المصالحة بين قطر والدول الأربع، ولكن بالتأكيد لن تكون هناك مودة صادقة، ولا ثقة متبادلة، ولا رؤية واضحة في اتجاه واحد، فما قام به نظام الدوحة خلال السنوات الماضية كان كافيا ليكشف عن طبيعته، وليفضح نواياه نحو جيرانه، وليثبت أنه صاحب أجندة مناقضة تماما لمصالح الخليجيين والعرب.

بالتأكيد أن الدور الأميركي كان واضحا في توجيه بوصلة قطر نحو المصالحة، وخاصة من خلال وساطة جاريد كوشنر، مستشار الرئيس ترامب، وهناك من يرى أن نظام الدوحة هو الذي دعا كوشنر الى أن يسرّع بالعمل على التوصل إلى حل قبل أن يغادر ترامب السلطة خلال أسابيع، حيث لا أحد يعلم بالضبط كيف سيكون موقف الرئيس القادم، ولكنه بالتأكيد لن يكون امتدادا لباراك أوباما حتى وإن كان نائبا له في فترة حكمه.

وحتى وإن زعم وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن لا علاقة لمسار المصالحة بمسار التطبيع مع إسرائيل، والذي بادرت به الإمارات والبحرين، فالثابت أن هناك روابط حقيقية بين المسارين، فقطر كانت إلى وقت قريب تعتمد في علاقاتها بمراكز القرار الأميركي والأوروبي على اللوبيات اليهودية أو القريبة منها، وكانت تقدم نفسها على أنها إسرائيل الخليج، باعتبارها ترى أنها تعيش وسط محيط معاد لها ولتطلعاتها، واليوم فقدت هذه الورقة، وباتت تبحث لنفسها عن مدخل إلى دائرة التطبيع، الذي كانت تمارسه في الخفاء.

هناك من يرى أن من مصلحة قطر أن تطوي صفحة الخلافات مع جيرانها، خاصة بعد أن دفعت غاليا ثمن العزلة، وبعد أن أصبحت محل ابتزاز معلن من قبل النظام التركي ومجبرة على دفع فواتير أطماع أردوغان التوسعية، وبعد أن تبين لها أن كل رهاناتها على الفتنة في السعودية والفوضى في مصر ذهبت أدراج الرياح، وأن مخطط الإسلام السياسي في طريقه إلى لفظ أنفاسه الأخيرة في المنطقة، وأصابع الأخطبوط الإخواني في أوروبا في طريقها إلى القطع، وكذلك وهي تستعد لتنظيم كأس العالم في شتاء 2022، الذي ستعتمد فيه بالدرجة الأولى على الجمهور الخليجي، وعلى الدعم اللوجيستي من جيرانها، وخاصة الإمارات والبحرين.

كواليس السياسة الخليجية تشير بوضوح الى أن دول المقاطعة لن تستطيع نسيان ولا تجاوز ولا حتى تجاهل ما تعرضت له من مؤامرات قطرية بغيضة وحملات عدوانية ممنهجة

وبالمقابل، هناك من يعتقد جازما أن قطر تدخل بيت الطاعة الخليجي مجبرة، وستجد ما تقنع به حلفاءها وأتباعها وأبواقها ودعاتها ومفتيها والسائرين في ركاب مشروع الإسلام السياسي، وهو الاضطرار أمام الضغوط، والتنازل إلى حين التمكن من جديد من أدوات الاختراق، وستجد من يحلل قائلا إنها دفعت الكثير من التضحيات، وعليها أن تنحني تكتيكيا أمام العاصفة، لتسترجع أنفاسها من جديد.

إن أي اتجاه لنظام الدوحة إلى المصالحة دون قطعه مع أسباب الخلاف وتخليه نهائيا عن دوره التخريبي في كامل المنطقة العربية، وعن تحالفه مع الأطماع الإمبراطورية الإيرانية والتركية، وإغلاقه أبواق الفتنة، لا يعني إلا التمترس من جديد وراء سياسة الخداع التي طالما مارسها على أكثر من صعيد، وهو المعروف عنه بأن لا وعوده تصدق، ولا التزاماته تنفذ، ولا تعهداته تتحقق.

الأوبزرفر العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى