قطر والحادي عشر من سبتمبر.. القاعدة وإخوان الشر

ايميل أمين

هل التاريخ برمته مؤامرة شريرة متصلة أم أنه فردوس للأطهار؟

تساؤل مثير للغاية يداعب العقول عبر آلاف السنين، وقد حار الفلاسفة والسياسيون في تقديم جواب شاف واف له وعنه، على أنه -وباختصار غير مخل- يمكننا القول إنه إذا كان من الخطأ تصوير التاريخ وكأنه مؤامرة فالأشد خطأ تصويره وكأنه مصادفة أو جنة لأصحاب النوايا الحسنة والطوايا الطيبة.

ومع حلول الذكرى الثامنة عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، يبقى الجدل الدائر حول ما جرى في ذلك النهار، وأغلب الظن أنه سيظل طويلا، وحتى نصف قرن على الأقل، إلى حين أن تسمح القوانين الأمريكية بإماطة اللثام عما جرى في ذلك الثلاثاء الأسود.

وفي كل الأحوال ربما لا يعنينا في هذه السطور القليلة إعادة النقاش حول المسألة الجنائية للحدث الإرهابي الأشهر الذي سيعيد تشكيل خريطة العالم الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، بقدر ما يعنينا إلقاء الضوء على الكواليس التي أدت إلى غزوتي نيويورك وواشنطن كما أسماهما زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وقتها.

أحد أهم الأسئلة المطروحة حديثا على مائدة الحوار الاستخباراتي الدولي: “هل كان من الممكن ألا يحدث الأمر إذا قامت دولة بعينها بجهود حثيثة لمكافحة الإرهاب على أراضيها، أم إنها هي التي وفرت الملجأ والملاذ لعقول الشر التي أدارت الأزمة وصولا إلى الكارثة؟

 باختصار غير مخل نحن أمام حقائق تتكشف يوما تلو الآخر، موصولة بالدور القطري في مأساة ذلك النهار المؤلم، وكيف أنها لو قامت بما يتوجب عليها القيام به في مطاردة إرهاب القاعدة على أراضيها، لربما تضاءلت إلى حد الانعدام حظوظ قيام خالد شيخ محمد بعمليته الإرهابية هذه .

 مجددا طفت على سطح الأحداث حقائق جديدة بالنسبة للعوام وإن كان الخواص يعرفون أبعادها من قبل، غير أن الجديد والمثير هو تأكيدها على لسان بعض من رجالات الاستخبارات الأمريكيين العتيدين من أمثال “روبرت بيير” ضابط الاستخبارات الأمريكية والكاتب السياسي في صحيفة التايمز البريطانية الشهيرة .

محور أحاديث الرجل تدور حول علاقة قطر بخالد شيخ محمد، الذي يقر “بيير” بأنه أدار خلية للقاعدة على الأراضي القطرية بالشراكة مع محمد الإسلامبولي -شقيق خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات- وكلاهما كان على علاقة برمزي يوسف مدبر تفجير مركز التجارة العالمي في 1993، وقد دارت النقاشات في العاصمة القطرية الدوحة حول اختطاف طائرات تجارية واستخدامها في سماء الولايات المتحدة كصواريخ طائرة، الأمر الذي تمكنوا منه، وللأسف الشديد في نهاية المطاف.

 ما قصة خالد شيخ محمد مع قطر؟ وما هي أبعاد علاقته بالقيادات القطرية تحديدا وتخصيصا؟ وكيف تلاعب القطريون برجالات المباحث الاتحادية الأمريكية والذين أدركوا مبكرا ما يجري على أراضي تلك الدولة المارقة، ومع ذلك لم يقدر لهم أن يقطعوا الطريق على الإرهاب الأعمى الذي أسقط نحو ثلاثة آلاف قتيل في نهار واحد؟

 قبل ثلاثة عقود وتحديداً في منتصف عام 1990 كانت قطر تستقبل عدداً من كبار الإرهابيين المطلوبين دولياً، والذين تمكنوا من مغادرة الفلبين بعد القبض على عدد من أعوانهم، كان في مقدمة هؤلاء “خالد شيخ محمد”، المصنف كثالث عضو في تنظيم القاعدة بعد أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري.

في ذلك الوقت نما إلى علم مدير مكتب التحقيقات الاتحادية “لويس فرييه”، خبر وصول الرجل الذي سيلعب لاحقاً دوراً أولياً ومحورياً في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إلى قطر، وعليه فقد سارع إلى التواصل مع السلطات القطرية، وبنوع خاص وزير الخارجية القطرية وقتها “مبارك بن علي الخاطر”، طالباً منه تسليم عضو القاعدة إلى السلطات الأمريكية تنفيذاً لما يقتضيه القانون الدولي، والاتفاقيات الموقعة بين واشنطن والدوحة.

 كانت السلطات الأمريكية تدرك تمام الإدراك أن “شيخ محمد” مشتبه في تورطه في مؤامرات إرهابية تهدد مصالح الولايات المتحدة بشكل واضح.

 لم تكتف قطر باستضافة “خالد شيخ محمد” لكنها وفرت له فرصة عمل في قطاعها الحكومي “الأشغال العامة للمياه”، متجاهلة أي طلبات أمريكية لتسليمه، بل إنها قابلت الطلب الأمريكي بعبارة “الشخص المرغوب غير موجود على الأراضي القطرية”، وفيما كان فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالية ينتظر في أحد الفنادق القطرية تسلم الرجل الثالث في تنظيم القاعدة، كانت السلطات القطرية تقوم بتهريبه خارج البلاد، إلى جهة آسيوية تكاد تكون معروفة.

 السؤال المثير: أين كانت قطر تخفي “شيخ محمد” بعدما علمت السلطات الأمريكية بوجوده على أراضيها؟

 الجواب في مزرعة خاصة يمتلكها وزير الداخلية القطري وقتها “عبد الله بن خالد” والمعروف بأنه أحد كبار المؤدلجين قاعدياً، والداعم للمنظمات الإرهابية. هذا الوزير معروف عنه أنه سبق له والتقى “أسامة بن لادن” في العاشر من أغسطس من عام 1996، إبان إقامته في السودان.

 يمكن القطع من الروايات السابقة بأن قطر كانت ومنذ عقدين أو أكثر قليلاً الدولة الوحيدة حول العالم التي دعمت وساندت تنظيم القاعدة بشكل رسمي، فيما كانت أدواتها الإعلامية لاسيما قناة الجزيرة، همزة الوصل بين بن لادن والعالم الخارجي، فعبرها تجري اللقاءات المتلفزة، ومن خلالها ترسل القاعدة برسائلها المشفرة لأتباعها وبهدف القيام بعملياتهم الإرهابية حول العالم.

 ولعل علامة الاستفهام الواجب طرحها في الحال: “لماذا الصمت تجاه قطر، لا سيما بعد أن تأكد ضلوعها في تهيئة الحاضنة اللوجستية التي تسببت في وقوع ضحايا بهذا الرقم غير المسبوق، وبعملية هجومية أفقدت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير جدا من توازنها، ودفعها إلى الدخول في سلسلة من الحروب على الإرهاب حول العالم، ولا تزال غير قادرة على الفكاك من براثنها حتى الساعة، وعلى غير المصدق النظر إلى أوضاعها في أفغانستان والعراق وسوريا، وربما في الشرق الأوسط بعموم المشهد؟

في كل الأحوال يمكن القطع بأن محاكمة خالد شيخ محمد التي تقترب كما تم الإعلان عن ذلك في الولايات المتحدة مؤخرا، سوف تكشف للأمريكيين وللعالم برمته الكثير من الخبايا والأسرار، عن علاقة قطر بالإرهاب، والحال يغني عن السؤال إذ لا تزال الدوحة توفر الملجأ والمأوى لقيادات جماعة الإخوان الإرهابية، بل إنها تفتح قصورها لقياداتهم الذين ضللوا عشرات الآلاف من الشباب العربي والمسلم طوال العقود الثلاثة الماضية.

ولعل المعلومات التي تتكشف يوما تلو الآخر، هي التي دفعت الكثير من الأصوات الأمريكية من السياسيين والمفكرين، المثقفين وكبار الكتاب، وكذلك الاستخباراتيون لمطالبة إدارة الرئيس ترامب إلى إعلان قطر دولة راعية للإرهاب.

 يمكن للدوحة أن تمارس الكذب على العالم وعلى الولايات المتحدة الأمريكية إلى حين، لكنها لن تستطيع البقاء إلى الأبد سادرة في غيها، متسببة في حالة عدم الاستقرار ونشر الإرهاب حول العالم.. الحقائق ستكشف يوما ولا بد من ذلك. وساعتها على الباغي ستدور الدوائر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى