قمة تاريخية في بغداد تؤسس لشراكة استراتيجية بين مصر والأردن والعراق

ثمن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأحد، في كلمته أمام القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة العراقية بغداد، مواقف العراق والأردن الداعمة لمصر فيما يتعلق بحقوقها المائية، قائلاً: “هو الأمر الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي العربي، ويشكل جزءاً من الحقوق المائية العربية بشكل عام”.

وقال السيسي: “نأمل أن تدشن هذه القمة التاريخية مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية والتعاون الوثيق بين بلداننا، سعياً نحو الانطلاق خلال السنوات القادمة إلى مرحلة التنمية المستدامة والرخاء لشعوبنا”.

وأكد تأييد مصر لـ”الحقوق المائية للعراق والأردن، في مواجهة التحديات الماثلة أمامهما، وترى أن الحقوق العربية المائية تعد مكوّناً أصيلاً من مكوّنات الأمن القومي العربي، مما يتطلب التنسيق والتعاون فيما بيننا للحفاظ عليها”.

وعُقدت في العاصمة العراقية بغداد، الأحد، قمة ثلاثية جمعت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، لبحث تعزيز التعاون بين البلدان الثلاثة.

وتأتي القمة في إطار الجولة الرابعة لآلية التعاون الثلاثي التي انطلقت بالقاهرة في مارس 2019.

تسوية سياسية في ليبيا

في الشأن الليبي، قال السيسي إن “مصر تسعى للتوصل لتسوية سياسية، بناء على مخرجات قمة برلين، وإعلان القاهرة وقرارات الشرعية الدولية، ودعمت المفاوضات التي تضم كافة الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة، وصولاً لاتفاق لجنة الحوار الوطني الليبي في جنيف، واختيار رئيس الوزراء، ورئيس المجلس الرئاسي، ثم تشكيل الحكومة الليبية المؤقتة”.

وأضاف: “وهو ما يشكل في مجمله خطوة هامة على الطريق السليم، إلا أننا نؤكد صعوبة تحقيق الاستقرار المرجو، من دون إنهاء كافة التدخلات الخارجية في ليبيا، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، مع ضرورة استمرار احترام وقف إطلاق النار، وصولاً للانتخابات الليبية في ديسمبر المقبل”.

وحدة وسلامة واستقلال الأراضي السورية

على صعيد الملف السوري، جدد الرئيس المصري “التأكيد على الموقف القاضي بعدم إمكانية حل الأزمة السورية عسكرياً”، وأن “هناك حاجة للتوصل لحل سياسي يُنهي العمليات العسكرية والتدخلات الخارجية، ويحقق المطالب المشروعة للشعب السوري، مع ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة واستقلال الأراضي السورية، وحماية مؤسسات الدولة من الانهيار”.

وتابع: في هذا الإطار، تدعم مصر جهود التسوية السياسية للأزمة في إطار عملية جنيف، ووفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وجهود المبعوث الأممي”.

دعم القضية الفلسطينية

وفي الشأن الفلسطيني، قال السيسي إن “مصر تواصل جهودها في دعم القضية الفلسطينية ذات الأولوية، باعتبارها قضية العرب المركزية، عاملة على تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين، والذي نجحت الجهود المصرية في التوصل إليه، وإطلاق جهود السلام مُجدداً، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وحل الدولتين بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”.

وأضاف: “شهدت القاهرة زخماً خاصاً في الأشهر الماضية، واتصالاً بهذا الموضوع عبر اجتماعات الجامعة العربية وغيرها، فضلاً عن جهود التقريب بين الأشقاء الفلسطينيين لإتمام المصالحة فيما بينهم، صوناً لقدرة الشعب الفلسطيني على استعادة حقوقه عبر وحدته وتضامنه”.

وعبّر عبد الفتاح السيسي عن تطلع مصر لاستضافة القمة المقبلة، “إيماناً منها بأهمية هذا التعاون المشترك”.

التعاون الثلاثي بين العراق ومصر والأردن

وأفادت الرئاسة العراقية في بيان صحافي بأن صالح ناقش، خلال جلسته الثنائية مع السيسي، التعاون الثلاثي بين العراق ومصر والأردن، إذ تم التأكيد على أهمية تعزيز مستوى التنسيق بين البلدان الثلاثة، والاستفادة من التواصل الجغرافي في تنمية آفاق تعاون أوسع في مجالات الاقتصاد والتجارة والتنمية، والتأسيس لمشاريع البنى التحتية، ونقل الطاقة ومد أنابيب النفط.

وأكد اللقاء أهمية مواصلة الجهود من أجل مواجهة التحديات القائمة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وتداعيات وباء كورونا، والتغير المناخي وحماية البيئة، وضرورة مواصلة الاجتماع بشكل دوري لتنسيق المواقف وتعزيز التعاون الثلاثي.

وأشارت الرئاسة في العراق إلى أن اللقاء تناول تطورات الأوضاع في المنطقة، والتأكيد على أن “العراق الآمن والمستقر ذا السيادة، وإعادة دوره العربي والإقليمي هو عنصر مهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في كل المنطقة”، فضلاً عن أهمية التنسيق الثلاثي المشترك في تخفيف التوترات، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وإيجاد حلول للأزمات في سوريا واليمن وليبيا.

استقرار العراق

من جانبه، أشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بجهود العراق في ترسيخ الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب والتطرف، ومجابهة التحديات المختلفة التي واجهت البلد، مؤكداً موقف مصر المساند والداعم للعراق، وأهمية العمل على تطوير العلاقات بين البلدين، وتعزيز التعاون الثلاثي العراقي المصري الأردني، بحسب البيان.

والسيسي هو أول رئيس مصري يزور العراق منذ غزو الكويت في عام 1990، مما أدى إلى توقف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قبل استئنافها في وقت لاحق، بحسب ما ذكرت وكالة “رويترز”.

فيما أكد الملك عبد الله وقوف الأردن إلى جانب العراق في الحفاظ على أمنه واستقراره، مشدداً على أهمية الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية، وضرورة تعزيز التعاون الثلاثي المشترك بين العراق والأردن ومصر، بما يحقق المصالح المشتركة، وفقاً للبيان.

مكافحة التطرف

وفي تغريدة له عبر “تويتر”، أكد برهم صالح أن تعافي العراق يمهد لمنظومة متكاملة للمنطقة، “أساسها مكافحة التطرف واحترام السيادة والشراكة الاقتصادية”.

وأضاف تعليقاً على استقباله للسيسي والملك عبد الله: “علاقاتنا الراسخة في التاريخ مُنطلق لمستقبل واعد لشعوبنا وشبابنا، رسالة بليغة وسط تحديات إقليمية جسيمة”.

وفي السياق نفسه، استقبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الرئيس المصري والعاهل الأردني في القصر الحكومي بالعاصمة بغداد.

وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، في بيان،أن الكاظمي بحث مع السيسي العلاقات بين البلدين، وسبل تعزيز التعاون في عدد من المجالات، وبعض الملفات ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن  متابعة مراحل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في وقت سابق في إطار أعمال القمة الثلاثية.

وتأتي هذه القمة بعد أن تأجلت مرتين، الأولى في مارس الماضي على خلفية سقوط عشرات الضحايا والجرحى في حادث اصطدام قطارين بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، بينما تأجلت المرة الثانية في أبريل على خلفية الظروف الأمنية في الأردن.

وكان زعماء مصر والعراق والأردن اجتمعوا بالقاهرة في أول قمة مشتركة عام 2019، عندما استضاف السيسي العاهل الأردني ورئيس الوزراء العراقي آنذاك عادل عبد المهدي، في حين انطلقت الجولة الثانية في أغسطس 2020 بالعاصمة الأردنية عمّان، بحضور رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي.

ملفات القمة الثلاثية

القمة الثلاثية التي تستضيفها بغداد ستبحث في عدد من مجالات التعاون الاقتصادي، على غرار مشروع تمديد خط أنابيب لنقل النفط من العراق إلى مصر عبر الأردن، وتشغيل خط للنقل البري بين بغداد والقاهرة، والربط الكهربائي، ومشاريع البنى التحتية، وإعادة الإعمار في العراق، إضافة إلى التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وكذلك مستجدات الأوضاع والأزمات في المنطقة العربية، بحسب ما أوردت مصادر مطلعة لـ”الشرق” في وقت سابق.

ومن المتوقع أن يطرح الجانب العراقي حاجته إلى منفذ ثالث لتصدير النفط إلى دول العالم، إلى جانب المنفذين الحاليين المتمثلين في ميناء البصرة على الخليج العربي، وميناء جيهان على البحر المتوسط.

وقد يجري أيضاً بحث التجارة البينية، وتحقيق التوازن الاقتصادي بين الدول الثلاث، واستكمال المباحثات بشأن ملف النفط والقناة الجافة بين العراق والأردن، إلى جانب بحث ملف النقل والتجارة من ميناء نويبع المصري إلى العراق عبر ميناء العقبة الأردني.

المشرق الجديد

القمة الثلاثية قد تشهد أيضاً إطلاق مشروع اقتصادي تحت عنوان “المشرق الجديد”، حيث يسعى العراق، صاحب هذا المشروع، إلى إحداث تغييرات اقتصادية واستثمارية، وتنسيق المواقف بشأن قضايا المنطقة السياسية والأمنية.

ويعتمد هذا المشروع على الكتلة البشرية لمصر، بالإضافة إلى الثروة النفطية الكبيرة التي يمتلكها العراق، في حين ينضم إليهما الأردن بحكم موقعه الجغرافي الذي يربط بين البلدين.

وكانت وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية توقعت في تقريرها السنوي أن يبدأ تشغيل مشروع الربط الكهربائي بين الأردن والعراق في عام 2022، كما تم توقيع اتفاقية عقد تزويد الطاقة الكهربائية من الجانب الأردني إلى الجانب العراقي والبدء بتنفيذ المشروع في المرحلة الأولى، على أن يتم بموجبها تصدير 1000 غيغاوات/ ساعة سنوياً من الأردن إلى العراق.

كما يربط الأردن بالعراق مشروع خط النفط (البصرة – العقبة) الذي لا يزال قيد المباحثات، وبموجبه سيتم نقل نحو مليون برميل نفط يومياً عبر أنبوب النفط العراقي من البصرة إلى البحر الأحمر مروراً بميناء العقبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى