كيف تلاعب الإخوان في الإقتصاد المصري؟

إمبراطورية المال التابعة للإخوان المسلمين

مع انتصاف عام 2012، كان الإخوان في مصر يعيدون التكيف مع واقع جديد هيمنت فيه الجماعة على السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ودفع هذا الواقع الجديد خيرت الشاطر، الرجل القوي في الجماعة والمسؤول الأول عن الإمبراطورية المالية، إلى تأهيل اقتصاد التنظيم للتوسع ومحاولة دمجه في اقتصاد الدولة، ولتحقيق هذا الهدف شكّل لجنة لإدارة شؤون الجماعة المالية بمساعدة رفيقه رجل الأعمال حسن مالك.

خيرت الشاطر

وضمت اللجنة في عضويتها عددا من رجال الأعمال المنتمين للتنظيم، أبرزهم يوسف عمر محمد يوسف، وعبداللطيف عبدالعزيز، ومحمود مجاهد، ومحمد صابر شلبي، ومحمد هشام حامد علي شراقي، ومصطفى عبدالرؤوف خلف الله، ومصطفى محمد إبراهيم.

وقالت مصادر أمنية إن الشاطر استغل نفوذه في عام 2012 لتحقيق مكاسب مالية ضخمة بالتلاعب في الاقتصاد المصري واحتكار صفقات خاصة، كان من أبرزها صفقة “بلومبرج”، مشيرا إلى أن الشاطر كان يقدم نفسه للمستثمرين باعتباره صاحب القرار النافذ في مؤسسة الرئاسة المصرية.

شاب مصري كان يعمل بمكتب الشاطر في ضاحية مدينة نصر (شرقي القاهرة) قال لـ”العين الإخبارية” إن عام 2012 شهد زيارات متكررة من وفود أجنبية على مكتب الشاطر، ودائما كان يرافقه أثناء الزيارات القيادي الإخواني الهارب أيمن عبدالغني، وهو صهر الشاطر وأحد أبرز القيادات المدرجين على قوائم الإرهاب.

ولم يمضِ عام إلا ووجدت اللجنة نفسها أمام مهام لم تكن تتوقعها، بعد أن أطاحت ثورة شعبية (30 يونيو 2013) بالتنظيم الإرهابي من السلطة وعلى الأرجح من التاريخ أيضا.

تفادى غالبية أعضاء اللجنة التوقيف وفروا إلى تركيا بعد إلقاء القبض على الشاطر ومالك، وفي وقت لاحق أدرجتهم السلطات المصرية على قائمة الإرهاب.

وفي ذلك الوقت عقد أعضاء اللجنة المالية اجتماعات تنظيمية متتالية في تركيا ودول عربية، وضعوا خلالها مخططا متكاملا لتقويض الاقتصاد المصري وعرقلة جهود التنمية، بغرض الإضرار بالاقتصاد القومي والارتكاز على الكيانات والعناصر المتحفظ عليها.

وانكشف المخطط الإخواني للسلطات المصرية في نهاية عام 2015 وأوائل 2016، بحسب وثائق القضية 721 حصر أمن دولة عليا، وهو ما قاد للقبض على عناصر اللجنة الذين ظلوا في القاهرة، وعلى رأسهم محمد السعيد فتح الدين.

وضبطت بحوزة فتح الدين مبالغ مالية ضخمة بالعملات المحلية والدولار، ومجموعة أوراق تنظيمية تشمل استراتيجيات العمل المسلح، والتحرك الإعلامي، ومذكرة بالتكليفات الواردة من لجنة الإدارة العليا للجماعة بالخارج موقعة باسم القيادي الإخواني الهارب محمد عبدالرحمن المرسي، مسؤول اللجنة، وبها اعتراف مكتوب بضلوع الجماعة في حادث اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام المصري الأسبق (يونيو/حزيران 2015).

واضطلعت اللجنة بتسيير كل شؤون الإخوان المالية وإعادة تشكيل الاستثمارات الخاصة بالجماعة، ووضعت ثلاثة أهداف رئيسية؛ وهي التحايل على إجراءات لجنة التحفظ على أموال الكيانات الإرهابية بنقل ملكية المدارس والشركات والجمعيات والمستشفيات لرجال أعمال في دائرة الظل.

كما عملت على التنسيق مع القائمين على اللجنة الإعلامية بالجماعة لنشر الأخبار والشائعات حول الاقتصاد المصري التي من شأنها تعميق الأزمة الاقتصادية ومقاطعة عناصر الجماعة والمرتبطين بهم للشركات الوطنية والداعمة للدولة.

وقال مصدر قضائي مصري إن لجنة التحفظ على أموال الإخوان مستمرة في التقصي عن أموال الجماعة المخفية، مشيرا إلى أنه يجري في الوقت الحالي الإعداد لقائمة ثالثة تشمل عددا من الشركات والشخصيات الإخوانية وغيرهم من المتعاونين مع التنظيم.

واعتمدت الجماعة على الاقتصاد غير الرسمي، وركزت معظم استثماراتها في التجارة معتمدة على صعوبة رصد حركة الأموال السائلة خصوصا في ظل اعتمادها على شخصيات غير معروفة للجهات الأمنية.

مصدر قريب من الجماعة -فضل عدم ذكر اسمه- وصف الوضع الراهن للاقتصاد الإخواني بأنه “هرم ثلجي”، ما يظهر منه لا يتجاوز 20% من حجمه الحقيقي، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الأجهزة الأمنية والقضائية المصرية لتتبع أموال الإخوان لتجفيف منابع الإرهاب، فإن التنظيم مثل أي كيان إرهابي لديه طرق خاصة في إخفاء الجزء الأكبر من أرصدته.

وأوضح أن “الجماعة تعلمت الدرس من قرارات الحظر المتتالية التي كان أولها في عام 1948، في عهد الملك فاروق، لذلك اتبعت أساليب خاصة في إخفاء استثماراتها”.

وأشار المصدر إلى اعتماد الجماعة بشكل أساسي على ضخ أموالها في استثمارات صغيرة خصوصا في القطاعين العقاري وتجارة التجزئة، مع حرصها على تسجيل معظم تلك الشركات بأسماء شخصيات لا تنتمي إلى التنظيم، بل إن بعضهم من الأقباط.

وتشير أوراق القضية رقم 653 حصر أمن دولة عليا إلى بعض الأسماء غير المنتمين للتنظيم، نجحت الجماعة في عقد شراكات اقتصادية معهم بالمناصفة، أبرزهم الأمير مصطفى حسن محمد، والسيد بهي الدين محمد عوض، والسيد حسن سالم القاضي، وإبراهيم عبدالحميد مرسي زينة، وإسماعيل ثروت عبدالفتاح، وإنجي فايز سالم الدفراوي، وإيهاب محمد عطية، وأحمد علي موسى، وأحمد التابعي، وإيمان صبري سيد عثمان، وهدى محمد عطية، وأحمد صبري، وهم مدرجون على قوائم الإرهاب وفق المذكرة رقم 1 لسنة 2017.

وطالبت دعوى قضائية مقيدة برقم 5808 لسنة 2019، في أبريل/نيسان الماضي بمصادرة شركة “سيفتي” للحراسات الأمنية بوصفها إحدى الشركات المملوكة لأحمد عمر عبدالستار عبدالمعز، ومصطفى عبدالمعز عبدالستار، وشندي يحيى شندي الرئيس الوهمي للشركة.

وتمت مصادرة عدد من الشركات التابعة لمجموعة المعز والمملوكة لمصطفى عبدالمعز عبدالستار، المتهم الأول في قضية “خلية الأمل” المتهمة بالتعاون مع تنظيم الإخوان بتوفير وعاء بديل لاستثمارات التنظيم في مصر، في يونيو/حزيران 2019.

ووفقا لموقعها الرسمي، تمتلك “المعز القابضة” كثيرا من الشركات العاملة في مجال الاستثمار العقاري والتوسع العمراني، خصوصا في مصر وبشكل عام في منطقة الخليج العربي، بالإضافة إلى الشركات الوطنية والعالمية الرائدة في مختلف المجالات الصناعية والسياحية والتجارية والاستثمارات الطبية.

مجموعة “المعز القابضة للاستثمار والتنمية” هي ملك أبناء عبدالمعز عبدالستار، أحد قيادات الرعيل الأول لجماعة الإخوان، المولود في عام 1916.

وتتفق مصادر بشكل منفصل على أن الجماعة أعادت تشكيل خريطتها الاقتصادية منذ عام 2009، وهو التاريخ الذي يتفق مع قضية ضخمة تورط بها التنظيم عُرفت باسم قضية “غسيل الأموال”.

ويمكن رسم خريطة استثمارات الإخوان من خلال المعلومات بأن الجزء الأكبر منها يتم في التجارة، يليها قطاع العقارات، ثم منتجات السلع المعمرة، والاستثمار في مجال التعليم، فضلا عن شركات الصرافة.

وعلمنا أن رجل الأعمال “ع.ن” صاحب شركات “هـ.ن” العاملة بمجال العقارات، يستثمر بأموال الإخوان وهو غير منتمٍ للتنظيم، وبالبحث عن الاسم وجدنا أنه تبرع على مدار الأشهر الأربعة الماضية بنحو 300 ألف جنيه (ما يقرب من 20 ألف دولار) لصندوق “تحيا مصر”، و100 ألف جنيه (ما يقرب من 7 آلاف دولار) لصالح الأعمال الخيرية.

لا توجد إحصائيات دقيقة بحجم الاستثمار الإخواني في مصر، لأن معظمه اقتصاد غير رسمي، ويصعب تصنيفه، لكن خبيرا اقتصاديا مصريا قدر حجم استثمارات الجماعة بأنها تمثل نحو 10% من إجمالي الاستثمارات بمصر.

وقال إن تلك الاستثمارات موزعة بين التوكيلات التجارية والمدارس، والسلاسل الغذائية، والسلع المعمرة، والعقارات، والملابس.

ووفقا لآخر بيان أصدرته لجنة التحفظ على أموال الكيانات الإرهابية، فإن مصر صادرت أموال 1589 عنصرا من المنتمين والداعمين للتنظيم الإرهابي، وتحفظت على 118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية و104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعا إلكترونيا وقناة فضائية.

وزير المالية المصري الأسبق، سمير رضوان، قال إن 12 مليار دولار اختفت من الاحتياطي النقدي في خزينة البنك المركزي المصري في عام حكم الجماعة.

وأكد رضوان أن الاقتصاد المصري تأثر سلبا في عهد الإخوان.

وأضاف: “بكل موضوعية هذا تحليل ليست له علاقة بالسياسة، الإخوان لم يكونوا قادرين على إدارة الاقتصاد أبدا، وهو تنظيم راديكالي يضم فصيلين، وللأسف أن من كان يسيطر على مصر في هذا العام هم متشددو التنظيم الإرهابي، وهم أفسدوا أشياء كثيرة في مصر كان أهمها الاقتصاد”.

وبعد سقوط الجماعة عن الحكم في 30 يونيو/حزيران 2013، تكثفت الجهود على ضرب الاقتصاد من خلال تهريب النقد الأجنبي خارج البلاد باستغلال مؤسساتها المالية وتكثيف العمليات الإرهابية التي تنسف بيئة الاستثمار الجيد.

واعترف الإخواني رضا محمود عبدالله، وهو موظف بشركة حسن مالك، بالتجارة بالنقد الأجنبي في السوق السوداء بأسعار أعلى من سعرها خصوصا الدولار.

وأشار إلى أنه قام بالاشتراك مع مجموعة آخرين بتجميع الدولار من السوق في 2015 لصالح شركة صرافة ملك كرم عبدالوهاب، ويدير فرعها الكائن بشارع 26 يوليو بحي الزمالك بالقاهرة المتهمان محمد ميراز وشقيقه.

وأقر أمام النيابة أنه جمع نحو 60 ألف دولار في 3 أشهر مطلع 2015 بهدف الإضرار بالاقتصاد ورفع سعر الدولار بالسوق المصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى