كينيدي وبايدن.. نظرية المؤامرة ولعنة الماضي

ماريا معلوف

لطالما كانت عائلة كينيدي ضمن العائلات السياسية التي تصنف عالميا بأنها من العائلات التي أصابتها “لعنات السياسة” من الاغتيال وفضائح العلاقات الغرامية وأضواء الشهرة.

وكان وجود العائلة في أي محطات سياسية يؤدي إلى توحد الأضواء الإعلامية من قبل الصحافة المحلية والعالمية في جهة طرف واحد مقابل الأطراف الأخرى، كما كنا نرى مثلا في استحواذ الأميرة الراحلة ديانا على أكثر من ٧٠ % من التغطية الإعلامية لحياة العائلة المالكة البريطانية.

أحدث الحلقات في حياة عائلة كينيدي كان اعتزام ترشح روبرت إف كيندي الابن الترشح للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لسباق البيت الأبيض المقرر في 2024.

فمنذ مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي وعشية إعلان كينيدي ترشحه، اعتبر ساسة كثر أن ترشحه هو بمثابة الحجر الذي ألقى في مياه الحزب الديمقراطي، ليزيح النظر قليلا عن إمكانية حسم بايدن للفوز أمام أي من مرشحي الحزب في الانتخابات التمهيدية.

وروبرت إف كينيدي الابن هو نجل روبرت كينيدي المدعي العام الذي اغتيل عام ١٩٦٨ عشية ترشحه للرئاسة، وعمه هو الرئيس الخامس والثلاثون لأمريكا، جون كينيدي، الذي اغتيل العام ١٩٦٣ وكان الاغتيال الذي طال والده ومن قبله عمه بمثابة أحداث فارقة في القرن العشرين لا تغيب عن بال أي أمريكي عند سماع اسم العائلة .

تتميز أطروحات كينيدي بأنها خليط من أحلام الشعبويين في الولايات المتحدة، فأطروحاته تذكر بالمد الشيوعي الذي داعب أحلام الأحزاب والشعوب العربية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فهو يرى أن تحطيم الطبقة الوسطى كان بسبب الاندماج بين السلطة والشركات، كما أنه بلا شك يؤمن بنظرية المؤامرة.

ونرى ذلك بوضوح في موقفه من لقاحات كورونا والحرب التي شنها على مصداقية وجود المرض وفاعلية اللقاحات

وبالرغم من دراسته للاقتصاد والآداب والتاريخ الأمريكي ودراساته العليا في القانون من أعرق الجامعات الأمريكية ورغم أنه سليل عائلة كينيدي الشهيرة تبقى حظوظ كينيدي ضئيلة أو شبه معدومة أمام الرئيس الحالي جو بايدن.

وخلال العديد من الزيارات التي قمت بها خلال هذا الأسبوع لبعض الساسة الأمريكيين لأهدي لهم كتابي عن النشاطات الإيرانية في الشرق الأوسط، أرشدني أحدهم خلال الحديث عن تناول الإعلام لترشح كينيدي إلى أن الأخير أصدر كتابا خلال حربه على لقاحات كورونا بعنوان “أنتوني فاوتشي الحقيقي” كان بمثابة اعتقاد راسخ منه بأن كورونا لا تعدو كونها مؤامرة وما زلت في طور قراءة هذا الكتاب لأفهم التصورات التي يرى الرجل أنها هي “الديمقراطية الأمريكية “.

لكن يبقى السؤال الأهم هنا: هل كينيدي هو الشعبوي داخل الحزب الديمقراطي كما هو الحال مع ترامب داخل الحزب الجمهوري؟ وهل هو الذي يمثل الوعد بالحياة الأفضل للفقراء والمهمشين في الجنوب ضمن أحياء أصحاب البشرة السوداء الذي وعدهم والده روبرت في حملته بالكثير قبل اغتياله

اليوم يبدو التشابه في الخيال ماثلا بين الوالد والابن.. فقد أوهم الوالد الذي ترشح نهاية الستينيات مؤيديه من الفقراء أن أوضاعهم ستتحسن وأن حرب فيتنام ستنتهي آثارها وأن عمليات الاختطاف والاغتيالات ستتوقف، لكن الاغتيال طاله هو شخصيا خلال حملة الترشح.

واليوم يعد الابن الأمريكيين بأحلام القرن الذي نعيش فيه حيث أزمة الهوية عند كثير من الأمريكيين والذكاء الاصطناعي يرغب بالسيطرة على العالم، وبات الإيمان بنظرية المؤامرة قناعة لدى الكثير من الأمريكيين بمن فيهم كيندي نفسه، والذي لا يملك الكثير من الحظوظ لمواجهة بايدن لكنه ولا شك لن يستطيع أن يقنع جمهوره أن خسارته المحسومة أمام بايدن هي فصل جديد من نظرية المؤامرة التي تحفل بها جميع أطروحاته وكتاباته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى