لجنة العقوبات في مجلس الأمن تحبط مشروعاً بلجيكياً للإستيلاء على الأموال الليبية

رفضت لجنة العقوبات في مجلس الأمن الدولي، رسمياً، طلباً بلجيكياً التصرّف في الأموال المجمّدة لليبيا، والتي تقدر بنحو 67 مليار دولار.

وقال مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، السفير طاهر السني، إن “لجنة العقوبات في مجلس الأمن أقرت عدم وجود أي سند قانوني للتصرف بالأموال المجمدة”.

وعدّ السني، في سلسلة تغريدات له على صفحته الرسمية ب”تويتر”، القرار  انتصارا مهما تحقق لليبيا، وذلك بفضل جهود البعثة ووزارة الخارجية ومؤسسة الاستثمار.

وتقدم الطلب البلجيكي، في 2 فبراير/ شباط الجاري، للجنة العقوبات في مجلس الأمن، فيما اليوم السبت تقرر بالإجماع رفضه.

يأتي ذلك بعد عدة محاولات بلجيكية للتصرف في الأموال الليبية المجمدة، لاستخدامها في تسوية “ديون محتملة” على جهات ليبية، مؤكدة أنها “لن تسمح بالمساس بأصولها”.

وأثيرت تلك القضية حين وافق وزير المالية البلجيكي فنسنت فان بيتيغيم على اقتطاع جزء من تلك الأموال لأمير بلجيكا لوران، تقدر بـ 47 مليون يورو، يقول إنها “مستحقة له على الدولة الليبية”، بعد سنوات عديدة من مطالبته بها.

وخلال حضوره جلسة البرلمان في 27 يناير الماضي، قال بيتيغيم إنه “لم يعد هناك اعتراض” على إخطار لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، والمسؤولة عن متابعة الأموال الليبية المجمدة، من أجل اقتطاع هذا المبلغ، حسب جريدة “لوسوار” البلجيكية.

ويعود النزاع بين طرابلس والأمير لوران إلى عام 2010، حين أقدمت الحكومة الليبية وقتها على فسخ عقد من جانب واحد، كانت وقعته عام 2008 بقيمة 70 مليون يورو، منظمة “غير ربحية”، كان يرأسها الأمير لوران؛ لإعادة تشجير مئات الهكتارات من السواحل الليبية المتصحرة.

ووفق الأرقام الرسمية، هناك 15 مليار يورو من أموال المؤسسة الوطنية للاستثمار الليبية، مجمدة في البنوك البلجيكية، بواقع 12.8 مليار يورو في بنك “يوروكلير”، و869 مليون يورو في بنك “كا بي سي”، و376 مليون يورو في بنك “إي إن جي”، و43 مليون يورو في بنك “فورتيس باريبا”، وتخطط بلجيكا لاقتطاع المبلغ منها.

هذا التحرك دفع مؤسسة الاستثمار إلى إرسال بيان لمجلس تعلن فيه “رفضها القاطع لطلب الحكومة البلجيكية رفع التجميد عن جزء من أصولها”، قائلة إنها لم تدخل في أي نزاع مع المؤسسة المملوكة للأمير لوران، ولا علاقة تعاقدية لها معه.

وأكدت المؤسسة “تمتعها بالاستقلالية القانونية التامة عن الدولة الليبية، وتملك الذمة القانونية والمالية المستقلة، وليست مسؤولة عن أي مطالبات ضد الحكومة الليبية”، مشيرة إلى أنه “لا أسباب قانونية أو أي مبرر آخر لكي تحاول الحكومة البلجيكية تسوية ديونها من الجهات الليبية الأخرى عن طريق الاستيلاء على أموال تخص المؤسسة والشركات التابعة لها”.

وذكرت أنه سبق للأمير لوران أن “قام بمحاولات مماثلة وغير ناجحة لرفع التجميد عن هذه الأصول وقد رفضتها وزارة الخزانة البلجيكية في عام 2016، وهو القرار الذي أكده المجلس البلجيكي في عام 2018”.

ودعت إلى “الرفض العاجل لهذا الطلب غير المبرر على الإطلاق من الحكومة البلجيكية”، مطالبة “باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لمنع الإفراج عن أي أموال تحتفظ بها المؤسسة أو الشركات التابعة لها في البنوك البلجيكية”.

وما أضعف موقف الأمير لوران، التحقيقات التي شرعت فيها مؤخرا النيابة العامة في بروكسل مع مسؤول بلجيكي متهم بتلقيه “رشوة” في عام 2017، بقيمة 50 ألف يورو؛ للتدخل لصالح الأمير في قضية الأموال الليبية المجمدة.

ويخضع رئيس مجلس إدارة هيئة السكك الحديدية البلجيكية، جان كلود فونتينوي للتحقيق من قبل مكتب المدعي العام في بروكسل بتهم مزاعم فساد في ملف الأموال الليبية، وفقا لجريدتي “ميدور” و”لو سوار” البلجيكيتين ومجلة “باريس ماتش” الفرنسية.

وبناء على اتهام أحد الشهود فإن فونتينوي، الرجل الموثوق به السابق للمفوض الأوروبي ديدييه رايندرز، وكان وقتها خبيرًا في وزارة الخارجية البلجيكية، متهم بقبول 50 ألف يورو قبل 4 أعوام من طرف رجل الأعمال ألدو فاستابان، “لإيجاد حل سياسي بين الأمير لوران وليبيا”، حسب ما خرج عن النيابة، التي لم تفصح عن المزيد من التفاصيل حول “هذا الدور”.

وفي هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي الليبي بشير زعيبة إنها ليست المرة الأولى التي تحاول فيها بلجيكا التصرف في الأموال الليبية المجمدة، مردفا أن البعض ينظر بـ”تقديس” إلى حكومات الغرب وأنها تتعامل بـ”القانون والتشريعات” لكن في بعض الأحيان لا تكون بعيدة عن “مافيا الأموال”.

ويرى زعيبة أن الرفض الدولي للطلب البلجيكي في التصرف في الأموال الليبية “يقطع الطريق أمام تسجيل سابقة ينتظرها كثيرون غيرها”.

ويتفق معه الباحث السياسي الليبي عبيد الرقيق مع وجهة النظر السابقة، قائلا إن مجلس الأمن لو وافق على هذا الطلب لكانت النتائج “سلبية ووخيمة على الأموال” المجمدة، مكملا: “وقد يترتب عن ذلك فتح الباب على مصراعيه أمام عديد الشركات للمطالبة بمستحقاتها وتحميلها على مؤسسة الاستثمار”.

وتابع: “برغم أن القانون البلجيكي رقم 1999 يوفّر لزبائن البنوك الحصول على حسابات محمية من الحجز القضائي حتى من قبل الدولة نفسها، فالأمر لا يخلو من بعض الهواجس، حول إمكانية تجاوز واختراق ذلك، والوصول الى الأموال المجمّدة فيه، مثل الحال مع الأمير البلجيكي لوران”.

ولا يوجد حصر رسمي بحجم الأموال الليبية المجمدة في الخارج، لكن تقدر الأموال التابعة لمؤسسة الاستثمار بنحو 57 مليار يورو موزعة بين بلجيكا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا، وتنقسم بين أموال سائلة في البنوك، أو أصول في شركات منها “فيات لصناعة السيارات” وعملاق الطاقة الإيطالي شركة “إيني” وشركة “باير” الألمانية للكيماويات وبنك “يونيكريدت” الإيطالي والبنك الملكي الأسكتلندي وغيرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى