ماذا يعني تفعيل آلية “سناب باك” لإيران؟

هدى رؤوف

مع تفعيل آلية “سناب باك” وإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران انتهى الاتفاق النووي، الذي كان في غيبوبة لأعوام، واضعاً حداً لعقد من محاولات التوصل إلى تسوية مع الغرب، مع بناء جدار أكبر من عدم الثقة في المسار التفاوضي.

تداعيات تفعيل “سناب باك” والتصويت في مجلس الأمن الدولي بإعادة العقوبات الأممية على إيران، لا تمتد فقط إلى الأوضاع الاقتصادية، بل يمكن قراءة الوضعين الداخلي والخارجي لطهران تأثراً برمزية تفعيل الآلية.

التداعيات على داخل إيران لن تتعلق فقط بالآثار الاقتصادية التي ستضاعف ضغوطاً على المواطنين، فالتداعيات تمتد للعلاقة بين إيران والغرب، والعلاقة بين التيارين المتشدد والإصلاحي، بعبارة أخرى التأثير في أيهما الأصح، مسار المفاوضات مع الغرب أم مقاطعة الغرب.

الأهم أن التداعيات عمقت عدم الثقة وبنت جداراً من الشك حول الغرب أكثر، مما يعزز لدى عقلية صانع القرار الإيراني أن وجود استهداف للنظام الإيراني، ومن ثم ترسيخ الاعتماد على عدم التخلي عن الميدان بكل ما يتطلبه من وكلاء إقليميين ومنظومة صاروخية.

في ما يخص التنافس السياسي الداخلي فصوت التيار الأصولي المتشدد هو الأعلى، على اعتبار أن نهج المفاوضات والدبلوماسية انتهى بإعادة عقوبات كانت رُفعت منذ 10 أعوام، وفي المقابل يحاجج التيار الإصلاحي ومنهم الرئيس السابق حسن روحاني بأن العقوبات التي عادت إنما فرضت في عهد الرئيس المتشدد أحمدي نجاد بفعل خطابه المعادي للغرب وهو ما أثقل إيران بإرث العقوبات.

من جهة أخرى، تزايدت مطالبات المتشددين للرئيس مسعود بزشكيان لتقديم استقالته على اعتبار أنه لم يفِ بوعود في شأن رفع العقوبات وحل المسألة النووية، لكنه في المقابل فشل في تنفيذ وعده وأعاد عقوبات كانت رفعت منذ 10 أعوام، مما يعد فشلاً في مجال السياسة الخارجية، فلم ترفع العقوبات، بل أعيدت قرارات عقوبات مجلس الأمن في عهد أحمدي نجاد ولا يزال التضخم مرتفعاً، والحصص غير العادلة في الجامعات مستمرة، وقيمة العملة الوطنية تتناقص يومياً.

وما زالت هناك أصوات تلوح بالانسحاب من خطة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي مطروحة على لجنة الأمن القومي، وكان هناك اجتماع مع علي لاريجاني لتعزيز توافق النظام ويلوح التيار المتشدد في البرلمان بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، فضلاً عن أصوات تنادي بإلغاء اتفاق القاهرة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وعلى رغم أن المادة العاشرة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية تنص على ما يلي “لأية دولة الحق، في إطار ممارستها لسيادتها الوطنية، في الانسحاب من المعاهدة إذا رأت أن ظروفاً استثنائية تتعلق بموضوعات المعاهدة تعرض مصالحها الحيوية للخطر. وفي هذه الحال، عليها إخطار جميع الأطراف ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل ثلاثة أشهر من الانسحاب، لكن لن تنسحب إيران لأنها تريد الاستمرار داخل الشرعية الدولية وإلا تمنح إسرائيل وواشنطن مبرراً لحشد المجتمع الدولي ضدها بحجة البرنامج النووي، لذا في مقابل التيار الذي ينادي بالانسحاب من معاهدة الانتشار النووي، هناك تيار آخر يقترح الانسحاب من المصادقة على المعاهدة، مما يعني أن إيران ملتزمة حظر الانتشار النووي، لكنها ستمنع وجود مفتشين ومراقبة دولية على برنامجها. وبالتأكيد هذا إجراء سيمنح الغرب مبرراً للشك في النشاط النووي الإيراني، لزيادة حال الغموض النووي أكثر في شأن برنامجها.

يسود في داخل إيران أن تفعيل آلية “سناب باك” هي خطوة رمزية وليست جوهرية إنما حرب نفسية، لأن حجم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على إيران حتى الآن تجاوز إجمال العقوبات الناتجة من قرارات مجلس الأمن الستة السابقة.

وفى حين أعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ضمن بيان يفيد بإعادة فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إيران في إطار آلية مجلس الأمن، وأعلنوا أنه لا خيار أمامهم سوى فرض العقوبات، لكنهم مستعدون للتفاوض مع طهران للتوصل إلى اتفاق جديد، كانت الخارجية الأميركية أيضاً تعلن أن الخيار الدبلوماسي مع إيران ما زال ممكناً.

هنا تعد إيران أن الموقف الأميركي والأوروبي نوع من الغطرسة الغربية ومحاولة لفرض شروط تفاوضية مجحفة على إيران. وأن الموقف الأوروبي الهدف منه مواكبة سياسة الضغط الأقصى الأميركية والتماهي مع موقف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو المتشدد تجاه إيران، في محاولة للتأثير في الملف الأوكراني. وبعيداً من هذه الحسابات، تعمق لدى إيران أنها تعرضت مرات عدة لضربات قاضية على رغم خوضها المفاوضات مع الغرب.

فقد هُوجمت من قبل إسرائيل ثم واشنطن في حين كانت تستعد للجولة السادسة من المفاوضات، وأنه أعيدت العقوبات الأممية بفعل الترويكا الأوروبية على رغم أنها أبدت تعاوناً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة، وصرح الرئيس الإيراني بعدم نية طهران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، فضلاً عن التصريح بالاستعداد لمفاوضات مباشرة مع واشنطن ومع ذلك صُوت بإعادة العقوبات الأممية.

من جهة أخرى، تعتقد إيران أن تفعيل آلية الزناد غير قانوني، وأنه يتعارض مع أحكام خطة العمل الشاملة المشتركة والقانون الدولي لذلك، تعد أن إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن غير قانونية وغير مقبولة، النقطة المهمة هي أن الصين وروسيا، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن، دعمتا موقف إيران، بل إن نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، صرح خلال جلسة التصويت على قرار تمديد آلية التفعيل، بأن بلاده تعتقد أن آلية التفعيل لم تفعل بعد، وبناءً عليه، ستعد موسكو القرار 2231 منتهياً خلال الـ18 من أكتوبر (تشرين الأول)، بل إنه أبلغ أمانة مجلس الأمن بأنه لا ينبغي لها وضع ترتيبات تنفيذية لفرض عقوبات على إيران.

ستحاول إيران الآن تعزيز علاقتها الدبلوماسية مع الصين وروسيا، بصفتهما عضوين من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، ولن يشاركا في عملية تنفيذ مراقبة امتثال الدول لعقوبات مجلس الأمن ضد إيران، نظراً إلى عدم قانونية تفعيل آلية “سناب باك”، وبناء على ذلك من المتوقع ألا تحظى هذه العقوبات بقبول لدى الدول الأخرى.

تحاول إيران أن تجعل من موقف روسيا والصين تجاه قرار مجلس الأمن نوعاً من التضامن ما بين الدول الرافضة للهيمنة الأميركية على النظام الدولي، والمؤسسات التي تدار وفقاً لمنظومة القيم والمعايير الغربية، ودليلاً على وجود النظام العالمي الجديد وتشكيل التحالفات الإقليمية.

ومن ثم هذا الموقف يتعلق بهيمنة النظام الأميركي على العالم، ورفضه من قبل توجه جديد نحو التعددية القطبية وحديث الصين عن إرساء نظام عالمي عادل، وفقاً لتصريحات الرئيس الصيني ضمن قمة شنغهاي حول أذرع بكين المفتوحة لجميع الدول التي تحتج على سياسات هذا النظام.

بتفعيل آلية “سناب باك” استنفد الأوروبيون أية أداوت للضغط على إيران، ومن ثم ليس أمام الأطراف جميعها سوى مسارين، إما المسار العسكري لتقوم إسرائيل بالعمل نيابة عن واشنطن أو المسار التفاوضي الذي يضع مزيداً من القيود، ليس على البرنامج النووي فقط بل الصاروخي وهو ما يهم الأوروبيين في المقام الأول، إلى جانب الضغط في ما يخص إمداد روسيا بالمسيرات التي تهدد الأمن الأوروبي.

وبينما لا وضوح إلا لهذين المسارين، نجد أن كلاً من إيران وإسرائيل تعلن جاهزيتها العسكرية لأية مواجهات عسكرية قادمة، ومن جهة أخرى تم اتفاق بين إيران والإدارة الأميركية في شأن نقل مهاجرين إيرانيين إلى إيران، وهو حدث نادر أن تم من قبل. ومن ثم فإن الأيام المقبلة قد تشهد إما الجولة الثانية من الحرب مع إسرائيل أو صفقات قصيرة بين إيران وواشنطن، ولكنها لن تتضمن الصواريخ الباليستية المهدد الرئيس لأمن إسرائيل وأساس استراتيجية إيران الدفاعية.



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى